مشايخ السلطان إلى أين؟!

2021.07.21 | 06:58 دمشق

آخر تحديث: 21.07.2021 | 06:58 دمشق

rdna-mhbtk-m-hlyb-amhatna.-mshaykh-alnzam-ysbhwn-bhmd-bshar-alasd-ly-hsab-atfalhm-fydyw-780x470.jpg
+A
حجم الخط
-A

في كل زمان ومكان لرجال الدين ذلك الدور الريادي الهام في دعم السلطان وتمكينه في الحكم والسلطة ورغم تطور الأزمنة على مر التاريخ ولكن مازال لهم ذلك الدور الهام في أصغر القضايا وأكبرها، وذلك لأن الشعوب عاطفية بطبعها وتتأثر بما تعتقد به ومستعدة لتقديم التنازلات الكبيرة حتى وإن مس بكرامتها لصالح إعلاء راية الدين الذي تعتقد وتؤمن به، فهو خلاصها وإيمانها الأبدي الذي سيحميها ويدخلها الجنة التي تنتظر.

فمثلاً في زمن الفراعنة ما قبل التاريخ جعل كهنة المعابد في مصر الفرعون الحاكم نصف إله، وأمروا جميع رعاة المعابد بالسجود له وتعظيمه، واستخدموا أسلوب الترهيب والتخويف معهم، فمن يعصي الفرعون فقد عصى الإله (آمون) والذي بدوره لن يرحم أحداً فهو لا يقبل إلا من يؤمن به ويتوب له وينفذ أوامر الفرعون أو يلقى مصيره الهلاك، هم أنفسهم أطلقوا على أنفسهم لقب "خدمة المعبد" ولكن هؤلاء الخدم وفي جميع المصادر التاريخية كانوا من أغنى أغنياء مصر، فقد كان مصدر رزقهم الوحيد قرابين الفقراء التي تقدم للإله والفرعون كي يرضوا عنهم.

لم يتغير الزمن كثيراً في عهد الكنيسة في العصور الوسطى وسيطرتها على أوروبا وكان لها دور إستراتيجي كبير في الكثير من المحطات التاريخية كالحروب الصليبية والحروب الأهلية في أوروبا والتأثير على الحكام والملوك وتنصيبهم، وكان الملك يستخدم الكنيسة وكهنتها في أصغر القضايا وصولاً إلى إعلان الحروب، وقد كانت الكنيسة الكاثوليكية تحديداً قادرة على التأثير على الحكام بشكل كبير ومن يعارض فهو مهدد بحياته وقد يتعرض للنفي خارج البلاد وإن تمادى فقد يتم إعدامه ببساطة بأمر كهنة الكنيسة، حتى بات ذلك الزمن يسمى بعصر الكنيسة التي تحكم وتؤثر بالشعوب وتفرض عليهم الغرامات وتتدخل بأدق تفاصيل حياتهم اليومية.

أصبح بإمكان أي إنسان يرغب في تعلم أصول الفقه والدين في الإسلام، وحتى الأديان السماوية الأخرى كالمسيحية واليهودية متاحاً ببساطة دون الحاجة لتأثير رجال الدين

واليوم مع التطور التكنولوجي وعصور الانفتاح ومواقع التواصل الاجتماعي التي طالت العالم أجمع والتي أصبح بإمكان أي إنسان يرغب في تعلم أصول الفقه والدين في الإسلام، وحتى الأديان السماوية الأخرى كالمسيحية واليهودية فهو ممكن ببساطة دون الحاجة لتأثير رجال الدين، ولا ننكر أن هذا التطور لم يكن بصالحهم إطلاقاً فيقظة الشعوب وقدرتها على التفكير دون تأثير من أحد بالنسبة لمن يعمل على التحكم برقاب الناس والعمل على توجيههم حسب رغبات من يخدمون من ديكتاتوريات عبر التاريخ يضر بمصالحهم بشكل واضح ومزعج.

ومع ذلك ما زال لرجال الدين ذلك التأثير الإيجابي والسلبي معاً على الحياة اليومية، لن نستعرض الدور الذي قام به رجال الدين الإسلامي في العالم العربي منذ الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم في تمكين الديكتاتوريات العربية وتثبيت وصولها للحكم، ولكن ما يلف النظر دورهم في زمن الثورة السورية تحديداً والذي أخذ الطابع العام منه الدور السلبي جداً أو الرمادي المستعد لدعم السلطان بأي لحظة في حال تمكينه من الحكم من جديد.

أنا كابن مدينة داريا لن أنسى طول حياتي خطبة الجمعة بتاريخ 25 آذار 2011  في مسجد أنس بن مالك لإمام وخطيب المسجد الشهيد نبيل الأحمر الذي كان له الدور الريادي آنذاك في ملء قلوب المصلين بالغضب لما يحصل لإخوانهم في درعا، والهتاف السلمي الذي انطلق بعد الصلاة مباشرةً والذي يدعو لإصلاح النظام والكشف عما يحصل في تلك المدينة المنكوبة، ذلك الشيخ الجليل الذي واجه الاعتقال ومات تحت التعذيب في سجون نظام الأسد لم يكن الوحيد في سوريا الذي واجه هذا المصير ولكن بالنسبة لتأثر الناس وتمسكهم في الدين بشكل عاطفي معروف لدى الجميع  كان المشايخ ممن دعموا الثورة السورية ووقفوا مع المظلومين في البداية قلة قليلة جداً.

في المقابل مشايخ السلطان بدؤوا بحملة التخوين لكل من يخرج عن أمر الديكتاتور ويطالب بإسقاطه، ومنهم من تمادى بتحديد من يدخل الجنة ويدخل النار تبعاً لأمر الحاكم القاتل، ومنهم من صمت خوفاً على مكانته لدى أتباعه في المجتمع، ومنهم من كان له الدور البارز في الحراك لفترة قصيرة مثل مسجد الرفاعي في منطقة كفرسوسة ثم انتقلوا لخارج البلاد يصمتون لفترات طويلة ثم يخرجون بتصريحات مفاجئة تثير الجدل ولكن بمجملها تدعم الحراك ضد نظام بشار الأسد حتى لا ننكر ذلك، ولكن لم يعد لهم ذلك التأثير الذي نعتقد.

يدفعون المبالغ الطائلة ليتصدروا المجالس ويقول عنهم الناس جاء الشيخ (فلان) هم لا يبحثون عن طلاب ليعلموهم بل يبحثون عن أتباع يستخدموهم

ولكن الأمر المستغرب جداً من المعسكر الرمادي من مشايخ السلطان والتي ليست بقليلة العدد، والتي قررت الانتقال بمجملها إلى خارج سوريا ويقيم معظمهم في مصر والإمارات وحتى بعض الدول الأوروبية والذين نشهد لهم بقدرتهم على التلون بين التأييد للثورة السورية ودعم نظام الأسد تبعاً لمصالهم المادية حصراً، والحج يعتبر بالنسبة لهم من أفضل الملفات التي من الممكن العمل عليها لاستغلال الناس مادياً رغم محاولات العاملين على ملف الحج السوري منع ذلك عبر سنوات، فإن كان هذا الملف السيادي وهو الركن الأعظم  بيد المعارضة السورية فهم سيدعمون الثورة السورية أكثر من أبنائها وإن تحول الملف لنظام الأسد فهم أبناء المعبد الداعمون بصمت والذين يخافون على أنفسهم وحياتهم من فوضى الثورات حسب زعمهم، تلك الكائنات الغريبة ينحدرون من نسل  كهنة المعابد في زمن الفراعنة ومن نفس الخلايا العقلية لرجال الكنيسة في العصور الوسطى، يسمون أنفسهم خدماً للدين وكلمة الحق ولكنهم في الحقيقة خدماً لأنفسهم ومصالحهم المادية ومشاريعهم في استنزاف الناس والضحك عليهم لتبقى لهم المكانة الاجتماعية المطلوبة في كل الأزمنة وهذا هو المطلوب وفقط، يدفعون المبالغ الطائلة ليتصدروا المجالس ويقول عنهم الناس جاء الشيخ (فلان) هم لا يبحثون عن طلاب ليعلموهم بل يبحثون عن أتباع يستخدمونهم، هذه الكائنات الموجودة في كل مكان علينا مكافحتها من الآن فهم مرض بالمجتمع يجب أن ينتهي، رجال الدين هم أساتذة وموجهون وإن لم يقفوا مع الناس في حاجتهم بصدق فلا حاجة لهم بحياتنا أبداً، ارحموا أنفسكم وابتعدوا عنهم!!