مفاعيل ترامب.. ومفاعل إيران

2020.07.20 | 00:01 دمشق

alqwbat-aljdydt-ttawl-qtaat-altaqt-wbna-alsfn-walshhn-albhry-walbnwk-alayranyt.jpg
+A
حجم الخط
-A

لم تمر الولايات المتحدة الأميركية برئاسة إشكالية، وعرة ومربكة كهذه الرئاسة، التي يسبغ عليها فرد لا منظومة رئاسية ماركةً مسجلةً فريدةً من نوعها. إنها الرئاسة المبنية على ديمومة الصراعات، وعلى بريق الإثارة؛ بحيث تسود تفاصيل الصراعات، وجذب الإثارة، فيضيع جوهر أية مسألة. لم تنشأ عداوة بين رئيس أميركي والإعلام كما نشأ بين الرئيس ترامب ومعظم إعلام أميركا.

وما بدّل رئيس أميركي أشخاصاً مفتاحيّين في إدارته كما فعل ترامب؛ وما اتخذ رئيس أميركي قرارات مثيرة على مستوى العالم كما اتخذ ترامب، ابتداءً من التنصل من معاهدة باريس حول المناخ، مروراً بهز ّ جدران حلف الناتو، وصولًا إلى إدارة الظهر لمنظمة الصحة العالمية.

وعلى العكس مما يعتقد البعض، حتى جائحة كورونا -رغم ثقل واتساع وطأتها- شكّلت سياقاً وفرصة لمتابعة الحملة الانتخابية. ولكن من غير الواضح إذا كانت كل تلك المعطيات- بما فيها ما يتحدث عنه ترامب من منجزات وأرقام قياسية غير مسبوقة بتاريخ أميركا- كافية أو ضامنة لولاية جديدة في البيت الأبيض. يرى البعض أن كل ذلك غير كاف؛ وخاصة ما تعكسه استطلاعات الرأي الأخيرة إثر مضاعفات كورونا وأحداث ولاية "مينيسوتا"؛ والحال هكذا، فليس أمام ترمب إلا منجزاً من نوع ما على الصعيد الخارجي. والمتوفر على قائمة ترامب الخارجية هو الصين كهدف يتحرك بهدوء، وروسيا بوتين التي تتحرك برعونة؛ وفي الحالتين يحتاج ترامب لإشعارهما بقوتهما المحدودة مقارنة بالجبروت الأميركي. هذا ببساطة مهمة شبه مستحيلة؛ والوصفة الأنجع لفشل محتَّم.

في ظل حسابات مرعبة كهذه، يبقى الملف النووي الإيراني الخيار الأفضل لتحقيق منجزٍ خارجي. أمر كهذا يحتاج فقط رفع منسوب المواجهة وحدّيتها. إيران من جانبها تماطل، تتلاعب، تغازل، تهدد، وتستنفر؛ ومبدأ "التقية" يكلل أداءها. تتحمل الحصار، وضرب إسرائيل المستمر؛ ولكن يبقى انتظارها رحيل ترامب سيّد الموقف؛ وبالمقابل تبقى بالنسبة لترامب أسهل الأهداف، والأقل كلفة.

من جانب آخر، وانسجاماً مع الاستراتيجية "الترامبية"، لا بد أن فريقه يستمر بلعبة عدم حسم الصراعات، ومن بينها إيران للاستفادة من قصة مفتوحة تبقي الصراع ملتهباً، والإثارة شغّالة. وفي هذه النقطة بالذات، لا بد أن رجل الأعمال ترامب -لا المرشح الرئاسي ترامب- يستنفر آلات حساب الربح والخسارة بأقصى طاقاتها: هل سيحتاج إلى حسم لينجز، أم أن ترك الصفقة المثيرة مفتوحة تغذي صورته؟ وهل يحتمل أو يقدر خصومه على لعبة أو صراع كهذا؟

الأكثر تحسباً وإرباكاً هو إيران. فبعد الاتفاق العسكري الاستراتيجي مع نظام الأسد ليكونا كيانين مارقين معاقبين محاصرين يستشعران التردد الأميركي في الانخراط بعمل عسكري قبيل الانتخابات الرئاسية الأميركية بأشهر. ربما تجد إيران نفسها أمام إغراء كبير بالتحدي؛ ولكنها من جانب آخر تحت إغراء الأمل بالخلاص من ترامب وقدوم إدارة ديموقراطية كإدارة أوباما تفسح في المجال لمزيد من العبث الإيراني إقليمياً.

إيران أمام المقامرة الأكبر بتاريخها: إمّا أن تتحمّل كل الخسائر المحتملة من خلال الصبر على الضغوطات التي تأتيها من إسرائيل وأميركا ذاتها، بانتظار زوال إدارة ترامب؛ أو أن ترفع درجة الاستفزاز من جانبها، والرهان على أن أميركا في فترة كهذه لن تدخل حرباً. في رهانها الأخير ترتكب إيران الحماقة التاريخية القاتلة؛ فهكذا تسيء تقدير أو فهم استراتيجية ترامب المبنية على الإثارة والتطلع إلى الصراعات. الأمر الذي يصعب على إيران تحمله هو فترة ترامبية ثانية لن تكون إلا أشد سطوة وأكثر حزماً؛ لأن ترامب عندها سيخرج من "تلفزيون الواقع" إلى /كتب التاريخ/. فترة رئاسية ليس فيها تطلع إلى فترة أخرى؛ بل تطلع إلى تسجيل التاريخ لرئاسة فريدة من نوعها.

أما الإحراج الفريد من نوعه، فسيكون من نصيب روسيا بوتين. فعلى سبيل المثال، إذا كان بوتين حريصاً على منظومة الأسد مثلاً، فعليه أن يحمل ويتحمّل بقاء إيران معه بحكم ارتباطها التوْءَمي مع نظام الأسد؛ وهذا ما يضع روسيا في الخانة ذاتها بالنسبة لأميركا ولإسرائيل أيضاً. وإذا ثبت أنه ما من اتفاق عميق بين إيران وإسرائيل؛ واندلعت مواجهة خشنة، فإنها ستكون حاسمة. فلا يمكن لإسرائيل إلا أن تحسمها لصالحها، أو أن النهاية المحتمة ستكون بانتظارها. في المحصلة نحن إما أمام مئة يوم ساخنة جداً؛ أو أربعة أعوام أكثر سخونة. وفي الحالتين، وبمفاعيل ترامب سيشهد عالمنا خلاصاً ليس فقط من مفاعل إيران بل من مشروعها السرطاني برمّته.