مفيد الوحش والسؤال الصعب

2021.05.19 | 07:01 دمشق

whatsapp_image_2021-05-18_at_2.42.42_pm.jpeg
+A
حجم الخط
-A

المشهد الأخير.. يجلس "مفيد الوحش" بجوار منزله مبتور الساقين، يقترب منه عدوه اللدود "الزلقوط"، يحاول الأخير استغلال ضعف وعجز الأول، فيمسك به مفيد الوحش بقوة ليتدحرج معه على الكرسي المتحرك الذي كان يجلس عليه ويسقطا من ارتفاع كبير في البحر وتكون تلك "نهاية رجل شجاع"، يحضر المشهد أمامي اليوم بعد نحو سبعة وعشرين عاماً على عرض ذلك العمل الدرامي البديع الذي كان بطله الفنان السوري أيمن زيدان، الذي طرح عليه قبل أيام "السؤال الصعب" خلال لقاء مع فضائية سكاي نيوز عربية: من ستدعم في الانتخابات الرئاسية المقبلة؟

يجيب زيدان: "أنا سأدعم من بقي عشر سنوات لم يغادر سوريا، لم يهرب خارج سوريا، بقي متمترساً طوال الحرب، رغم أن المسلحين وصلوا إلى أعتاب دمشق، أكيد سأدعم -بصراحة يعني- سأدعم الرئيس الدكتور بشار الأسد"، لكم أن تتخيلوا في هذه الإجابة أيمن زيدان مشتبثا بالنظام، يدافع عنه مقتنعاً أو مكرهاً عاجزاً، يتدحرج معه ليلقى حتفه، ويرمي بنفسه وكل تاريخه الفني في البحر، مع بعض المفارقات البسيطة بينه وبين مفيد الوحش.

تصريحات أيمن زيدان أشعلت وسائل التواصل الاجتماعي، فمن كان يلعب في المساحة الرمادية إن صح التعبير على مدار سنوات الثورة، خرج منها اليوم بموقف حاد، لتنهال التعليقات بين مبرر له قياسا على الآية الكريمة "إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان"، وبين مهاجم يرى أيمن زيدان يشكل امتدادا لدريد لحام الذي كان يبحث عن "شوية كرامة بس" في مسرحية كاسك يا وطن، لتجده في الواقع يشرب كأسا دمويا مع نظام الأسد حين اندلعت الثورة.

والأمر لا يختلف كثيرا عن أيمن زيدان الذي ارتبط اسمه بأعمال درامية بديعة، فهو البطل المقاوم الثائر الفارس في نهاية رجل شجاع وأخوة التراب وأيام الغضب والجوارح، وهو المدير الصالح الذي يحارب الفساد والمفسدين في "يوميات مدير عام"، وهو ذلك المواطن التعيس الفقير الغارق بأزمات اقتصادية لا تنتهي في "بطل من هذا الزمان"، وتلك الأعمال بطبيعة الحال تأتي حاضرة عند المقارنة بينها وبين موقف من أدى دورها.

أحدثت الثورة السورية انشقاقا بين الفنانين السوريين، فهناك من غادر البلاد وأعلن دعمه لها، وهناك من غادر وأخذ موقف اللاموقف وهو بحد ذاته موقف ربما، أما من بقوا في سوريا فانقسموا إلى درجات أيضا، بين فنانين أخذوا أقصى مواقف التطرف في دعم الأسد وجرائمه، وعلى النقيض اكتفى آخرون بالصمت الكلي، وبين الفريقين ستظهر فئة ثالثة كانت تنتقد الأوضاع المعيشية المزرية التي وصلت إليها البلاد، فئة تلعب على الكلمات، تنتقد ضمن دائرة المسموح، وهي بكل الأحوال تشبه الدائرة التي رسمها الأسد للدراما السورية قبل الثورة، داخلها سترى نقداً للأجهزة الأمنية، للفساد، للوضع الاقتصادي السيئ، وكان أيمن زيدان ضمن تلك الدائرة قبل الثورة، أما بعدها فقفز إلى دائرة أخرى، إلى أعمال فنية تخدم رواية النظام، فتراه بطل ثلاثة أفلام سينمائية، الأب 2015، ودرب السما 2016، ومسافرو الحرب 2017، وعند مشاهدتك لهذه الأعمال الثلاثة، ستجد أن أيمن زيدان في مقابلته الإعلامية الأخيرة، لم يكن يجيب على "السؤال الصعب"، لقد كان سؤالا سهلاً جداً لرجل أجاب قبل سنوات على سؤال حول الديمقراطية، فقال إن لديه حساسية منها وليس من أنصارها في مجتمع متخلف غائب الوعي، وقد يجد زيدان أنصارا لهذا الرأي، لكن ذلك ليس مبرراً للوقوف مع الطرف الآخر وأن تكون ذنبا له، الواجب قطعه كما قطع مفيد الوحش "ذنب الجحش".