مسارات تشكيل حكومة ميقاتي.. رضا أميركي وتفاهمات طهران وباريس

2021.09.18 | 05:55 دمشق

2021-09-13t102906z_12945274.png
+A
حجم الخط
-A

مساران يلتقيان في لبنان، الأول، لهيب أزمة في قمتها الاقتصادية والمعيشية، وعتمة الكهرباء تنتظر مَن الحكومة الجديدة أن تباشر استجلاب الفيول عشية العودة للأعمال والتعليم، ودولة مقيدة بحسابات إقليمية شرقية وغربية معطوفة على توقعات تشاؤمية تُنذر باستفحال هذه الأزمة أكثر فأكثر في الآتي من الأيام. وفي المشهد الثاني حكومة تخطو أولى خطواتها في رحلة الألف أزمة وهي التي أطلق رئيسها الوعود ببذل المستطاع لإطفاء نار جهنم التي أشعلها عهد ميشال عون وكماشة حزب الله.

وفي حين التقطت حكومة العهد الأخيرة برئاسة نجيب ميقاتي صورتها التذكارية، واجتمعت لجنة صياغة البيان الوزاري التي أنجزته كأنه كان جاهزاً قبيل مرسوم تشكيلها، يعود الرئيس نجيب ميقاتي إلى السرايا الحكومي للمرة الثالثة، وانصرف الوزراء إلى تسلّم وزاراتهم والإرث الثقيل من الأزمات المعقدة التي خلفتها حكومة حسان دياب وراءها. والكلّ في انتظار نيلها الثقة من المجلس النيابي، لتدخل بعدها إلى الامتحان، أو بالأحرى إلى الامتحانات الصعبة التي تنتظرها في شتى المجالات.

ويجمع كل الأطراف على أنه يمكن أن تُحسد الحكومة على ما هي مُقبلة عليه، فحجم الكارثة التي حلّت بلبنان وَضَعها أمام ما أكّد عليه رئيسها أنّها أمام مهمة صعبة، ولكنّها تصبح سهلة إن التقى التوافق الداخلي على سكة الخروج من جهنم الأزمة، وإعلاء لمصالح البلاد وحساباته السياسية والعسكرية والاقتصادية فوق مصلحة الأثلاث والأحلام والصواريخ والمحاور.

في حين الملفات التي سيجري تباعاً العمل عليها والتي تشكل هاجس الداخل والخارج مع هذه الحكومة هي في ضبط سعر صرف الليرة ضمن سقف يتراوح بين 10 و13 ألف ليرة لبنانية مقابل الدولار الأميركي، وهو سقف قابل للانخفاض إلى حدود 8 آلاف ليرة لبنانية فور إنجاز برنامج التفاوض مع صندوق النقد، وهذا المسار يأتي في ظل وجود تحركات أميركية تجاه المسؤولين في صندوق النقد الدولي بغية تسريع المفاوضات مع الحكومة اللبنانية ضمن سقف لا يتعدى نهاية العام الحالي.

وترتبط خطة تحسين صرف الليرة مع خطة رفع الدعم نهائياً، وهو ما يستلزم ضبط قيمة العملة المحلية، ووضع آلية لتوزيع البطاقة التمويلية الممولة من البنك الدولي للعائلات الأكثر فقراً.

بالإضافة لتلك الوعود التي قطعها فريق رئيس الجمهورية لحل أزمة قطاع الطاقة عبر إنجاز خطة مع شركات أجنبية وعربية لتطوير معامل الكهرباء خلال مدة لا تتجاوز السنة، فيما قطاع الاتصالات يجري التداول بفكرة ربطه ببرامج الخصخصة، بالتوازي مع شروط صندوق النقد الدولي.

في حين الأولويات الموجعة للمنظومة الحاكمة تكمن في الاستحقاق الذي ينتظره اللبنانيون والمجتمع الدولي وتحديداً الولايات المتحدة وفرنسا، والمتعلق بإجراء الانتخابات النيابية والبلدية في موعد أقصاه 20 أيار 2022.

إذ وعد ميقاتي المسؤولين الأميركيين والفرنسيين أنه حريص على إجراء الاستحقاق الكبير في موعده وضمن مهلة لا تتجاوز نهاية الربيع القادم في حين بدأت القوى السياسية وعقب تشكيل الحكومة بالتحضير للمعركة الصعبة وخاصة أن تشكيل الحكومة يعني أن الانتخابات قائمة وتأجيلها بات حلماً صعب المنال لقوى سياسية قد يجري صفعها في نهاية المطاف بالصناديق التي ستكون تحت إشراف لجنة دولية مهمتها منع التأجيل وضمان عدم القيام بأي ممارسات كالتي شابت انتخابات 2018 في عهد حكومة الحريري وبإشراف وزير داخليته السابق.

وفي حين تشكلت الحكومة بسرعة البرق بعد أن كان الاعتذار هو الأقرب للواقع والظروف، لكن شيئا في الإقليم سرع في نهاية المطاف بولادة هذه الحكومة انطلاقاً من مؤتمر بغداد الذي عُقد بمشاركة إيرانية وسعودية وبحضور الرئيسين الفرنسي إيمانويل ماكرون والمصري عبد الفتاح السيسي وأمير قطر تميم بن حمد ووزير خارجية أنقرة مولود أوغلو، وبدعم أميركي أضفى على هذا المؤتمر شرعية دولية، ما يعني التأسيس للعوامل الخارجية المؤثرة مباشرة في الملف اللبناني التي كانت حاضرة في أجواء من التعاون الإقليمي والدولي.

حيث طُرحت ملفات لبنان واليمن وأمن الملاحة في الخليج، إضافة إلى تطورات الوضع في أفغانستان، وسط دفع للعلاقة بين إيران والسعودية. والأهم، أنّ ماكرون نجح في إبرام اتفاقات نفطية وأخرى تتعلق بالطاقة بقيمة 26 مليار دولار أميركي، وهذه الاتفاقات هي لصالح شركة توتال الفرنسية، والتي كان أحد كبار مسؤوليها في عداد الوفد الرسمي الفرنسي. والتي ستصب معظم عملها وجهدها في محافظة البصرة ذات الأغلبية الشيعية، والتي للإيرانيين الحضور الأقوى والأهم فيها.

وفي المعيار الإقليمي والدولي، لم يخرج تشكيل الحكومة عن المسار المعروف والتوازنات القائمة: الغلبة لحزب الله وحلفائه الإقليميين.

 في حين الموقف السعودي غير واضح حتى الآن بالرغم  من الوعود التي أطلقها رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية عباس كامل والذي دخل على خط تشكيل الحكومة في الساعات الأخيرة والذي أبلغ ميقاتي وعداً مصرياً بالعمل على ترتيب زيارة له للقاء ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. لكن وحتى اللحظة الراهنة، لا إشارات مؤكدة، في انتظار مراقبة منهجية عمل الحكومة، ومقاربتها للملفات المتعلقة بهواجس دول الخليج، في حين الموقف الخليجي اللافت كان موقف دولة قطر والتي تحرص على عدم الخروج من الملف اللبناني.

والاستثناء السعودي الوحيد هو  زيارة السفير السعودي في بيروت وليد البخاري لرئيس مجلس النواب نبيه بري عشية الإعلان عن الحكومة، وذلك بعد مقاطعة امتدت لأشهر، الأمر الذي يدل على دلالات سياسية، وهي أعطت إشارة الى ليونة ما ربما طرأت على الموقف السعودي تجاه لبنان وخاصة أن السعودية التي تفاوض إيران في بغداد وصلت لمبتغاها وأبعدت الحريري عن رئاسة الحكومة.

في حين أميركياً كانت الرسائل الأميركية تحث الجميع على الذهاب لتشكيل حكومة، أسلوب دونالد ترمب لم يسبب لحزب الله سوى إرباك لكنه لم يحقق انتصارا سياسيا ولا ساهم بعزلة الحزب إياه والدليل الأبرز على ذلك رفع حزب الله من مقام الفريق السياسي إلى مصافي الدول في البيان الصادر عن ماكرون – رئيسي واعتبار حزب الله صاحب الكلمة الفصل في صناعة الحكومات وتعطيلها في لبنان.

والأميركيون الذين فوضوا آنياً باريس لحل العقد سمحوا في نهاية المطاف بولادة حكومة نجيب ميقاتي بثلث لميشال عون وثلث آخر لحلفائه -أي حزب الله- كما أنّ دمشق التي وافق الأميركيون على تخفيف حدّة العقوبات عن نظامها، مقابل تسهيل إيصال الغاز المصري والكهرباء الأردنية إلى لبنان، هي نفسها ستتولّى تزويده النفط الإيراني برّاً. ولم يُسمَع حتى الآن أي اعتراض على دورها، لا من الأميركيين ولا من حلفائهم الإقليميين.

ما يعني ذلك، بما لا يقبل الشك، أنّ هناك اتفاقا ضمنيا حول لبنان، في مكان ما بين الأميركيين والإيرانيين، بموافقة إسرائيلية ومساعٍ فرنسية، وباقتناع القوى العربية الأساسية، وستظهر ملامحها أكثر فأكثر، وتنعكس على لبنان. ولكن، من المبكر الاستنتاج إذا كان الانعكاس سلبياً أو إيجابياً.

والأساس أن شخصية نجيب ميقاتي البراغماتية الذي يروج لنفسه منذ لحظة 2005 أنه رجل حل الأزمات حريص على تحقيق قصص نجاحات تخوله بعد الانتخابات المقبلة للقول أن مصطفى الكاظمي ليس أفضل منه في إدارة بلد مأزوم ويشهد توترات ومناكفات والرجل يقولها دون خوف أنه صديق الجميع في المنطقة بدءاً من المصريين والإماراتيين وليس انتهاء بالقطريين والأتراك.

وهو في الأصل كما يقال في الكواليس أجرى اتفاقاً ضمنياً مع جبران باسيل أن يكون رئيساً لحكومة ما بعد الانتخابات وهنا يكون قد قطف الرجل محصول فشل الحريري والغضب السعودي عليه واستثمر في لحظة التحول الإقليمي الكبير.

فلننتظر وللحديث صلة.