مصير عباس على الأجندة الإسرائيلية مجددا

2020.12.20 | 23:02 دمشق

rts2qwp2-870.jpg
+A
حجم الخط
-A

بصورة لافتة، أكثر الإسرائيليون في الأيام الأخيرة من الحديث عن سيناريوهات كثيرة حول الأيام التي ستأتي بعد رحيل الرئيس الفلسطيني محمود عباس، معظمها ذات طابع درامي؛ لأن الطريقة التي ستتصرف وفقها إسرائيل، سيكون لها تأثير عميق على تصميم "اليوم التالي"، ومن الضروري التحضير لهذا بالفعل هذه الأيام.

يفترض الإسرائيليون أن اليوم التالي لأبو مازن يجب أن لا يكون مختلفا عن اليوم السابق، والكثير منه يعتمد على إسرائيل، مع ضمان الاستقرار الاقتصادي في الضفة الغربية، التي شكلت وصفة لهدوء نسبي في المنطقة لأكثر من عقد من الزمان، وقد تساهم فترة ولاية بايدن باستقرار النظام الفلسطيني في سياق "اليوم التالي" لغياب عباس.

مع العلم أن التطورات التي تشهدها واشنطن تثير هدوءً وتفاؤلا حذرا في رام الله، لكن مستقبل الوضع في قيادة السلطة الفلسطينية سيعتمد على الانتخابات التي ستجريها، وتفضيل قادتها التوحد بدلا من تطوير صراع عنيف على السلطة، لا سيما مع تعمق الانقسام بين قطاع غزة والضفة الغربية، وفشل المصالحة مع حماس.

تواجه إسرائيل صعوبة في فهم التعقيد الذي يميز شخصية عباس؛ لأن الميل لقراءته بالنظارات الإسرائيلية يخلق انقساما، فإما يكون عباس شريكا في السلام أو عدوا رافضا، ومن الناحية العملية، يجسد تناقضات تعكس الصورة المعقدة للنظام الفلسطيني بكامله، مما جعله رصيدا وعبئا في الوقت نفسه.

من بين المشكلات الاستراتيجية التي تواجهها إسرائيل، تكثيف استعداداتها لـ"اليوم التالي" لأبو مازن، لأنها ليست قضية فلسطينية، بل يتوقع أن تؤثر بشكل مباشر على موقع إسرائيل الاستراتيجي

صحيح أن عباس من وجهة نظر إسرائيل مكّن الاستقرار الاستراتيجي بالضفة الغربية، وأوقف تمدد الربيع العربي للفلسطينيين، وكبح تمدد حماس، وحافظ على علاقات وثيقة مع إسرائيل؛ لكنه من ناحية أخرى قاد نظاما فاسدا، وانتهك حقوق الإنسان، ويتوقع أن تسجل حقبته في التاريخ كأفضل وأسوأ ما عرفه النظام الفلسطيني على الإطلاق، خاصة في الضفة الغربية: سواء الاستقرار والازدهار، أو أزمة عميقة ومستمرة.

من بين المشكلات الاستراتيجية التي تواجهها إسرائيل، تكثيف استعداداتها لـ"اليوم التالي" لأبو مازن، لأنها ليست قضية فلسطينية، بل يتوقع أن تؤثر بشكل مباشر على موقع إسرائيل الاستراتيجي، لأن اختفاءه من الساحة قد يترك الوضع الفلسطيني في ضباب شديد دون إجراءات لنقل السلطة، ودون خلف جاهز، مع مجموعة مرشحين، واحتمال نشوب صراع بينهم؛ لأن سياسة أبو مازن تعمق الشرخ بين غزة والضفة.

من علامات الاستفهام الإسرائيلية الثقيلة التي تظهر سيناريوهات تتطور مع اختفاء عباس، أهمها توحيد القوى ممن يدعون إرثه لتحقيق استقرار فتح، على الأقل مؤقتا، حتى ظهور زعيم مهيمن من المجموعة الحاكمة؛ والمعسكرات المتنافسة، واحتمال أن تكون النضالات صعبة وطويلة الأمد، تقوض الحكم الفلسطيني، وتخلق ظواهر من الفوضى و"كانتونات" بالضفة الغربية، تسيطر عليها القيادات المحلية أو الميليشيات المسلحة.

مع العلم أن المسار الصحيح لإسرائيل يعتمد على مزيج من المساهمة باستقرار النظام الفلسطيني، خشية التأثير سلبا على إسرائيل، وعدم الابتعاد عمن يشكل تهديدا خطيرا، وتنسق إسرائيل تحركاتها مع قوى المنطقة، التي تبدي انخراطا في قضية "اليوم التالي" لغياب عباس، وأهمها مصر والأردن والخليج، بينما تحاول حشد قوتها السياسية والاقتصادية لتحقيق استقرار الفلسطينيين، دون الانغماس بمغامرات "الترشح" نيابة عن القوى الإقليمية.

لا شك أن ولاية بايدن تساهم باستقرار النظام الفلسطيني في "اليوم التالي"، لأن أبو مازن أنهى الأزمة التي طال أمدها مع إسرائيل، وهو مستعد لتجديد العلاقات مع الإدارة الأميركية؛ على أمل تجدد مساعداتها الاقتصادية، ثم بدء المفاوضات السياسية، وتعود واشنطن لتؤدي دور الوسيط العادل بنظر الفلسطينيين، لأنه يؤسس إطارا للحوار المباشر بين الطرفين، مما سيسهم باستقرار السلطة حتى بعد اختفاء عباس.

القراءة الإسرائيلية لمستقبل اليوم التالي بعد غياب عباس، ستعتمد على الانتخابات الفلسطينية نفسها، وقدرة القادة الفلسطينيين على فهم أن تبني المواجهة مع إسرائيل ربما يعني فترة قصيرة، وأن بقاءهم على المدى الطويل قد يتطلب تقاربا وثيقا معها، مما سيتطلب منها اتخاذ قرار تاريخي بشأن مسألة الفصل بين الشعبين.

في الوقت ذاته، وبعد الصدمة الأولية التي عانى منها الفلسطينيون من توقيع اتفاقيات التطبيع بين دول الخليج وإسرائيل، جاءت الاستفاقة من هذه الصدمة، فعباس استعاد رباطة جأشه، وعاد لدفة القيادة على النحو الملائم لتحفيز المنظومة الإقليمية والدولية على العمل عبر جولته الحالية.

لقد امتنع عباس منذ فترة طويلة عن الرحلات للخارج، بسبب سنه المتقدم والكورونا والوضع الاقتصادي للسلطة الفلسطينية، والعبث السياسي مع إسرائيل، وسياسات ترامب، ما أدى به لتقليص زياراته لقادة العالم بشكل كبير، وسجنه في فقاعة من العزلة برام الله.

لكن الفرصة كأنها حانت له مؤخرا، فبايدن في السلطة، وترامب مطرود، وهو يسعى للحصول على دعم الأردن ومصر بمواجهة جنون ترامب الذي هدد بالتهام الحلم الفلسطيني، ونال منهما ما تاق لسماعه بتأكيد فكرة الدولتين، كما أن حملة العلاقات العامة المتجددة من رام الله ليست فقط لكسب التعاطف، بل يحتاج أبو مازن إلى مصر والأردن للتوسط لديه مع الساكن الجديد للبيت الأبيض لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من كوارث ترامب.

رغم انتصار بايدن، فإن السلطة الفلسطينية تدرك أنه بعكس الماضي، فلن يكون من السهل عقد مؤتمر دولي للسلام الآن، فالولايات المتحدة مترددة بفرض مثل هذه التحركات على إسرائيل، إضافة لذلك، فإن الإشارة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني غيرت وجهها، وفتحت ثغرات كبيرة جدًا في الأسس التي استندت إليها المفاوضات ومبادرات السلام بين إسرائيل والفلسطينيين.

يعتقد الإسرائيليون أن عباس استيقظ في الدقيقة التسعين، وأدرك أن ملاحقة الدول العربية، ومحاولة احتضانها، وقبول مساعدتها، ورعايتها لعقد مؤتمر دولي، ليس استسلاماً أو ضعفًا

لقد نصت مبادرة السلام العربية على أن تطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية لن يتم إلا بعد حل المشكلة الفلسطينية التي فقدت مكانتها كمصدر وحيد وحصري للصراع بعد توقيع الاتفاقيات بين إسرائيل والإمارات والبحرين والسودان والمغرب، وهذه التطورات تؤثر سلباً على الساحة الفلسطينية.

يعتقد الإسرائيليون أن عباس استيقظ في الدقيقة التسعين، وأدرك أن ملاحقة الدول العربية، ومحاولة احتضانها، وقبول مساعدتها، ورعايتها لعقد مؤتمر دولي، ليس استسلاماً أو ضعفًا، بل يشير إلى سياسة حقيقية، وخيبة أمل من الأخطاء السابقة، وفي أي مبادرة سلام فلسطينية تُطرح على الطاولة الآن، سيتعين على الفلسطينيين متابعة الدول العربية، والمشاركة بعمليات صنع القرار، وعدم التخلي عنها، كما حدث في الماضي.

في الوقت ذاته، تزداد الصعوبة اليوم على الإسرائيليين أن يعرفوا ويفهموا ما يحدث لجيرانهم في السلطة الفلسطينية، باستثناء التحذيرات الأمنية بين حين وآخر أن الانتفاضة الفلسطينية الثالثة على الأبواب، وأن الأيام السوداء بانتظارهم، مع أن الرغبة بمعرفة ما يدور لدى الفلسطينيين يتطلب الحصول على البيانات والحقائق المعلوماتية المتوفرة في منشورات مراكز المعلومات الاستخبارية.

تؤكد الأوساط الإسرائيلية أن ما يحدث في السلطة الفلسطينية من تطورات متلاحقة، يتطلب التعرف إلى أهم خصائصها في المرحلة الحالية، أولها أن السلطة الفلسطينية، وتحديداً الرئيس أبو مازن وفريقه، في فترة الغسق من حكم نهاية السلطة المستمر منذ أكثر من 15 عاماً، وأن نظام حكومته برمته في حالة تدهور، والصورة العامة سيئة للغاية، لدرجة فقدان الشرعية.

ورغم ذلك، فإن المعجزات تحدث دائما، لذلك من الممكن أن يفاجئ عباس العجوز، المعروف بمرضه، بأنه قد يستمر في العيش لسنوات عديدة أخرى، وهذا سيؤدي إلى إطالة معاناة السلطة الفلسطينية الحالية، في حين أن الخاصية الثانية تتمثل بالهدوء النسبي للفلسطينيين تجاه إسرائيل، فرغم سلسلة الأحداث التي وقعت في السنوات الأخيرة على المجتمع الفلسطيني، بدءًا من الاعتراف الأميركي بالقدس المحتلة؛ فإن الفلسطينيين لم يطلقوا انتفاضة جديدة، مع وجود محاولات رشق بالحجارة من قبل أفراد ومنظمات مسلحة، لكن هذه هي الحالة "الطبيعية" للمقاومة الشعبية.

الخاصية الفلسطينية الثالثة تتمثل بأن المجتمع الفلسطيني منهك، ومنغمس في همومه اليومية، مما أدى لتفاقم الوضع الاقتصادي السيئ بسبب الجائحة، وإذا كان الفيروس في بداية الوباء ولم يؤثر كثيرا على سكان الضفة الغربية، فقد تغيرت الصورة تدريجيًا، حيث شهدت الأسابيع الأخيرة زيادة حادة في عدد المصابين.

الخاصية الرابعة تتمثل بالمستوى السياسي، حيث اتبعت السلطة الفلسطينية سياسة المواجهة السياسية مع إسرائيل، ووصلت علاقاتهما إلى مرحلة متدنية إلى حد غير مسبوق، خاصة في ظل إدارة دونالد ترامب، فضلا عن مكانة السلطة الفلسطينية في العالم العربي، أما إدارة ترامب، التي اتخذت خطوات واضحة مؤيدة لإسرائيل تجاه القدس والمستوطنات، فقدمت لها خطة سياسية تتعارض مع كل أسسها الأيديولوجية.

في النهاية، فإن الفلسطينيين الذين دأبوا على معارضة إسرائيل، وبات ذلك سمة في خطابهم السياسي؛ فها هم يستعدون لمواجهة إدارة أميركية جديدة، بعد رحيل ترامب المكروه من وجهة نظرهم، أما الإسرائيليون فيترقبون ماذا سيفعل الفلسطينيون، ورئيسهم، في المرحلة القادمة.