ملاحظات أساسية حول محاكمة بنيامين نتنياهو

2020.05.30 | 00:00 دمشق

2020-05-24t061502z_92361825_rc2uug9pizdz_rtrmadp_3_israel-netanyahu-trial.jpg
+A
حجم الخط
-A

بدأت الأسبوع الماضي محاكمة رئيس الوزراء الإسرائيلي وزعيم حزب الليكود بنيامين نتنياهو في اتهامات تتعلق بالفساد وسوء استخدام السلطة. المحاكمة وصفت بالتاريخية كون نتنياهو أول رئيس وزراء في تاريخ الدولة العبرية يجلس في مقعد المتهم ويحاكم وهو في سدة السلطة.

نتنياهو يواجه اتهامات بالرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة في ثلاثة ملفات قضائية عرفت بالملف الـ1000 الذي يتهم فيه بطلب الحصول على هدايا فاخرة، بل خط إمداد لسنوات "كما جاء حرفياً في لائحة الاتهام" من رجال أعمال مقابل تقديم تسهيلات اقتصادية لهم، والملف الثاني 2000  يتهم فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بمحاولة الحصول على تغطية داعمة من صحيفة "يديعوت أحرونوت" مقابل فرض قيود على منافستها صحيفة "إسرائيل اليوم" التي توزع مجاناً ويمولها رجل الأعمال اليهودي الأمريكي المتطرف شيلدون أديلسون، وهو من أصدقاء وحلفاء نتنياهو.

أما الملف الثالث 4000 وهو الأخطر فيتعلق بتقديم تسهيلات ومعاملة تفضيلية لصاحب شركة بيزك للاتصالات رجل الأعمال شاؤول الوفيتش مقابل حصول نتنياهو وعائلته على تغطية داعمة ومنحازة من موقع "واللا" التابع للشركة، والذي يعتبر من أهم المواقع الإلكترونية الإخبارية في إسرائيل. أفلت نتنياهو "فقط لعدم كفاية الأدلة" من المحاكمة في الملف 3000 الذي يوصف بالخطير جداً، ويتعلق بحصول مسؤولين مقربين منه "مدير مكتبه السابق ومحاميه وابن عمه" على رشوة ضخمة من شركة ألمانية لصناعة السفن، مقابل شراء الحكومة الإسرائيلية عدداً إضافياً من الغواصات التي تنتجها الشركة بدعم من الحكومة الألمانية. الصفقة تمت بعيداً عن وزير الدفاع السابق وخصم نتنياهو الحالي الجنرال موشيه يعلون الذي وصفها بالأخطر في تاريخ الوزارة وإسرائيل بشكل عام.

نتنياهو يواجه اتهامات بالرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة في ثلاثة ملفات قضائية عرفت بالملف الـ1000

مشهد المحكمة الإثنين الماضي كان  في الحقيقة  نتاج ثلاث سنوات من التطورات القضائية والسياسية العاصفة التي عاشتها الدولة العبرية، حيث مارس رئيس الوزراء ومعسكره اليميني المتطرف ضغوطاً سياسية وإعلامية مكثفة لامست حدود الانفلات ضد المستشار القضائي للحكومة أفيخاي مندلبيت لمنعه من تقديم لائحة، بل لوائح اتهام ضد نتنياهو، وعندما لم يتحقق الهدف أدخل هذا الأخير إسرائيل كلها في حالة من الجمود والشلل السياسي والمؤسساتي استمرت لعام ونصف وشهدت ثلاث دورات انتخابية سعى خلالها  للحصول على أغلبية نيابية لمعسكره تمكنه من تشكيل الحكومة منفرداً، ومن ثم  صياغة قوانين تمنع محاكمته أثناء تولي المنصب.

وباء كورونا وقصر نفس  بيني غانتس زعيم تحالف أزرق أبيض المعارض أنقذا نتنياهو من مأزقه السياسي والأخلاقي بعد موافقة غانتس على تشكيل حكومة طوارىء قومية مناصفة بينهما على أن يتولى زعيم الليكود رئاستها أولاً لمدة عام ونصف، بينما تستمر جلسات محاكمته في سياقها القضائي المعتاد في تراجع عن مواقفه خلال الحملات الانتخابية التي أكد فيها على رفض الجلوس مع المتهم نتنياهو في حكومة واحدة.

لا يمكن التشكيك قطعاً في أن مشهد الاثنين مثَّلَ دليلاً ساطعاً على الديمقراطية في إسرائيل التي كانت سبباً أو أحد أسباب استمرارها حتى الآن، وأن يجلس رئيس وزراء لا يزال يمارس مهام منصبه في مقعد المتهم فهذا مشهد ديمقراطي لا جدال فيه مع الانتباه إلى أن الديمقراطية الإسرائيلية هي لليهود فقط، حيث أن الدولة العبرية يهودية وعنصرية تجاه العرب، تمارس التمييز العنصري ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948، والفصل العنصري ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1967.

مع ذلك يبدو أن الديمقراطية الإسرائيلية تتآكل بدليل سعى نتنياهو للتملص بكل الوسائل المتاحة من المحكمة ثم رفضه الاستقالة بعد توجيه لوائح اتهام ضده مثلما طالب هو نفسه رئيس الوزراء السابق أهود أولمرت في العام 2009، بينما بدا صباح الإثنين الماضي منفلتاً معتبراً المحاكمة شخصية وسياسية له ولمعسكر اليمين ومحرضاً على خصومه السياسيين ووسائل الإعلام والمنظومة القضائية والعدلية كلها بما فيها الشرطة والنيابة العامة، وحتى المستشار القضائي للحكومة الذي عينه نتنياهو نفسه في المنصب، علماً أنه أي أفيخاي مندلبيت يرتدي القبعة الدينية وينتمى فكرياً إلى المعسكر الديني الصهيوني.

محكمة رئيس الوزراء الإسرائيلي ستكون طويلة وستمتد غالباً لسنتين وربما ثلاث، وخلال هذه الفترة لن يظهر مجدداً في قفص الاتهام، وحتى بعد صدور الحكم بإمكانه الاستئنناف أمام المحكمة العليا التي تعتبر بمثابة محكمة نقض، إلا أن نتنياهو  يفكر بطريقة وأولويات مختلفة حيث يسعى إلى ضم  غور الأردن والمستوطنات في الضفة الغربية، وتجاوز الآثار الاقتصادية الاجتماعية لوباء كورونا، ومن ثم وعند انتهاء فترته في رئاسة الوزراء سيحاول التوصل إلى صفقة قضائية مع المحكمة تحول دون سجنه مقابل عقوبات مخففة كونه لا يريد دخول التاريخ كأول رئيس وزراء يحاكم أثناء أدائه مهام منصبه، وثاني رئيس يسجن بعد أهود أولمرت وإنما كصاحب أطول فترة زمنية في المنصب وكمن فرض الحلّ الأحادي على الفلسطينيين، "الحكم الذاتي البلدي الموسع" بالقوة وشطب القضية الفلسطينية عن جدول الأعمال الإقليمي الدولي، وكمن منع إيران من حيازة سلاح نووي، علماً أنه يستخدم الملف الإيراني وممارسات طهران التوسعية للتغطية على الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وهضبة الجولان.

نبوءة بن غوريون تتردد الآن في إسرائيل على ألسنة سياسيين كثر منهم أهود أولمرت وأفيغدور ليبرمان وزعيم المعارضة يئير ليبيد

لكي يكتمل المشهد لا بد من استحضار نبوءة دافيد بن غوريون مؤسس إسرائيل وصاحب أطول فترة في رئاسة الحكومة قبل أن ينتزع نتنياهو منه هذا اللقب. بن غوريون ألقى خطاباً في الكنيست بداية خمسينيات القرن الماضي قال فيه إنه سيشكل حكومة مع كل الأحزاب السياسية ما عدا الحزب الشيوعي ماكاي وحزب حيروت - تحول إلى ليكود فيما بعد - فسأله مساعده أن المبرر واضح تجاه ماكاي الذي يضم شيوعيين وعرباً، ولكن لماذا استبعاد حيروت وهم صهاينة فأجابه بن غوريون "إنهم خياليون أعطهم السلطة يدمرون الدولة".

عبارة أو بالأحرى نبوءة بن غوريون تتردد الآن في إسرائيل على ألسنة سياسيين كثر منهم أهود أولمرت وأفيغدور ليبرمان وزعيم المعارضة يئير ليبيد الذين يتهمون نتنياهو  بالسعي لإشعال حرب أهلية وتدمير الدولة ومؤسساتها فقط كي يغطي على محاكمته واحتمال إدانته ودخوله السجن.

أما خطة ضم غور الأردن ومستوطنات الضفة الغربية التي يسعى نتنياهو من خلالها أيضاً لدخول التاريخ وطمس تفاصيل ومجريات محاكمته فستؤدي مع الوقت إلى زوال إسرائيل كدولة ديمقراطية ولو لليهود فقط، وستتحول إما إلى دولة ديمقراطية لكل مواطنيها بغالبية عربية صلبة أو دولة يهودية تؤسس نظام فصل عنصري صارخ وفق النموذج الجنوب الإفريقي وفي الحالتين تبدو نهايتها مؤكدة وسيتم تدمير المشروع الصهيوني تماماً، كما توقع بن غوريون قبل ستين عاماً.

كلمات مفتاحية