متلازمة الغطرسة والحمق من بوش إلى ترامب

2020.07.03 | 00:05 دمشق

bwltwn.jpg
+A
حجم الخط
-A

ليست المرَّة الأولى، التي يخرج فيها سياسيٌّ من البيت الأبيض، لينشر انتقاداته للرئيس الأمريكي، ويشكك في أهليته للرئاسة.

في كتابها "الجبروت والجبار" (تأملات في السلطة والدين والشؤون الدولية) الصادر عام "2007" تناولت "مادلين أولبرايت" وزيرة الخارجية الأميركية الأسبق، السلوك الأحمق للرئيس "جورج بوش" الابن، وسخرت من تبجحه الأرعن عن التفويض الإلهي له بحرب الإرهاب في العراق وأفغانستان.

حيث يقف "بوش الابن"، معلناً أنَّه ممثلٌ لمشيئة الرب، في بسط الحرية والعدل، ومحاربة الإرهاب، مؤكداً اختيار المشيئة الإلهية له، لتسليم منحة الحرية للشعوب.

والحقيقة إن هذه النبرة من الخطاب اللاهوتي، الذي طالعنا به "بوش الابن"، ما هو إلا حلقة في سلسلة قديمة، من التصريحات التي سبقه بها أسلافه، من قادة الولايات المتحدة الأمريكية، ففي سنة 1898 أبلغ "وليام مكنيلي"، مجموعة من رجال الدين، في معرض شرحه لفتوحات إدارته في الفيليبين (الحقيقة هي إنني لم أكن أريد الفيليبيين، وعندما قُدِّموا إلينا كهبةٍ من الآلهة، لم أكن أعرف ما الذي أفعله بهم، كنت أذرع أرض البيت الأبيض، كلَّ يومٍ حتى منتصف الليل، ولا يعيبني أن أبلغكم أيها السادة، إنني ركعت على ركبتي، ودعوت الله القدير، أن ينير دربي ويهديني سواء السبيل، وذات ليلةٍ اهتديت إليها. لم يتبق لدينا سوى أن نأخذهم جميعا، وأن نعلِّم الفيليبيين، ونرفع معنوياتهم ونحضرهم، وننصرهم).

وعند منقلب القرن العشرين، اشتهر السيناتور الشاب "ألبرت جيريمايا بفردج "من ولاية إنديانا بخطبته الشهيرة "زحف العلم" التي كررها في العديد من المناسبات العامة، وعلى منبر مجلس الشيوخ، فقد قال مهللاً "الفيليبون لنا للأبد، وخلفها مباشرة توجد أسواق الصين، غير المحدودة، لن ننسحب منها، ولن نتخلى عن أي فرصة في الشرق، ولن نتنازل عن دورنا، في الرسالة التي عهد بها الله إلى عرقنا، بتحضير العالم".

واليوم يطالعنا مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق "جون بولتون" في كتابه الذي تمت طباعته، ومرَّ نشره بمخاضاتٍ وعرة، تحت اسم (الغرفة التي شهدت الأحداث: مذكرات البيت الأبيض) الذي ما يزال يحدث ضجيجاً هائلاً، في البيت الأبيض والمؤسسات السياسية، والقانونية الأمريكية، حيث يسرد عشرات الوثائق والتصريحات، التي أدلى بها الرئيس دونالد ترامب، والتي ترد بتوثيقٍ، لا يسمح بأدنى فسحةٍ للتشكيك فيها، أو بإعادة تأويل مضامينها، والتي تدل على مدى العنجهية والغطرسة، والاستعلاء والتنمر، الذي يبديه هذا الرئيس لمخالفيه.

ومع أن الكتاب خضع لتقليم أظافر، من جهاتٍ أمريكيةٍ عليا كما أورد كاتبه، إلّا أنَّ السجال حول منع توزيعه أخذ وقتاً طويلاً، وربما سيكون صدور هذا الكتاب عاملاً مساعداً في حرمان ترامب من ولاية جديدة في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل؟

كتاب جون بولتون جاء ليؤكد "فشل قدرة ترامب في إدارة البلاد"

وقد ذكر "جان إريك برانا" الأستاذ في جامعة "باريس الثانية - بانتيون-أساس" أنَّ كتاب جون بولتون جاء ليؤكد "فشل قدرة ترامب في إدارة البلاد"، ليعيد للذاكرة كتابي ("النار والغضب" لمايكل وولف و"الخوف: ترامب في البيت الأبيض" للصحافي الشهير بوب ووردورد) الصادرين عام "2018" والذين تحدثا طويلاً عن فقده للسيطرة على أعصابه وذعره من الصحافة، وفي لقاء له مع القناة الفرنسية "فرانس24" يؤكد "جان إريك برانا"، على أهمية كتاب "جون بولتون" كونه يصدر عن أقرب الدوائر من الرئيس الأمريكي.

ويسخر جون بولتون (71 عاماً)، المحافظ المتشدد من ترامب على مدى خمسمئة صفحة مؤكداً افتقاره للمعرفة في مجال السياسة الخارجية، وفي لقاءٍ مع شبكة "آي بي سي" أكد بولتون أنَّ "قدرة الرئيس على الانتباه ضعيفة" وأنَّه "قليل التركيز، لكن انتباهه غير محدود عندما يتعلق الأمر بإعادة انتخابه".

وخلص إلى القول إنه "غير مؤهل لتولي منصب رئيس الولايات المتحدة".

يرى العديدون، أنَّه من غير المؤكد أن يكون لكتاب بولتون، التأثير الكبير على القاعدة الانتخابية للرئيس ترامب، وأنَّ النقطة الأهم هي ما إذا كان المؤيدون المتشددون في الولايات المتحدة الأمريكية يعنيهم شيء آخر غير مصالحهم الاقتصادية، فعندما يتعلق الأمر بالتصويت في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني المقبل من المحتمل أن تكون المسألة الاقتصادية ونتائج التعامل مع جائحة الكورونا، إضافة للظهور الأخير لمشكلة العنصرية في تعامل رجال الشرطة وطريقة إصلاحها.

أخيراً صدر الكتاب صبيحة الثلاثاء "23 يونيو" بعد أن حصد بولتون من بيع حقوقه لدار النشر "سايمن أند شوستر" الأميركية، مبلغ مليوني دولار.