مقاتلون سوريون في حروب الآخرين

2020.10.19 | 00:15 دمشق

708384.jpg
+A
حجم الخط
-A

تثير مسألة إرسال قوى وأطراف إقليمية ودولية عدداً من المقاتلين السوريين إلى ليبيا وأذربيجان، للقتال في الحروب والمعارك الدائرة في كلا الدولتين، إشكاليات أخلاقية وحساسيات وطنية لدى العديد من السوريين، وأضحت موضوع نقاشات وجدالات بين سياسيين وناشطين سوريين، فضلاً عن أنها باتت تشكل مادة للتشهير والتهويل في بعض وسائل الإعلام العربي والأجنبي.

وبالرغم من نفي تركيا الرسمي، وعلى لسان كبار المسؤولين فيها، فإن هناك تقارير إعلامية تتهمها بنقل مقاتلين سوريين، منخرطين في بعض الفصائل المعارضة المتمركزة في الشمال السوري، إلى أذربيجان، وقبلها إلى ليبيا، وقوبل ذلك بنفي من قبل قادة بعض الفصائل، لكنه أربك معظم مقاتلي المعارضة، وفرض عليهم تحديات وشكاليات أخلاقية، كونهم انتموا إلى فصائل المعارضة للدفاع عن ثورتهم وحاضنتها الاجتماعية في مواجهة الحرب، التي يشنها عليهم نظام الأسد وحلفاؤه الروس والإيرانيون ومرتزقتهم.

وبعيداً عن التهويل الإعلامي والتوظيفات السياسية للمسألة، التي لا تخرج عن سياق صراع المحاور الإقليمي والدولي في منطقتنا، فإن ظاهرة زجّ المرتزقة في الحروب والنزاعات في كل من ليبيا وأذربيجان وسواهما لا تقتصر على السوريين، بل هناك مرتزقة جندوا ونقلوا إليهما من جنسيات مختلفة، حيث سبق أن كشف المبعوث الأممي السابق إلى ليبيا، غسان سلامة، عن وجود "عدد كبير من غير الليبيين الذين يقاتلون في الجبهات الليبية من أكثر من 10 دول، آخرهم كان وصول عدد من المقاتلين السوريين". كما كشفت تقارير عن تجنيد نظام الأسد والروس مقاتلين سوريين وإرسالهم إلى ليبيا، للقتال هناك ضد مقاتلي حكومة الوفاق في طرابلس.

ولا تدور هذه السطور حول البحث عن مبرارات لأي كان، إنما النظر في ظاهرة البنادق المأجورة أو المرتزقة التي تدخل في إطار خصخصة الحروب، وقامت بها الدول الكبرى بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، ثم تنامت مع انتهاء الحرب الباردة، حين لجأت تلك الدول إلى استبدال جنودها في أماكن نزاع عديدة من العالم بمدنيين ومقاتلين يملكون بنادق مؤجرة، ولا يخضعون لأي إجراءات عقابية وفق المعايير العسكرية المعروفة، ولا لأي تبعات قانونية منصوص عليها في القانون الدولي. وعمدت تلك الدول إلى ذلك بعد أن قامت بتقليص نفقاتها العسكرية عبر تسريح العديد من أفراد جيوشها، مفسحة المجال أمام شركات أمنية خاصة للقيام بتجنيد أعداد كبيرة من المرتزقة، مثل شركة "بلاك ووتر" المتعاقدة مع وزارة الدفاع الأميركية، التي لعبت دوراً كبيراً في الحرب الأميركية على العراق، وشركة "فاغنر" الروسية التي يديرها يفغيني بريغوجين، المعروف باسم "طباخ الكرملين"، المقرب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وزجّت بآلاف المرتزقة الروس في سوريا للحرب إلى جانب نظام الأسد، وفعلت ذلك أيضاً في ليبيا للقتال إلى جانب قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وفي غيرها من دول العالم.

ولا شك في أنه مع تحول سوريا إلى ساحة لحرب بالوكالات بين الدول المتدخلة في الشأن السوري، فإن مرتزقة من جنسيات مختلفة وعديدة، جندهم وأرسلهم إليها، سواء بشكل مباشر

هناك جهات وقوى دولية تحاول استغلال الأوضاع والظروف المادية والمعيشية الصعبة التي يواجهها غالبية الشباب السوري، وجعلهم وقوداً في حروبها

أم غير مباشر، كل من نظام الملالي الإيراني والنظام الروسي، للقتال إلى جانب قوات وميليشيات الأسد وميليشيات حزب الله اللبناني وسواها. وحدث أمر مشابه في ليبيا، حيث أرسلت أغلب الدول المتدخلة فيها مجموعات من المرتزقة، للقتال إلى جانب طرفي الصراع فيها، وباتت الحرب في كل من سوريا وليبيا حرباً بالوكلاء والمرتزقة، وذلك على حساب دماء الليبيين والسوريين.

وإن كان واقع الحال يظهر أن هناك جهات وقوى دولية تحاول استغلال الأوضاع والظروف المادية والمعيشية الصعبة التي يواجهها غالبية الشباب السوري، وجعلهم وقوداً في حروبها، إلا أن ما يهمنا هو أن تحول المقاتل السوري ضد نظام الأسد إلى مرتزق، مهما كانت المبررات، يلاقي استنكار غالبية السوريين، على خلفية رفض إقدام أي سوري على الموافقة للذهاب إلى القتال خارج الأرض السورية في حروب الآخرين، مهما كانت الظروف والذرائع التي يقدمها، وأيّاً كانت المغريات والضغوط التي مُورست عليه، لأن السوريين اضطروا إلى حمل السلاح دفاعاً عن أنفسهم، وعن حقهم بالخلاص من الاستبداد ونيل حريتهم في مواجهة نظام الأسد الإجرامي، الذي ارتكب بحقهم كل أنواع الانتهاكات وجرائم الحرب، واستقدم مرتزقة من مختلف الجنسيات للدفاع عنه، لذلك رفض عدد من مقاتلي فصائل المعارضة السورية بشكل علني الموافقة على الذهاب للقتال خارج سوريا، لأن معركتهم هي ضد نظام الأسد المجرم وميليشيات المرتزقة التي استعان بها من كل حدب وصوب.

ولا يعدم الأمر وجود عوامل عديدة تدفع بعض السوريين إلى القتال خارج أرضهم، إضافة إلى صعوبات واقتصادية ومعيشية واجتماعية، ذلك أن الظاهرة بدأت مع سنوات الحرب الطويلة، وزيادة التدهور المعيشي لحال غالبية السوريين، بعد أن وصلت نسبة الفقر بينهم إلى أكثر من 90%، وبات بعضهم يعاني من مجاعة حقيقية، إضافة إلى إنسداد الأفق أمام جيل كامل من الشباب، مع قلة فرص العمل وشحّ مصادر الدخل، فضلاً عن وجود مقاتلين امتهنوا الحرب، وباتت تشكل جزءاً من كيانهم وذواتهم، ووصلوا إلى طريق مسدود ومظلم، لا يملكون فيه أي بصيص أمل في العودة إلى حياة طبيعية مثلهم مثل باقي الناس.

ومهما كانت دوافع وماهية الذين يقاتلون في معارك ليست معاركهم مقابل تعويض مادي، فإنها لا تجد من ينتصر لها، كونها تدخل في باب الأعذار والمبررات لعمل مرفوض. ولعل الإدانة لا توجه فقط إلى من يقاتل من السوريين في حروب الآخرين، بل توجه كذلك إلى الجهات والقوى التي جندته وزجّته في معارك ليست معاركه، والإدانة الأكبر لنظام الأسد الذي تسبب بكل الكوارث والمصائب التي حلّت بالسوريين، وإلى المجتمع الدولي الذي لم يبذل الجهود المطلوبة، من أجل التوصل إلى حل سياسي ينهي الكارثة السورية، وتركهم عرضة للمجازر ولمختلف أنواع الانتهاكات والجرائم، وللتناثر والتشظي على كل المستويات.