محكمة كوبلنز بداية لتحقيق العدالة للسوريين أم هبة بلا قادم؟

2021.02.26 | 00:27 دمشق

2021-02-24t103824z_1934937082_rc2yyl92ld9l_rtrmadp_3_syria-security-germany.jpg
+A
حجم الخط
-A

لم أصدق رواية صديقي المعتقل السابق، لسنوات في سجون نظام الأسد، فيوميات عذابه مع سجانه كانت بادية على ملامحه، وكل تفاصيله وحياته الجديدة بعد المعتقل، باتت تحكي ما يقصر بقوله، وليس يوميات الاعتقال ما أثار فضولي وشكوكي، فقد تراكمت صوتا وصورة وتوثيقا بعد الثورة السورية.

كانت رواية "بسام" مختلفة، يتحدث كيف بذل قصارى جهده، بعيد خروجه بإيصال رسائل لسجانه عبر وسطاء، أبعد من ذلك، وجه دعوة لزيارته في منزله، ورفضت لخوف السجان، حتى شاءت الصدف التقاءهما في مقهى النوفرة الشعبي وسط العاصمة دمشق.

يقول بسام: "شددته من يده، سائلا إياه معقول ما عرفتني، أصابه ارتباك وذهول حد الصدمة، وظن أني قاتله، فحضنته كمشتاق، مرددا على مسامعه بعد طلب الضيافة له أنت أخي ومسامحك كما أرسلت لك سابقا، أنا وأنت ويلي بعدهم بسجنك، بدنا نتجاوز الانتقام لنعرف نعيش بهالوطن، يلي ظلمني هو ذاته يلي ظلمك".

سألت محدثي هل كنت قادراً حينها للثأر من عذابك، أم لا فهربت إلى القدسية والمسامحة"؟.

"لن تجد أسهل من الانتقام وتوافر طرقه ومسبباته، المهم أن تقتنع أنه طريق مغلق لن يوصلك لما أردته، مستحيل..." يرد بسام الاسم الحقيقي لسجين سابق يقيم اليوم في سوريا.

استحضرت بأس محدثي، وتجربته، مع اختلاط شعوري، بين فرح لنيل ضحايا فرع الخطيب في محكمة كوبلنز الألمانية، والتي أصدرت قرارها بسجن المدان "إياد الغريب" صف ضابط ومدرب رياضي سابق ـ بأربع سنوات ونصف سجنا، وهو ما يعني متابعة قريبة لملف الضابط المنشق "إياد الغريب"، وبين قيم الثورة التي كانت في سنوات انشقاق المساعد والضابط نهايات 2012 مرحبة ومستجيرة، وتجير من جاءها نصرة أو إيمانا، وأن هدفها المستقبلي، العيش المشترك لبناء وطن للجميع. وتعي بداخل حواملها المجتمعية، أن ثمة قاتلاً ومساعداً ومجبراً، وبين حق الضحية وتضميد جراحه، وقد راهنت كما "بسام" أن انتصار الثورة سيضمد جراح الضحايا، ولا ينهي حقهم في التقاضي، بإحاطة بكافة الظروف التي أنشأت العلاقة بين الضحية والجاني، ومسؤولية كل طرف، في سياق مسؤوليات السلطة التي بنت ورعت ودعت واستثمرت في تأجيج العداء بين مختلف مكونات المجتمع السوري.

جاءت محكمة كوبلنز في التوقيت السوري الأصعب، فلم يسبق لمحكمة أن قاضت الجناة قبل التسوية النهائية

جاءت محكمة كوبلنز في التوقيت السوري الأصعب، فلم يسبق لمحكمة أن قاضت الجناة قبل التسوية النهائية، وعادة يبدأ المشهد بالمسؤولين المباشرين عن أوامر التعذيب أو القتل، طبقت في العراق فحوكم صدام وقياداته، ولم نسمع عن محاكمات النسق الثالث، وفي ألمانيا ذاتها بلد المحكمة، نوفمبر 1945، شهدت  "نورمبرغ" أكبر محاكمة في التاريخ، حوكم فيها 21 من كبار القادة النازيين، للمرة الأولى أمام العدالة الدولية، مثلها القادة اليابانيون، ولكنها جاءت بعد نهاية حكمه وانتصار الحلفاء.

لذات التوجه القضائي، أنشئت المحاكم الدولية من قبل الأمم المتحدة، للانتصار للضحايا، ومحاكمة مجرمي الحرب في كلا من الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة 1993 فحاكمت الرئيس ميلوسوفيتش وعسكريين صرب وكروات وبوسنيين أدينوا بجرائم حرب.

كما أعقب هذه المحكمة تشكيل محكمتين أخريين الأولى لمحاكمة مجرمي الحرب في رواندا عام 1995 والثانية لمحاكمة مجرمي الحرب في سيراليون 2001.

لكن قدر السوريين، بعد عشر سنوات من الموت والقتل المستمر والممنهج، أن يقتنعوا اليوم أن محكمة كوبلنز بحسب بيانها "بقرار تاريخي، وإن ألمانيا تجري هذه المحاكمة على جرائم ضد الإنسانية لمصلحة المجتمع الدولي، الذي يجب ألا يسمح بالتعذيب دون عقاب، وإن ألمانيا لا يمكن أن تكون ملاذاً للأشخاص الذين ارتكبوا جرائم بموجب القانون الدولي"، وأضاف المدعي الفيدرالي للمحكمة: أن المحاكمة في كوبلنز "ليست سوى البداية"، وسيتبع ذلك مزيد من المحاكمات على الجرائم في سوريا".

فيما يؤكد بيان هيومن رايتس ووتش "نشعر بالارتياح لرؤية العدالة في أسوأ الجرائم في العالم، بصرف النظر عن مكان وقوعها. مع انسداد العديد من السبل الأخرى للعدالة، فإن القضايا الوطنية هذه، التي تستخدم الولاية القضائية العالمية، تمنح الضحايا السوريين الأمل".

فيما ستحتفي المنظمات الحقوقية السورية بالمنجز "الجزئي" طالبة من جمهورها الموافقة على أن قرار المحكمة، سيؤدي "قريبا" لـقرارات مماثلة تطول رموز النظام، وأننا أمام بداية لمسار قضائي جنائي، سيطول الجميع، ويشمل كل من تلطخت يداه بدماء السوريين.

حداثة المحكمة، ونوعية القضايا التي نظرت بها، إضافة لعدم أسبقية شبيهاتها في التاريخ الحديث فيما يخص الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، إضافة لاستمرار القتل لليوم في سوريا، جميعها عوامل ستلقي بظلالها على القرارات بين مرحب ومعارض، فالجميع بات يدرك أن قوى كبرى تلطخت أيديها بدماء السوري لن يطالها الحساب لا اليوم ولا غدا، أمام عسر المجتمع الدولي، وانقسامه بشأن المشهد السوري برمته فيكتب أحدهم متسائلا هل عجزت المعارضة عن المجرم الحقيقي، فاحتفت بمحاكمة مساعد في الأمن سبق له الانشقاق، بظروف يفهمها السوريون أكثر من غيرهم بظروف بلدهم الشديدة التعقيد في الجانب الأمني، وما يستتبعه من اعتقالات تطول غالبية أفراد عائلة المنشق، وبضابط لم يدع عليه لغايته أحد"، رغم القواسم المشتركة مع الضحايا لدى عموم السوريين، كمنتج عمم من السلطة الأسدية.