ملَّ العالمُ منهم وملّوا منه: السوريون في بؤرةِ الشر

2021.05.08 | 06:01 دمشق

aldnmark.jpg
+A
حجم الخط
-A

تُظهر الأحداث المتتالية في الدنمارك وهولندا واليونان، والتي تضمنت أشكالاً غير مسبوقة في تعامل هذه الدول مع اللاجئين السوريين، نمطاً سلوكياً مختلفاً، عما هو مفترض، إزاء لاجئين قدموا من بلد يعيش حالة حرب ضارية، وقمعاً للحريات، وإفقاراً ونهباً للسكان، منذ سنوات، أوصلت غالبيتهم إلى درجات أدنى من حد الفقر!

السلوكيات الدنماركية فعلياً ليست بجديدة، فقد أعلنت مؤسساتها قبل عدة سنوات أنها ستستولي على ما يملكه طالبو اللجوء من أموال ومصوغات، طالما أنهم سيعيشون فيها، وأنها ستؤمّن لهم المسكن والمأكل والدواء والتعليم!

ومع تتالي الحكومات، وضمن التنافس السياسي على كسب أصوات الناخبين في واحدة من أغنى دول العالم، لطالما صنفت أنها من الأوائل في سلم الرفاهية، لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل جرى تغليظ الشروط الخاصة بلم شمل العائلات اللاجئة التي تفَرّق أفرادها، وصار الحصول على الجنسية شبه مستحيلٍ!

وفي النهاية؛ صار حق اللجوء بذاته، قابلاً للإلغاء تبعاً لتقديرات سياسية، تضعها الدولة المضيفة بناءً على استنتاجاتها الخاصة بالوضع الميداني في الداخل السوري، بدلاً من استناده إلى الأعراف والقواعد الأممية والقوانين الدولية، ولاسيما اتفاقية جنيف 1951 الخاصة بحماية اللاجئين وبروتوكول عام 1967، الذي عزز حقوق هؤلاء في أوروبا.

هذه السياسة المتجردة من القيم الإنسانية، تجد أصداءً لها في طول وعرض القارة العجوز

تبعاً لهذا، سيكون اللاجئون مهددين بما يعلنه النظام السوري وحلفاؤه، عن الأمن والأمان، وستصبح مصائرهم، مرتبطة بذهنية السياسيين الدانماركيين الذين يريدون وبأي شكل من الأشكال التخلص منهم، والوصول إلى حالة "صفر لجوء"!

هذه السياسة  المتجردة من القيم الإنسانية، تجد أصداءً لها في طول وعرض القارة العجوز، فيسارع اليمينيون إلى إعلان أهداف مشابهة في حال تمكنوا من الفوز بالانتخابات في بلدانهم، وهذا ما يحصل في هولندا، وغيرها، فكلما زادت الأزمات الداخلية، ارتفع صوت كارهي اللاجئين، وصار حضورهم على الشاشات أكبر وأوسع!

يرتعون في برامج النقاشات والسجالات، مكررين تلك الخطابات الشعبوية التي تداعب مشاهدين أرهقتهم الأوضاع الاقتصادية المتردية، والتي باتت كارثية مع استمرار الإغلاق، بسبب تتالي موجات وباء كورونا/ كوفيد 19.

أما اليونان، التي تعاني ما تعانيه اقتصادياً منذ سنين، وتقف محطة أولى في مسار رحلات اللجوء، فلم تكتف بالممارسات الوحشية التي قابلت بها طالبي اللجوء على حدودها أو في مياهها الإقليمية بمشاركة وكالة حماية الحدود الأوروبية "فرونتيكس"، فقد صنعت ما لم يصنعه الأولون والآخرون، إذ عاقبت لاجئاً سورياً متهماً بمساعدة لاجئين آخرين على دخولها بالسـجن مدة 52 عاماً، وغرامة تصل إلى 240 ألف يورو!

فعلياً، لم يصل السوريون في تاريخهم الحديث -أينما كانوا- إلى مرحلة أسوأ من هذه!

حيث بات الخراب الذي يتعرضون له أقوى من أن يكون مجرد أنشوطة التفت على أعناقهم، تقوم بخنقهم بشكلٍ بطيء، كنتيجة لواقع حرب النظام على الثائرين وما تنتجه من فقر وعوز وجوع وتشرد ونزوح ولجوء، مروراً بالمذابح والإعدامات، وتغييب البشر في المعتقلات والسجون!

لقد صار شراً محكماً، وهم مستنزفون في بؤرته، ومصلوبون في نقطة المركز من الدريئة التي يوجه الجميع نحوها فوهات مسدساتهم وبنادقهم، ويصوبون آملين نيل ما يرضي نزعاتهم، التي لا تستطيع أن تنتصر فعلياً سوى على الضعفاء!

الشر هنا، وبتضاد أولي مع رؤية حنة أرندت، لم يعد مجرد ممارسات، لأفراد تم تنجير عقولهم في ورشات الأنظمة التوتاليتارية، بل هو أيضاً سياق من ممارسات بيروقراطية شديدة التطرف، في أنظمة ديموقراطية، لا تتضمن واجبات العدالة فيها سوى حقوق المواطنين، أو المغايرين الذين يمتلكون حقوقاً في أوطانهم.

بينما يخضع المهاجرون، واللاجئون لمعاملة مختلفة، أقل ما فيها أنها تجردهم من كينونتهم البشرية، فيصبحون أرقاماً عالقة في الميزانيات، وأيضاً أغراضاً تشوه ملامح المشهد الأصلي البديع، وبات من الواجب التخلص منهم، وإعادتهم من حيث أتوا!

ها هم يتمثلون سياسة مجرم أوروبي آخر هو فلاديمير بوتين، الذي يحمي الأسد، ويساعده في ارتكاب المذابح ضد المدنيين!

الشر، ليس فقط أن يتعرض هؤلاء الضحايا للممارسات المذكورة أعلاه، بل هو أيضاً أن يتحالف المتضررون من وجود اللاجئين، مع قاتلهم، ومدمر حيواتهم، فيستجيبون لإملاءاته، بعد أن صارت مسألة محاسبته على جرائمه، غير مطروحة على طاولاتهم!

وها هم يتمثلون سياسة مجرم أوروبي آخر هو فلاديمير بوتين، الذي يحمي الأسد، ويساعده في ارتكاب المذابح ضد المدنيين!

أي عبث، يقودنا إليه هذا الشر الذي يلبس البدلات الأنيقة ويتعطر بأجمل العطور؟ ولا يكلف نفسه حتى ارتداء القفازات المطاطية، وهو يضع على كف عفريتٍ مصائر المئات بل الآلاف من اللاجئين الباحثين عن مستقر مؤقت، يضمن لهم العيش الكريم، وتأمين حقوق أطفالهم بالتعلم!

أليس هذا الشر هو ذاته سياسة ترك اللاجئين يغرقون في مياه المتوسط، وترك البقية رهائن مختطفين لدى الديكتاتوريات المدعومة من الدول الغربية، وإبقاء الناجين الذين تمكنوا من الوصول إلى أوروبا على قلق، أو رهن مشاريع قهر إضافي، ولو بعد حين!؟