مصير بشار الأسد يستنفر جبهة "الممانعة"

2020.05.17 | 00:02 دمشق

2020-05-04t000000z_521986294_rc2thg9j5nid_rtrmadp_3_health-coronavirus-syria-assad.jpg
+A
حجم الخط
-A

يبدو فعلاً أن وراء الأكمة ما وراءها؛ فهذه الجعجعة العالية التي بدأنا نسمعها، منذ أن بدأ الإعلام الروسي يتناول رأس العصابة في سوريا، والتي تتحفنا كل يوم بجديد لا يقل إثارة وتشويقاً عن سابقاته، يوحي بأن ثمة أمر جلل يقترب، وبأن "المشمش" قد قرر أن يستعيد مجده الغابر، وأن يعود مجددا، فقط من أجل أن يذكّر شوارع دمشق بهتافها الشهير الذي غاب منذ عقود طويلة: آخر أيامك يا مشمش.

 ما الذي حدث لكي يستنفر حلف المقاومة والممانعة بأركانه الأربعة، وما الذي يحدث لكي تبدأ أبواقه الصدئة بجعيرها النشاز الذي يثير الغثيان، وهل يستحق هيكل القش المتداعي كل هذه الطنطنة! هيكل القش المتداعي هذا الذي أطلقوا عليه اسم النظام السوري زوراً وبهتاناً، وهو ليس نظاماً ولا سورياً.

(رئيس ضعيف وفاسد وشعبيته متراجعة و..و..)، هكذا وصفته الجهة الإعلامية الروسية الأشد قرباً من الرئيس الروسي بوتين، ثم تتالت بعدها التقارير والأخبار المسربة عن عائلة الأسد وعن الفساد المستشري كالطاعون وعن ضعف البلاد وانهيارها.

هل استشعر جهابذة الممانعة ما كانوا يخشونه، فيقوم بعد أيام قليلة من تقشير بشار الأسد في الإعلام الروسي، وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف بزيارة مفاجئة إلى دمشق، مدججاً بكمامة تقيه من هجمة مضادة لـ "كورونا"، وبرسالة مبطنة للروس أولاً وللعالم ثانياً فحواها: أننا نقف مع بشار الأسد، وأننا ضد تبخيسه وضد التقليل من عبقريته في تخريب سوريا وإخضاعها.

ولأن المسلسل تتسارع حلقاته؛ فلم يستطع رامي مخلوف الانتظار طويلاً، لكي يرتب لنفسه وضعاً في السيناريو القادم؛ فقد أعلن نظافة كفه، وأن لا علاقة له بالفساد والنهب، وأن كل المستحقات المالية الواجبة عليه سيسددها حتى آخر قرش وفوقها حبة بركة، وأن فقراء سوريا هم أمانة في عنقه لن يتخلى عنها، فقد أوكله بها الله سبحانه وتعالى، ويا سوريين، اشهدوا أنني بريء الذمة.

بدوره لم يتأخر البوق، خالد العبود، بمشاركته عرس الممانعة، لكنه كان متميزاً في الدور الذي منحه له المخرج، فأتحفنا بمقالة أرغى فيها وأزبد، وهدد روسيا وجيشها وقيادتها بالويل والثبور وعظائم الأمور، وذكًر القيادة الروسية بخطوط السيادة الوطنية الحمراء الحقيقية، وبأن بشار الأسد ليس مثل حدود سوريا وسيادتها وشعبها وجيشها، لكي يتم السكوت عن دعسه واستباحته، فسيادته خط أحمر من عيار آخر، عيار أهم من كل الخطوط الحمر الأخرى. 

 ما الذي حدث لكي يستنفر حلف المقاومة والممانعة بأركانه الأربعة، وما الذي يحدث لكي تبدأ أبواقه الصدئة بجعيرها النشاز الذي يثير الغثيان

ثم بعد ساعات فقط من استعراض "العبود" المثير للشفقة، اعتلى المسرح مثقف الغفلة، وكاتب التقارير المبدع، ورجل الفساد، وباني مؤسسة التشبيح "بهجت سليمان"، ليعلن أنه وأمثاله من شبيحة الأسد قادرون على إخراج روسيا من سوريا بنصف ساعة فقط. ويبدو أن أحداً ما همس في أذنه أن نصف ساعة هي مدة قليلة، فلعله يتكرم ويجعلها ساعة مثلاً؛ فما كان منه إلا أن امتشق بيانا وجهه إلى وزير الخارجية الروسي والقيادة الروسية باسم الأخوة والصداقة العتيقة، مناشدا إياهم أن يلجموا إعلامهم الذي يتناول رمز سوريا وسيادتها، ثم طلب الدعم من حشد قطيع "المثقفين" من الطراز المقاوم الممانع الذين تقيم مقاومتهم وممانعتهم وتنتشر في عدة بلدان عربية وغير عربية.

ولكي يكتمل النقل بالزعرور؛ فقد أطل أمين عام حزب الله ليعلن رسالته- هو الآخر- وليخبرنا: أن الأسد باق، وأن أمريكا التي انتصرت إيران عليها انتصاراً ساحقا يذكرنا نحن العرب بانتصار أنظمة العار العربية في حرب حزيران 1967 الشهيرة، حين لم تخجل هذه الأنظمة التي أعلنت أنها انتصرت؛ لأن العدوان الإسرائيلي لم يكن هدفه احتلال الأراضي، ولا تشريد سكانها، ولا تحطيم الجيوش العربية، بل كان هدفها إسقاط الأنظمة التقدمية في هذه الدول، ومن هذه النافذة رأى حسن نصر الله انتصار إيران الساحق، وبرهن عليه أيضاً.

إذاً، أي مسرح هزلي هذا! وأي سخرية سوداء! وأي كارثة!! حين يصبح كل ما يخص سوريا وشعبها ومستقبلها قابلاً للمساومة والبيع والشراء لدى هؤلاء، ويصمتون عن احتلالات وجيوش تسرح وتمرح وتقتل وتنهب، ويصمتون عن شعب تكدس في المخيمات ودول الشتات، وعن جوع يفتك بما تبقى من السوريين داخل سوريا، لكنهم يستنفرون حتى الهذيان عندما يشعرون أن رأس هذه العصابة قد انتهى دوره، وأن القادم من الأيام قد يطيح بـعائلة اللصوص هذه إلى غير رجعة.

بالتأكيد، لم يتحدَّ ظريف فايروس كورونا اللعين، ولم يقل بهجت سليمان ولا خالد عبود ما قالاه، ولم يكن رامي مخلوف ليعلن افتراقه عن تعليمات هذا القصر، ولم يكن حسن نصر الله ليخرج مؤكداً بقاء بشار الأسد...إلخ، لو لا أن هناك خطر يهدد وجوده، فهل أزفت لحظة الاستحقاق الذي لا مفر منه، وهل أصبح مصير عائلة الأسد في بازار البيع، وأن المرشح الآن لقبض ثمن هذه الصفقة هم الروس وليس الإيرانيين؟

لكن الدلالة الأهم في هذه الجوقة واستعراضها الهزيل تكمن في اختيار سلاح التصدي الذي استعمله الممانعون لهذه التطور المباغت، لكأنه لم يعد لهذا الحلف إلا البيانات ووسائل التواصل الاجتماعي؛ لكي يدافع عن ركن أساسي فيه، فهل فقد الحلف الذي يدعي وقوفه في وجه العالم كله كل أسلحته؟

الفاجع في هذه المسرحية السمجة أنها مستمرة، وأن تفاصيلها المعيبة تعاد ثم تعاد بلا أي تعديل، ومع هذا فإن هناك من لايزال يتابعها، ومن لا يزال موقنا أن تستمر هذه المهزلة إلى الأبد؟

سيرحل بشار الأسد، وستطوى صفحة العائلة الأكثر إجراماً في تاريخ سوريا، وسينفض حشد "الصيصان" المتعيشون على دجل محور المقاومة والممانعة.

ومهما تكن الجهة التي ستقبض ثمن إنهاء حكم عائلة الأسد، فإن هذه الصفقة قادمة. فما من أحمق في هذا العالم سيتمسك بشخص ينوء تحت ثقل جرائم حرب لا تعد أودت بحياة مئات آلاف الضحايا، وجعلت من بلد موغل في الحضارة والتاريخ ركاما لدمار لا يحد.   

بقي أن يقوم بشار الأسد بأداء الفصل الأخير من مسرحية العبث هذه، فيعتلي منصة العرض؛ ليصرخ في السوريين الذين تحملوا ما لا يتحمله شعب فقط كي يشهدوا نهاية حكم هذه العائلة:

  • من أنتم! من أنتم!!

حينها تكون قد اكتملت فصول المهزلة، وأسدلت الستارة على مسرحية مبتذلة استمرت نصف قرن من الزمن، مسرحية من الجنون والعبث المتواصل دفع السوريون ثمنها دماً ووطناً ومستقبلاً.

كلمات مفتاحية