مشروع الدويلات في صراع المعابر ومناطق النفوذ

2020.07.09 | 00:05 دمشق

2019-06-25t064654z_1350992037_rc19617b1520_rtrmadp_3_usa-security-israel-russia-1.jpg
+A
حجم الخط
-A

ينقل مستشار الأمن القومي الأميركي السابق جون بولتون في كتابه كلاماً على لسان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن إيران وأن روسيا بغنى عنها في سوريا. وتلك ثابتة أصبح يمكن قراءتها بالوقائع على الأرض، في ظل الاتفاق الأميركي الروسي على تحجيم النفوذ الإيراني في سوريا. الأصح في ما يمكن نقله عن بوتين سياسياً، هو أن روسيا لا تريد شريكاً في سوريا، وقد حصلت على ضوء أخضر أميركي بالبقاء وحيدة، مقابل انسحاب كل القوات الأجنبية من دون القوات الروسية.

لا تترك القوات الروسية يوماً إلا تُقدم على خطوة جديدة في طريق تحجيم النفوذ الإيراني في سوريا، بعد الانتهاء من تحجيم نفوذ إيران على الساحل السوري، وهو التنافس الإستراتيجي بين موسكو وطهران حول مَن يبني قواعد على البحر الأبيض المتوسط، فبدأت روسيا تتقدم أكثر باتجاه الوسط السوري والشرق.

تطويق الفرقة الرابعة والتي سيساعد في تقويضها شمولها بعقوبات بموجب قانون قيصر، أحد أبرز مؤشرات محاصرة الميليشيات التابعة لإيران في سوريا. موسكو لا ترتكز على مواجهة إيران على بنية المؤسسات السورية التي ادعت أنها دخلت في سبيل حمايتها والحفاظ عليها، كل تلك المؤسسات اضمحلت وتحللت، لتحلّ مكانها فرق عسكرية أو ألوية موالية لروسيا في مواجهة فرق عسكرية وميليشيات موالية لإيران، الطرفان لا يبدوان مهتمين ببناء مؤسسات سورية، لا بل بالإمعان في تفكيكها، وجعلها قطعاً متشتتة ومتفرقة. لا تبدو بعيدة عن السياسة الأميركية أيضاً، وفي ذلك مؤشر يرد في كتاب جون بولتون أيضاً عندما يتحدث عن مدى الاستفادة الإيرانية في لبنان، بدمجه ما بين حزب الله والدولة اللبنانية.

إذ يتحدث بولتون عن أن "لبنان" استفاد من التسليح الإيراني طوال السنوات الماضية، هو لم يقل حزب الله الذي استفاد إنما شمل لبنان والحزب في بوتقة واحدة، تؤشر إلى آلية النظرة الأميركية تجاه دول هذه المنطقة المشتعلة، وتنعكس أكثر فأكثر في انعدام أي تمييز بين الدولة اللبنانية وحزب الله على صعيد أي وجهة سياسية أو عسكرية. نتائجها تنعكس في العقوبات والحصار المفروض على لبنان وسوريا، فينعكس على كل البنى المؤسساتية والاجتماعية في البلدين، بدلاً من أن يطال الشريحة المقصودة مثلاً.

هذه الأيام تتجه القوات الروسية نحو تطويق إيران في حمص وفي دير الزور، تسعى موسكو للسيطرة على حقول النفط والفوسفات في حمص، وتعزيز حضورها في دير الزور على حساب الإيرانيين بتوافق مع الأميركيين

تأخرت روسيا والولايات المتحدة الأميركية في بلورة اتفاق لتحجيم النفوذ الإيراني من سوريا، أو إخراجها من مواقع حيوية وإستراتيجية كانت الميليشيات الإيرانية قد سيطرته عليها من وسط دمشق إلى البادية السورية وصولاً إلى الحدود مع العراق. وبالعودة إلى تصريحات أميركية سابقة لطالما شدد المسؤولون الأميركيون على منع إيران من استخدام المعبر الاستراتيجي الذي يربط الأراضي الإيرانية بالأراضي اللبنانية عبر سوريا والعراق. هذه الأيام تتجه القوات الروسية نحو تطويق إيران في حمص وفي دير الزور، تسعى موسكو للسيطرة على حقول النفط والفوسفات في حمص، وتعزيز حضورها في دير الزور على حساب الإيرانيين بتوافق مع الأميركيين لمحاولة تطويق اتساع النفوذ الإيراني في تلك المنطقة، بعد أن عملت طهران على حملات التشييع وتجنيد الموالين من العشائر.

كل هذه المساعي لن تؤدي إلى نتيجة تمثّل طموحات عربية وسورية لطالما حلمت في انكسار المشروع الإيراني على الأراضي السورية. لأن ما كان منشوداً من الثورة السورية، مغاير تماماً لما قادت إليها صراعات الدول وحساباتها، والدعاية الروسية في الحفاظ على "المؤسسات" السورية لم يعد له أي إمكانية لتطبيقه، لا بل سينتج عنها تماهياً بين الفرق والميليشيات وهذه المؤسسات، على قاعدة دمج جون بولتون لبنان بحزب الله، أو على قاعدة التعاطي الأميركي والدولي مع لبنان الذي لم يعد هناك من إمكانية لفصله عن الحزب.

وحتى المشاريع السياسية المطروحة لإرساء المرحلة الانتقالية في سوريا، فبأشكالها المختلفة لا يبدو متاحاً فيها استعادة الوحدة السورية المركزية التي عرفها العالم في العقود الماضية، كل طرف في المعارضة أو في النظام له حسابه وارتباطه، وله انفصاله في موقعه الجغرافي والمناطقي والاجتماعي، وهذه كلها دلائل على انعدام الرؤى والأفق لاستعادة إحياء وطنية سورية أو وطنية عربية آخذة بالتشرذم أكثر فأكثر، بفعل تنامي منسوب العصبيات والصراعات الطوائفية والمذهبية.

لبنان لن يكون بعيداً عن هذا السياق، في ظل تنامي الحديث عن استحداث فيدراليات تنقسم على أسس اجتماعية وطائفية، تبحث كل فرقة فيها على توفير مقومات البقاء والعيش وفق هذه الكنتونات

لبنان لن يكون بعيداً عن هذا السياق، في ظل تنامي الحديث عن استحداث فيدراليات تنقسم على أسس اجتماعية وطائفية، تبحث كل فرقة فيها على توفير مقومات البقاء والعيش وفق هذه الكنتونات، كانتونات جزء صغير من المشروع الكبير الذي يبدأ في فلسطين وينتهي فيها من صفقة القرن إلى مخطط ضم الضفة الغربية وما سينجم عنه من توترات وصراعات تطال بتداعياتها كل دول الطوق، التي لا بد من شرذمتها وفق هذا المشروع لمجيء مكوناتها أو كانتوناتها المختلفة إلى البحث عن توقيع اتفاقات جديدة مع إسرائيل تسمح بتأبيد وجودها وتوفير أمانها في مواجهة "حرب الديمغرافية" التي تمت مهمّة تصفيتها بنجاح في سوريا.

هذه الانقسامات والصراعات ترتبط ببعضها البعض، وعندما يتقدّم طرف على حساب الآخر في منطقة معينة، كحال تقدم روسيا على إيران في الساحل السوري، تندفع طهران إلى البحث عن منفذ آخر على المتوسط، وجهتها حتماً ستكون لبنان، حيث يسيطر حزب الله على الساحل الجنوبي لبيروت، وعلى الساحل في الجنوب. فيما الصراع على النفوذ البرّي مستمر ليس عبر البقاع الذي يسيطر عليه حزب الله فقط، إنما عبر التوسع نحو مناطق جديدة، أساسها سيكون في المناطق المسيحية، سواء في الصراع المسيحي المسيحي بين القوى المتصارعة على الإمساك بالساحة المسيحية، والتي تتلهى فيما بينها ما يسمح لحزب الله بتسجيل المزيد من الاختراقات في هذه الساحة كما في الساحة السنية، من كسروان إلى جبيل، وصولاً إلى طرابلس وعكار. وهذا مشروع سيتطابق تماماً في تداعياته مع ما وصلت إليه الوقائع السورية، فيقضي على كل وطنية أو أمل في إمكان استعادة بناء المواطنة التي ارتفع منسوبها في ثورة اللبنانيين في 17 تشرين، وعادت وانكفأت بمفعول صراعات عرف حزب الله كيف يستغلها ليقضي عليها.

كلمات مفتاحية