مستقبل العربية لدى الطلاب السوريين بعد دمجهم في المدارس التركية

2019.12.19 | 17:43 دمشق

images_13.jpg
+A
حجم الخط
-A

بدأت عملية دمج الطلاب السوريين في المدارس التركية في العام الدراسي 2016/2017، وبدأت معها تساؤلات أولياء الأمور عن جدوى عملية الدمج وانعكاساتها على أبنائهم في المستقبل.

وكان من أبرز تلك التساؤلات:

- هل سيتجاوز أبناؤنا عقبة اللغة التي ستكون لغة التعليم في المدارس التركية؟

- هل سيكون أبناؤنا قادرين على فهم المادة العلمية المقدَّمة لهم وخاصة المواد العلمية؟!

- ما مصير اللغة العربية التي ستكون لغة أجنبية لهم بعدما كانت لغتهم الأم ولغة التعليم والتواصل مع أقرانهم ومعلميهم، بل ولغة اتصالهم بماضيهم فكراً وتاريخاً وثقافة؟

أما فيما يتعلق بعقبة اللغة التركية فأنا لا أعتبرها عقبة بتاتاً، لأنّ الأطفال لديهم مقدرة على تعلم اللغة الأجنبية بيسر وسهولة، ومسألة الدمج ستسرّع عملية التعلم ولن تستغرق سوى بضعة أشهر لا أكثر ولنا في الطلبة السوريين الذين التحقوا قبل عملية الدمج بالمدارس التركية خير دليل على ذلك؛ فقد تجاوزوا مسألة اللغة بعد أربعة أشهر أو خمسة فقط، ومنهم من تفوّق في هذه المدارس على أقرانهم أصحاب اللغة الأم في السنوات اللاحقة وأعني هنا الذين لقوا تشجيعاً ومتابعة واهتماماً من أهليهم..

وبالنسبة لعملية فهم المادة العلمية المقدمة باللغة التركية واستيعابها، فهذا متوقف

منطق اللغة التركية وبناؤها مختلف تماماً عن منطق اللغة العربية التي كانت لغة التعليم قبل التحاقهم بهذه المدارس

على المستوى الذي وصل إليه الطالب في تعلّم اللغة التركية، ويتوقف مدى الفهم والاستيعاب على مدى التمكن من اللغة؛ لأن هذه اللغة التي تعلمها الطالب أو لا يزال يتعلمها ستكون لغة التفكير بالنسبة للطالب، خاصة أن منطق اللغة التركية وبناءها مختلف تماماً عن منطق اللغة العربية التي كانت لغة التعليم قبل التحاقهم بهذه المدارس.. أما عن تفوّق بعض الطلاب السوريين الذين أعرفهم فهذا يعود إلى دور الأهل في الاهتمام والمتابعة كما ذكرت بالإضافة إلى أن هؤلاء التلاميذ استفادوا من عملية الانغماس اللغوي المفروضة عليهم نتيجة وجودهم في مدينة لا تتوافر فيها مدارس سورية أو عربية من جهة، وقلة أعداد العرب فيها من جهة أخرى..

   

على كل حالٍ لن أدخل كثيراً في هذه التفاصيل، ولكن ما يهمنا في هذه السطور هو:

-كيف ستكون لغة أبنائنا العربية الذين أُدمِجوا أو أُدخِلوا إلى المدارس الحكومية التركية الآن وفي المستقبل؟

أما الآن فأعتقد أن الطلاب السوريين لن يكون لهم برنامج دراسي خاصٌّ بهم بغض النظر عن برنامج تكثيف ساعات تدريس اللغة التركية للطلاب المدمجين وذلك لتجاوز عائق اللغة، فهذا ليس من البرنامج المدرسي وإنما برنامج علاجي مؤقت، بل عند النظر إلى الدمج فالبرنامج الذي يدرسه الطالب التركي يدرسه الطالب السوري، ففي المرحلة الابتدائية اللغة العربية لغة أجنبية اختيارية كالإنجليزية والفرنسية وغيرها، ولن يختار أولياء التلاميذ السوريين اللغة العربية لغة أجنبية في المدارس التركية؛ لأنهم يعتقدون أن العربية لغة أطفالهم الأم، وبالتالي هم يملكونها، ولا بد من لغة أجنبية أخرى وسيرجّحون الإنجليزية على الأغلب.. أمّا تعليم اللغة العربية في مدارس الإمام والخطيب فعليه بعض الملاحظات ولعل من أهمها قلة ساعات اللغة العربية أسبوعيا، وتعليم اللغة العربية باستخدام اللغة التركية، فالمعلم يترجم ويشرح باللغة التركية.. إلا إن تمت الاستفادة من مدرسي اللغة العربية السوريين في تعليم هذه المادة في جميع مدارس الأئمة والخطباء فسيبقى خيط وصلٍ رقيق بين المتعلم واللغة العربية، وأقول رقيقاً، لأن العوامل لا تساعد على جعله متيناً وذا صلة بلغته العربية.. أمّا عن مستقبل أولادنا مع اللغة العربية فالإجابة عن هذا السؤال موجودة الآن وبيننا، فانظروا إلى الطلاب الذين قضوا حتى الآن أكثر من خمس سنوات في المدارس التركية مِمّن لم تتوفر لهم مراكز تعليم سورية مؤقتة نتيجة لظروف المدينة التي يقطنونها، انظروا إلى أبنائهم الآن، يتكلّمون اللغة التركية بطلاقة، ويتلعثمون باللغة العربية الفصحى أو القريبة من الفصحى، بل إن منهم مَن لا يجيد تركيب جملة صحيحة باللغة العربية، وقد لاحظت أن الأطفال الذين درسوا في المدارس التركية منذ العام 2014  تأثروا كثيراً بالثقافة التركية، وهي ثقافة ليست بعيدة كثيرا عن السوريين، وأقصد بالثقافة هنا طريقة التفكير ونمط المعيشة وطريقة التعامل مع الآخرين، أصدقاء، جيران، أقارب.. ولن أقول إنّ هذا خطر كبير على أولادنا في المستقبل؛ بسبب القاسم المشترك بيننا وبين الأخوة الأتراك؛ ولأن الظروف قد تجبرنا على البقاء والاستمرار هنا ..

كيف نحافظ على لغة أبنائنا العربية؟

- الخطوة الأولى تبدأ من البيت والأسرة، فينبغي لنا أن نتواصل باللغة العربية داخل البيت، وأن تتابع الأسرة مستوى الأولاد في اللغة العربية، إمّا من خلال المنهج الذي يدرسونه في المدارس إن وجد، وإمّا من خلال الاعتماد على منهجٍ في اللغة العربية

يجب ألا نقطع أبناءنا عن أصدقائهم العرب وأقربائهم سواء أكانوا داخل تركيا أو خارجها، فالتواصل وخاصة باللغة العربية مهم جدّاً لأبنائنا

مناسبٍ لمستواهم العمري واللغوي، وأن تكون بعض القنوات الناطقة باللغة العربية موجودة في بيوتنا وألا يقتصر التلفاز على القنوات الناطقة  بالتركية.. وهذا ربما لا يزال موجوداً في بعض المحافظات التي يكثر وجودنا فيها مثل أورفا وعينتاب وهاتاي ومرسين، ولكن حال السوريين يختلف في المحافظات الأخرى.

- ويجب ألا نقطع أبناءنا عن أصدقائهم العرب وأقربائهم سواء أكانوا داخل تركيا أو خارجها، فالتواصل وخاصة باللغة العربية مهم جدّاً لأبنائنا..

- كما ينبغي لنا إلحاق أبنائنا بحلقات تحفيظ القرآن الكريم المنتشرة في المساجد؛ فهو من أهم العوامل المساعدة في الحفاظ على اللغة العربية.

- وأخيراً نرجو من المسؤولين عن شؤون تعليم السوريين في مديريات التربية الاستفادة من المراكز التي كان يدرس فيها الطلاب السوريون، وذلك لتوظيفها في خدمة اللغة العربية، وأذكر على سبيل المثال:

- إقامة دورات تقوية في مادة اللغة العربية

- إقامة ندوات ونشاطات ومسابقات ثقافية وأدبية متنوعة تكون اللغة المستخدمة فيها اللغة العربية..

وهنا لا بدّ لنا أن نُذكّر أنَّ أبناءنا أمانة لدينا فلنساعدهم على المحافظة على اللغة العربية لغة الدين والقرآن الكريم وإحدى اللغات العالمية، ولا نريد لهم أن يتلعثموا بها في المستقبل، بل نريدهم أن يتقنوها إلى جانب التركية والإنجليزية بإذن الله.

كلمات مفتاحية