مشياً من مزة 86.. تباريح الجوع والخوف

2021.08.21 | 06:46 دمشق

hsam.png
+A
حجم الخط
-A

هدأت عاصفة (رنا علي) المذيعة في تلفزيون النظام بعد أن شغلت مواقع التواصل بفيديو المشي من المزة 86 إلى الشيخ سعد في قلب العاصمة من أجل تبديل أسطوانة الغاز، ومن ثم فيديو التصفيق لمسيرة البعث وسيادة الرئيس الأخ والحامي لأحلام الموالين في البقاء، واتضحت ثنائية صراخ الجوع -التي يعيشها من بقي تحت سلطة البعث- ومواء الخوف من العقاب لمن يفكر بالتلميح للقيادة الحكيمة ودورها في الانتصار على العصابات المسلحة التي غزت البلاد برعاية أميركية خليجية إسرائيلية تركية أممية.

كل العقلاء ممن شاهدوا نسخة الصراخ على الذل أدركوا أنه لن يكون الأخير فهذه الاتهامات (وأقل منها) تعني أن صاحبها قد تجاوز الحد المصرح، وسيأتيه زوار الفجر كي (يجرّوه) إلى حيث تسكن نجوم النهار في قبو فرع الخطيب، وبالضبط فإن رنا علي عادت لتشرح ما قالته على أنه مجرد نقد لسياسة بعض المؤسسات في بلد ديمقراطي، وأنها أبداً لا تقصد صاحب الصورة التي كانت خلفها في مدخل مقهى الروضة فهو الأخ والرئيس والحبيب والممانع والأمل.

جميعاً عادوا إلى رشدهم إما بالتهديد والوعيد أو الإخفاء، وعلى المكشوف وبسيف قانون يجرّم من يساهم في وهن نفسية الأمة أو ينال من رموزها

حاول قبلها كثيرون أن يرفعوا صوتهم أعلى من سقف الوطن المنسجم- الذي تم بناؤه على شاكلة متشابهة من الموالين والرماديين والصامتين المساكين ممن لا حول لهم ولا قوة- فكانت مصائرهم لا تختلف عمن تمت تسميتهم بالخونة والمتآمرين من المعارضين، وربما بعضهم دخل في نوبة تفكير لا تروق المخابرات البعثية، وربما سولت له نفسه أن يستغل ركاكة واقع الأمر لدى سلطة الأمر الواقع، وربما نوبة انتهازية في غير محلها، لكنهم جميعاً عادوا إلى رشدهم إما بالتهديد والوعيد أو الإخفاء، وعلى المكشوف وبسيف قانون يجرّم من يساهم في وهن نفسية الأمة أو ينال من رموزها، ومن ثم السجن بذرائع قانون يضبط مواقع التواصل التي سمحت للبعض بنشر مشاعره ومناقشتها على الملأ، ونشر غسيل الوطن في وضح النهار حتى لو كان قذراً فقد تستغله الجهات الخارجية وأعوانها.

لم يغير البعث "الكوري" لباسه ولسانه، ولم يرفع من سقف الانتقاد ليصل إلى حدود القول، ومن صدقوا شعارات المرحلة الجديدة تورطوا، وحملات الهجوم على وزارة أو حكومة هي من فعل الأجهزة الأمنية التي تسمح أو لا تسمح، وتأمر في كثير من الأحيان، وتهندس  هجمات كهذه عبر مجموعة من كبار الصحفيين (أمنياً) الذين يوجهون عامليهم بالهجوم، ولهذا كانت معظم التحقيقات ذات عنوان واحد في كل الصحف، والوثائق التي لا يمكن لصحفي أن يحصل عليها يتم تمريرها بسهولة عبر نفس الأجهزة.

في المقابل كان الإعلام محظوراً عليه الاقتراب من وزارات بعينها، ومن فاسدين بعينهم، وكان مجرد الاقتراب من فلان المقرب من جهاز ما هو اعتداء على الجهاز بكامله، وأما ما تسمى بخروقات وفتوحات صحفية  فكانت ناتجة عن صراعات بين الأجهزة ولحفنة من الصحفيين الثقاة.

من أجل ما تقدم ستبقى سوريا مملكة مؤبدة للصمت والخرس، وما يرشح على السطح ليس أكثر من طلوع الروح التي تحاول أن تنتزع بعض الهواء بلا جدوى

في بلد كان يصرخ فيه محافظ حمص (إياد غزال) أنا رئيس جمهورية حمص لا يعلو صوت فوق صوته، ولا يجرؤ أحد على الكلام، وفقط مسموح لكم حرية الصمت، وأما ثلة المنافقين والمرتزقة من جمهور الإعلام فتصفق لكل ما يملأ الجيب، وهم مع الانفتاح والسوق الحرة ورفع الدعم وإفقار الفقراء وإذلال الهاربين من الجوع وجفاف الأرض في شمال سوريا، ومع منع حفر الآبار في جنوبها، وهم لا يرون من السلطة إلا حكمتها، ومن أجل ما تقدم ستبقى سوريا مملكة مؤبدة للصمت والخرس، وما يرشح على السطح ليس أكثر من طلوع الروح التي تحاول أن تنتزع بعض الهواء بلا جدوى.