متى تسحب تركيا نقاط المراقبة؟ وأسباب الضغط الروسي!

2020.09.22 | 00:02 دمشق

trkya.jpg
+A
حجم الخط
-A

لا تزال وجهات النظر التركية والروسية حيال التوصل إلى حل نهائي دائم في إدلب، تصطدم بخلافات عميقة تتعلق بأجندة كل طرف في المنطقة، وهو ما يؤخر فرض الاستقرار فيها رغم أنها تؤوي ملايين السوريين وأغلبهم نازحون ويهمهم الحصول على استقرار بعد سنوات من الهروب المتواصل من قصف النظام ووحشيته.

وفشل الاجتماع الأخير التقني الذي انعقد في أنقرة خلال الأيام الماضية، هو دليل إضافي على الهوة الموجودة بين الطرفين، ورغم كل تلك الخلافات إلا أن أنقرة وموسكو اعتادتا تفضيل التقارب وإيجاد الحلول سياسيا بدلا من المواجهة المباشرة ميدانيا، والتي قد تقود لنتائج لا تحمد عقباها لكلا الطرفين، خاصة أن تركيا فرضت أمرا واقعا جديدا في إدلب مؤخرا، يجعل من أي محاولة للتصعيد الميداني فيها، مغامرة كبرى، وخاصة من قبل قوات النظام التي قد تتعرض قواته لإبادة فعلية في حال كان هناك أي استهداف للقوات التركية المنتشرة في المنطقة.

ويعتقد كثير من الأطراف أن تسريب روسيا طلبها من تركيا سحب نقاط المراقبة في الاجتماع الأخير، وذلك من حدود اتفاقية سوتشي، وخاصة الواقعة في ريف حماة الشمالي وريف إدلب الجنوبي، هو حدث جديد وتطور وتصعيد من قبل روسيا أمام تركيا، إذ إن وكالة سبوتنيك هي التي نشرت هذا الخبر وبناء عليه كانت التحليلات باتجاه أن هناك خلافات بين الطرفين، وموقف روسي جديد، لكن روسيا ومنذ أكثر من عام طرحت على تركيا سحب نقاط المراقبة، حتى قبل الاجتياح الكبير وبعده. ومع سيطرة قوات النظام بدعم روسي إيراني على الطريق الدولي إم 5، طرحت روسيا هذه المطالب مرة جديدة باعتبارها أمرا واقعا، بمعنى أن نقاط المراقبة التركية لم يعد لها أي مهام، ماذا تراقب ومن بما أن المنطقة باتت بيد طرف واحد، ولذلك فإن هذا الطلب لا يعتبر حديثا، بل على العكس هو طلب متكرر دائم تقابله تركيا برفض متكرر، وتربط ذلك ضمن إطار الاتفاقية الشاملة التي تقود للاستقرار بالمنطقة.

تركيا من ناحيتها لا تمانع من إعادة تموضع وانتشار قواتها من ناحية المبدأ، وأعلنت عن ذلك عبر وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو قبل فترة بالحديث عن أن أي ترتيبات واتفاقات نهائية في المنطقة تستدعي بالضرورة نقل وتحويل أماكن تمركز نقاط المراقبة التركية الحالية إلى أماكن جديدة وفق مقتضيات الاتفاق النهائي، وهذا ما يؤكد أن لدى أنقرة متطلبات قبل نقل نقاط مراقبتها، وهذه المتطلبات هي إعلان وقف إطلاق نار شامل يتضمن تثبيت نقاط الفصل والسيطرة، وتحويل المنطقة إلى منطقة آمنة يمنع عليها القصف الجوي والبري، يسمح بذلك عودة للنازحين والمهجرين لمناطقهم في حدود سوتشي، ضمن آلية ضمانة لسلامة وأمن العائدين يكون لأنقرة دور فيه، وفتح الطرق الدولية بإشراف تركي روسي، ووفقا لهذا المتطلبات ترفض أنقرة أي تعديل على الوضع الحالي، وتهدد بإنهاء العملية السياسية، فروسيا لطالما تغنت بمنجزات مسار أستانا للدول الضامنة وهي تركيا وروسيا وإيران، والوجود العسكري التركي على الأرض بات رادعا لقوات النظام، فباتت تركيا بموقف أقوى من السابق على طاولة الحوار، وتدرك أنقرة تماما أن أي سحب لأي نقطة من نقاطها فهذا معناه بدء التنازلات وهو أمر غير ممكن وخاصة لجهة عودة النازحين لحدود سوتشي.

الضغط الروسي الأخير والتصعيد الإعلامي أيضا بات مثار تساؤل في الفترة الحالية، ولماذا في هذه الفترة بالتحديد عملت على هذه الحملة، خاصة أن المطالب موجودة سابقا، والرغبة الروسية للحل مع أنقرة أيضا موجودة، ولكن لا يمكن الحديث عن إدلب دون تداخل الملفات الدولية، فتركيا تعمل على فصل التطورات بالملف الليبي عن سوريا، وهو ما حصل تقريبا حيث بات للتطورات بليبيا مسار آخر منفصل مع توقف العمليات العسكرية هناك، إلا أن روسيا تعمل على استغلال الخلاف التركي الأوروبي في شرق المتوسط، على فرض ضغوط على تركيا في إدلب، حيث كانت تركيا تتلقى دعما كبيرا من دول الاتحاد الأوروبي وخاصة ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، فيما يتعلق بالتصعيد في إدلب والتطورات فيها وتحرك النازحين منها، فحاولت روسيا استغلال هذا العامل، إضافة إلى جمود الموقف الأميركي الذي ينتظر الانتخابات الرئاسية، وهو ما يضع السياسية الأميركية في موقف ضبابي بين رئيس مهدد بالرحيل، ذهابه يعني قدوم رئيس جديد بسياسات جديدة تطلب أشهرا لمعرفتها، فاستغلت روسيا هذه العوامل الدولية بالضغط على تركيا، وتفاوض أنقرة من سقف عال لتحقيق أكبر مكاسب ميدانية وهدفهم الحالي هو طريق إم 4 من خلال السيطرة على جنوب الطريق وصولا إلى جسر الشغور، وفي حال حصول موسكو على هذه السيطرة تضمن لأنقرة التهدئة المستدامة في المنطقة، وهذا إن حصل فإنه يعني بالنسبة لتركيا والمعارضة السورية نهاية الأمور في إدلب دون حل، ومزيد من النازحين واللاجئين والمهجرين، وضيقا في المساحة الجغرافية، والأهم هو طيّ ملف عودة النازحين والمهجرين إلى مناطقهم، حيث بات واضحا أن روسيا لا تأبه لمصيرهم بشكل يخالف كل مزاعمها في البيانات الختامية الصادرة عن اللقاءات الدولية، وهو ما يشبه تماما تعامي موسكو عن موضوع وحدة وسيادة واستقلال سوريا بالتعاون ودعم التنظيمات الانفصالية شرق الفرات، كما أن النظام سابقا قد أعرب عن ترحيبه بسوريا خالية من أهلها ممن يعارضه، في انسجام مع المواقف الروسية.

وأمام الهدف الروسي الخفي والخبيث مستغلا الأوضاع الدولية، بالسيطرة على المنطقة في إدلب ومنح المعارضة المدعومة من تركيا مساحة ضيقة، رفضت تركيا وترفض أي مقترح من هذا القبيل وتصر على وقف إطلاق النار والتهدئة، لحل كل القضايا العالقة، وروسيا توافق على وقف إطلاق النار المؤقت الحالي، ويرفضون الحديث عن ديمومته دون تحقيق المتطلبات السابقة، وتكتفي بالوعود الشفوية الوهمية، وإزاء عدم تحقيق المفاوضات لأي تقدم، يبدو من المعطيات الحالية أن المنطقة ستشهد تهدئة أيضا لفترة على المدى القريب وربما المتوسط، بعد تراجع الحشود السابقة من قبل النظام وحلفائه، وصعوبة القيام بأي عمل عسكري جديد بالمنطقة بسبب الحزم التركي، عسكريا وسياسيا، أمام واقع جديد بالمنطقة، وأي عمل عسكري وخروقات من قبل النظام لن تكون عملية سهلة، بل ستكون باهظة ومكلفة، وعليه قد تشهد المنطقة هدوء مع خروقات متعمدة من قصف متقطع بهدف إيصال رسائل بأن الاتفاق هش ويمكن خرقه بأي وقت مع محاولة تحريض المعارضة على الرد بقوة ليكون انهيارا شاملا بالاتفاقات وقد تكون من ضمنها استهدافات للنظام للقوات التركية من أجل الرد عليها واتهام أنقرة بعدم الالتزام بالاتفاقيات، ومهما يكن فإن أنقرة سبق أن أعلنت أن منطقة إدلب تمس أمنها القومي ولن تتخلى عنها بسهولة والواقع الميداني الجديد خير شاهد ودليل على ذلك، وهذا ما يضع موسكو أمام موقف إعادة حساباتها والدخول مجددا في مفاوضات أكثر منطقية أمام الواقع الجديد.