متى ستنسحبون من عبث اللجنة الدستورية؟!

2021.02.04 | 00:21 دمشق

thumbs_b_c_0091a80203dea0af43d60b3b9055b0bf.jpg
+A
حجم الخط
-A

تجولت في شرق المواقع والصحف، وفي غربها، فمر معي ليوم البارحة فقط، أكثر من خمس مقالات، تتحدث عن فشل الجولة الخامسة من اجتماعات اللجنة الدستورية!

لو تملكني الفضول الصحفي تجاه القصة، لأحصيت للقارئ، عدد المقالات التي سطّرها كتاب سوريون وعرب عن القضية، حتى لحظة قراءته لما أكتبه الآن.

لكنني، وللأمانة، فقدت حماسة الإحصاء، كما تلاشت لدي القدرة على التفاعل مع كثير من التفاصيل، بعد عشر سنوات من الثورة، وضياع الحل المنشود في متاهات السياسيين.

بينما بقيت في رأسي فكرة أساسية راسخة، تتجدد مع كل فشل تفاوضي جديد، يختصرها السؤال: هل يقرأ سياسيو المعارضة مقالات الكتاب والصحفيين والمحللين السوريين؟!

معظم المقالات التي نشرت في الأيام السابقة كانت تقول إن الائتلاف لا يجرؤ، على أخذ قرارات حاسمة، تجاه ألعاب النظام باللجنة الدستورية وغيرها، فقد تحول من تشكيل معارض إلى مؤسسة لذاتها.

وفي الوقت نفسه ليس من السهل على السوريين أن يعودوا إلى نقطة الصفر. ما يعني أنهم يعيشون أبشع لحظات الضياع في هذه المتاهة، حيث الموت والدمار الذي أصاب شعبنا، رابض في كل خطوة منها؟!

معظم القائمين على الشأن السياسي، إن في لجنة التفاوض، أو في اللجنة الدستورية، أو الهيئة السياسية للائتلاف، لا يتابعون سوى ما يهمهم، فيهملون ما لا يعجبهم من آراء

ولكن هل قرأ من يعنيهم الأمر هذا الكلام؟ ألا يستحق واقع الحال هذا مواجهة صريحة بينهم وبين الآخرين، الذين ما انفكوا يكتبون عن القضية؟!

لماذا يعتقد هؤلاء أن التواصل بينهم وبين السوريين يمكن أن ينقضي عبر مؤتمر صحفي، وكفى المؤمنين شر القتال؟!

أجزم، أن لدى نظام الأسد قراءً متخصصين، يتابعون كل ما يُكتب هنا وهناك، لا بل إن كتبة التقارير الأمنية يحصون كل كلمة يكتبها السوريون كلهم، وليس فقط معارضي النظام منهم، فكل ما يهمس في حالتنا المستمرة منذ نصف قرن من حكم آل الأسد وعشر سنوات من الثورة مؤرشف، وكل حصيلة يومية يتم تلخيصها لتصل إلى المعنيين في مراكز قوى النظام، بشكلٍ أو بآخر، لتصل مفلترة في النهاية إلى رأسه. وهذا ليس بسرٍ، بل هي آلية عملٍ، تحدث عنها غير معارض ممن عرفوا تركيبة النظام الإدارية من الداخل، وأشار بشار الأسد لها في أكثر من لقاء صحفي، مع صحفيين غربيين.

حتى وإن كان الأمر في الواقع مخالفا لهذا الشكل، سيكون من الملفت الإلحاح على ذات القصة، وكأنها تحمل رسالة من نوع ما للمؤيدين، فتقول لهم إن السلطة لا تترك شاردة أو واردة دون أن تهتم بها.

ستتراكب هذه الرسالة مع ممارسات يقوم بها رأس النظام بين الحين والآخر، حيث يلتقي مع بعض الصحفيين المؤيدين العاملين في جبهته الإعلامية الداخلية والخارجية، وبما يوحي بالراحة، والاسترخاء، والاستعداد للمعارك، بعقل بارد. وهذه الفحوى سنجد مثيلها فيما جرى تسريبه عما جرى بينه وبين الصحفيين الذين التقاهم قبل أيام، ضمن تحضيراته لقصة الانتخابات الرئاسية!

وبالعودة للسؤال المطروح أعلاه، لن نكون بحاجة لجواب يشفي غليلنا، فنحن نخمن -كما كل السوريين-أن معظم القائمين على الشأن السياسي، إن في لجنة التفاوض، أو في اللجنة الدستورية، أو الهيئة السياسية للائتلاف، لا يتابعون سوى ما يهمهم، فيهملون ما لا يعجبهم من آراء، وأظنهم قد بنوا بينهم وبين شرائح المثقفين المشتغلين بالسياسة (الكتاب والمحللين) حائطاً سميكاً، كل لبنة فيه مشبعة بالإلغاء، والاستهانة، والاستهتار أيضاً، إذا لم نقل الازدراء! مع ادعاء دائم بأن من يكتبون في الشأن السياسي السوري لا يعرفون عما يتحدثون!

يشعر جزء كبير من سياسيي المعارضة أن مواقعهم مهددة بشكل دائم، وأن من بين منافسيهم، أولئك الذين يكتبون هنا وهناك في شؤون المعارضة، ما يستدعي سياقاً كاملاً من الحذر والتجاهل!

ورغم أن جزءاً لابأس به من أولئك الكتاب قدموا جهوداً في وقت ما ضمن أطر المعارضة، ثم عادوا لمزاولة حرفتهم الأصلية، أي الكتابة، ما يعني وجود روابط بين المجالين مجال السياسة ومجال الكتابة، إلا أن واقع الحال يشي بقطيعة شبه كاملة بينهما! فالسياسي لا يقرأ ما يُكتب، وإذا قرأ لا يناقش، وإذا ناقش فهو لا يوضح!

وإذا قرر واحد من هؤلاء الذين يمسكون بمواقع فاعلة في مؤسسات المعارضة أن يكتب شيئاً ما فإنه سيسعى لنشره في جرائد غربية، أو عربية كبرى، وبالتأكيد سيكون آخر همه أن ينشر ما يكتبه في جريدة أو موقع للإعلام البديل!

وطبعاً لا أحتاج هنا لنكأ الجراح الخاصة بالحديث عن المؤسسات الإعلامية، التي كان يفترض أن تنشأ لترفد عمل الأطر المعارضة، ولا أريد الحديث عن الأموال التي بذلت في هذا السياق وهدرت، خاصة، وأنني كنت شاهداً على تجربة التخطيط والإعداد لمشروع الهيئة الوطنية للإعلام، التي أنجز فيها ورق مكثف ومهم، ثم رميت في الأدراج، واختفت لاحقاً، حتى من أدراج مكاتب الائتلاف.

لكنني مضطر هنا لتذكر الأمر في سياق عدم وجود منبر إعلامي يتبع للمعارضة السياسية، يمكن أن نقرأ فيه تصريحات وبيانات، وننشر فيه نقداً وردوداً على هذا النقد أو ذاك!

وطبعاً، أنا مضطر كأي كاتب سوري، وقبل هذا، كأي مواطن سوري. لانتظار أن يجيبنا أحد ما عن سؤال ما برح يتكرر في المقالات والتقارير: متى ستنسحبون من عبث اللجنة الدستورية؟!