مسرحية مكافحة النظام السوري للكبتاغون!

2023.05.18 | 06:53 دمشق

مسرحية مكافحة النظام السوري للكبتاجون!
+A
حجم الخط
-A

بث إعلام النظام منذ بضعة أيام، -تحديداً في 14/5/2023- تقريرين تلفزيونيين يتضمن أحدهما استطلاعاً من داخل سجن النساء في عدرا، والآخر يتضمن إحباط قوى الأمن الداخلي لعملية تهريب كبيرة، وهي شحنة مخدرات تتكون من مليون حبة كبتاغون ويصل وزنها إلى 166 كيلوغراماً، وهذه الشحنة -كما ذكر إعلام النظام- قادمة إلى حلب وكانت مخبأة في شاحنة.. 

الفيديوهات التي تضمنها تقرير سجن النساء تُسيل لعاب أي سوري للعيش في ذلك السجن الحضاري بالغ الأناقة والجمال من حيث تصميمه وبنيانه، فضلاً عن الأثاث الموجود فيه، والذي لا تجده إلا في فنادق سبع نجوم، أما الأهم فهو تلك العناية الفائقة بالسجينات، سواء من حيث المعاملة، أو من حيث الاهتمام بمستقبل السجينة، فلكل منهن مكتب و"لابتوب" خاص، وكل الراغبات بمتابعة الدراسة الجامعية يستطعن فعل ذلك من خلال الانتساب إلى الجامعات الافتراضية والدراسة عن طريق الإنترنت، مما يعني توفر الكهرباء وشبكة الإنترنت بشكل كامل داخل السجن، فضلا عن كل الخدمات الأخرى التي تضمن رفاهية السجينات..

وعلى جدران ردهات السجن تنتشر اللوحات والرسومات كما لو أننا في متحف أو في دار أوبرا، ويطوف على السجينات مشرفون في منتهى الأناقة والرقي والذوق لإعطائهن المشورة والنصائح ومساعدتهن في التغلب على أي عائق، أما إدارة السجن فلا همَّ لها سوى السهر على راحة السجينات ورعايتهن وتلبية مطالبهن وتقديم كل ما يلزمهن لتحقيق مستقبل واعد بعد انتهاء فترة سجنهن..

أما وضع السجينات فيعكس حالة متخيلة ومفترضة، ويرسم الصورة الزاهية، الصورة المثالية، بل المبالغ في مثاليتها، حتى على مستوى ملابسهن، مما يساهم في فضح زيف الصورة التي يحاول النظام إيصالها للخارج

اللافت في هذا السياق ليس فقط السذاجة المفرطة والاستهتار الكبير بعقول السوريين، بل أيضاً السيناريو المكشوف والحبكة الهشة والإخراج الفاشل، فالحكاية تبدو ملفقة بالكامل منذ اللحظة الأولى حتى نهاية الاستطلاع / التمثيلية، واللغة المتبناة سواء من قبل القناة التي أجرت الاستطلاع أو من قبل إدارة السجن والمسؤولين عنه لتوصيف السجن والسجينات تكشف بوضوح أنها متفق عليها لأنها لا تشابه لغة الواقع في شيء ولا تمت له بصلة.

أما وضع السجينات فيعكس حالة متخيلة ومفترضة، ويرسم الصورة الزاهية، الصورة المثالية، بل المبالغ في مثاليتها، حتى على مستوى ملابسهن، مما يساهم في فضح زيف الصورة التي يحاول النظام إيصالها للخارج دون تدقيق في الخدع الإخراجية المتهالكة والتي تجعل الحكاية برمتها لا تخرج عن نطاق السخرية..

الخلل ذاته سنجده مضخماً وواضحاً وأكثر سطحية في الديكور والإكسسوارات، فإذا ما دققنا في الفيديوهات سنجد الأثاث الجديد والمنتقى بعناية، والكراسي التي لا تزال تحتفظ بغلافها "النايلوني"، مما يؤكد بداية أن كل تلك التجهيزات تم شراؤها، أو ربما استعارتها من إحدى المؤسسات خصيصاً لتسجيل الريبورتاج، فمن يوفر تلك النوعية من الخدمات والتجهيزات والأثاث في سجونه، لا يمكن أن يحرم مواطنيه منها خارج السجن، لا يمكن أن يعاني المواطن خارج السجن من انقطاع الكهرباء والإنترنت فيما يتوفر ذلك بكثرة في السجون، ومن غير المعقول أن تكون حياة المواطنين غير المسجونين أكثر صعوبة من نزلاء السجون، إلا إذا كان النظام يهتم فقط بسجنائه دوناً عن باقي المواطنين.

ورغم كل تلك المتناقضات التي تجعل رواية النظام أضحوكة حتى بالنسبة لأتباعه، إلا أنه لم يتردد في نشرها كما لو أنها حقيقية، لقد اعتاد النظام على كذبه وتأقلم معه باعتباره حقيقته الوحيدة، لا يعير النظام السوريين أي اهتمام، ولا يهمه اكتشافهم لكذبه وتزويره، فسوريو الداخل سيفرض عليهم تصديق الكذبة تحت تهديد السلاح، أما سوريو الخارج فهم بالنسبة له مجرد إرهابيين، وأي انتقاد منهم سيضعهم النظام في ملف الخيانة والكيد والحسد.

كل من شاهد الاستطلاع سيكتشف على الفور أنه صورة معدة للتصدير الخارجي وبشكل رخيص، فالنظام يريد أن ينقل رسالة للخارج عن نوعية سجونه وحرصه على مواطنيه، وكما حاول تشويه صورة الثورة ووسمها بالإرهاب، يريد اليوم أن يغير الصورة المتعارف عليها عن سجونه ومحاولة غسيل عارها، وربما يريد تكذيب صور قيصر عبر التظاهر بذلك الشكل الحضاري الذي يسبق سجون سويسرا.

وفيما يتعلق بشحنة المخدرات فقد وقع النظام بذات الأخطاء الإخراجية التي تكشف هشاشة روايته وركاكة السيناريو وفضائحية التنفيذ، حيث لم يكتف إعلام النظام بخبر إحباط شحنة المخدرات بل أجرى سلسلة لقاءات مع ضباط وعناصر من قوى الأمن الداخلي والذين أكدوا على أنهم العين الساهرة على حماية الوطن، ولكنهم كشفوا لعبة النظام بصورة صارخة من حيث لم يقصدوا حينما تحدثوا عن مصدر الكبتاغون مدعين أن تلك المواد المخدرة قادمة من مناطق "الإرهابيين" الذين فشلت مؤامرتهم وحربهم الكونية العسكرية على سوريا، فراحوا يحاولون إضعاف سوريا من خلال محاولاتهم نشر المخدرات، وكانت الرواية ستكون أقوى وأكثر إقناعاً لولا تلك التصريحات التي كشفت تمثيلية إحباط عملية التهريب والهدف منها ورسالتها..

تلك الأخبار التي وردت على إعلام النظام ستكون بدورها مادة للإعلام العربي الداعم لعملية التطبيع مع الأسد، وستقوم الأنظمة العربية المطبّعة بتبنيها والاعتماد عليها في صناعة بروباغندا للأسد

جاءت تلك الأخبار -سجن النساء وإحباط عملية تهريب المخدرات- بالتزامن مع تركيز إعلام النظام على مشاركة لجانه في برامج الجامعة العربية بعد استعادته مقعده فيها، لتبدو القصة كلها وكأنها رسالة إلى الدول العربية تفيد بأنه بدأ بمكافحة تهريب المخدرات، ورسالة إلى العالم تفيد بأنه بريء من تهمة إنتاج وتهريب المخدرات، وبأن المعارضة هي من يفعل ذلك، وبأنه هو من يكافح تجارة المخدرات ويحمي الشعب من خطر تلك السموم..

تلك الأخبار التي وردت على إعلام النظام ستكون بدورها مادة للإعلام العربي الداعم لعملية التطبيع مع الأسد، وستقوم الأنظمة العربية المطبّعة بتبنيها والاعتماد عليها في صناعة بروباغندا للأسد، فالدول المطبعة لا تلتفت بدورها للحقائق، قدر تركيزها على ما يدعم قرارها السياسي..

مما لا شك فيه أن السجن عاد إلى حقيقته بعد الانتهاء من تسجيل الريبورتاج / التمثيلية، وتمت إعادة اللابتوبات والأثاث الأنيق إلى مكانه الحقيقي، وعادت السجينات إلى الزنازين العفنة، وعادت السجّانات لممارسة الاضطهاد والإذلال بحق السجينات، ومما لا شك فيه أيضاً أن شحنة المخدرات التي صادرها النظام ستعود إلى مخابئها لتواصل طريقها إلى وجهتها التي كانت تقصدها في الأساس، فيقبض النظام الثمن السياسي من دعايته، ويحتفظ بعائدات المخدرات كما هي..

ما فعله النظام منذ بداية الثورة من تزييف وتزوير وتكذيب للحقائق يكرره اليوم كوصفة سحرية مضمونة النتائج، الاختلاف الوحيد ربما هو أن النظام كان يزيف الحقائق وهو يشعر ببعض القلق أما اليوم فيفعل ذلك وهو مطمئن..