مبادرة زعيم التيار الصدري والحلول التعجيزية!

2022.05.10 | 07:06 دمشق

000_9lr4a8.jpg
+A
حجم الخط
-A

تستمر في العراق، ومنذ سبعة أشهر، حالة عدم التوافق بين القوى الكبرى الفاعلة في المشهد السياسي، وبالتالي بقاء وتنامي حالة اللا دولة!

ومنذ الانتخابات البرلمانية في العاشر من تشرين الأول/ أكتوبر 2021 وحتى الساعة والعراقيون يترقبون نهاية حالة الانسداد السياسي بين الفرقاء السياسيين، وبالذات في ضوء استمرار التناحر بين الإطار التنسيقي بزعامة نوري المالكي ومن معه، والتيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر ومن معه.

وقد حاولت الكتل السياسية باختلاف انتماءاتها العمل لترتيب جلسات انتخاب وحسم المناصب الكبرى (رئاسة الجمهورية والوزراء وتقاسم الوزارات) إلا أن العناد والتناحر بين التيار الصدري والإطار التنسيقي حال دون ذلك!

ومع تعثر انعقاد جلسات البرلمان من قبل التيار الصدري لانتخاب رئيس الجمهورية لأكثر من مرتين، سعى التيار الصدري لرمي الكرة بملعب الإطار بداية نيسان/ أبريل الماضي، وقد أمهلهم 40 يوما للتباحث مع القوى الأخرى عدا التيار لتشكيل الحكومة، وهذا ما لم تتمكن من إنجازه قيادات الإطار حتى اليوم!

وللتخلص من الموقف المحرج الذي وضعهم فيه الصدر أعلن الإطار التنسيقي في الرابع من هذا الشهر مبادرة سياسية للخروج من المأزق وذلك قبل انتهاء مهلة الأربعين يوما التي أعطاها الصدر لهم، وقد تضمنت المبادرة دعوة جميع الأطراف للحوار ومناقشة الحلول والمعالجات من دون شروط أو قيود مسبقة، على أن يضع الجميع مصلحة الوطن والمواطن أمام عينيه، وكذلك ضرورة التركيز والاهتمام بمواصفات المرشح لمنصب رئاسة الجمهورية، وأن تسعى القيادات الكردية للتفاهم والاتفاق على شخصية تمتاز بالكفاءة والإخلاص وحسن السيرة والسلوك!

وكرر الإطار خطابه غير الوطني (الطائفي) مستخدما عبارة (المكون الأكبر) للإشارة إلى القوى الشيعية، وقد أكدت المبادرة وجوبَ الحفاظ على "حق المكون الأكبر مجتمعيا من خلال كتل المكون الأكبر المتحالفة لتكوين الكتلة الأكثر عددا ومن ثم الاتفاق على ترشيح رئيس مجلس الوزراء المقبل".

وفي دليل قاطع على ترسخ حالة الانسداد السياسي قدّم الصدر، من خلال تغريدة تويترية، مبادرة مضادة، وربما، مختلفة تماما، بعد أقل من 24 ساعة من إعلان مبادرة الإطار، ويبدو بأنها مبادرة معدة سلفا، وخلاصتها فسح المجال أمام العناصر البرلمانية المستقلة لتشكيل الحكومة خلال 14 يوما!

النقطة الأهم هي أن الصدر اقتنع تماما بموجب مبادرته وتوقيتها بأنه عاجز عن الحصول على العدد النيابي الكافي لحسم موضوع رئاسة الجمهورية والوزراء والمتمثل بثلثي أعضاء مجلس النواب (220 نائبا)!

ونصت مبادرة الصدر على أن للعملية السياسية ثلاثة أطراف، الطرف الأول التحالف الوطني الأكبر (تحالف إنقاذ وطن) وهو راعي الأغلبية الوطنية، والطرف الثاني (الإطار التنسيقي) الداعي لحكومة التوافق وقد أعطيناه مهلة الأربعين يوماً وفشل في تشكيل الحكومة التوافقية، والطرف الثالث (الأفراد المستقلون) في البرلمان.. وندعوهم لتشكيل مستقل لا يقل عن الأربعين فرداً منهم بعيداً عن الإطار التنسيقي الذي أخذ فرصته، وعلى المستقلين الالتحاق بالتحالف الأكبر ليشكلوا حكومة مستقلة، وسيصوت التحالف الأكبر على حكومتهم، بما فيها الكتلة الصدرية، وبالتوافق مع سنة وأكراد التحالف.. ولن يكون للتيار مشاركة في وزرائها!

والنقطة الأهم هي أن الصدر اقتنع تماما بموجب مبادرته وتوقيتها بأنه عاجز عن الحصول على العدد النيابي الكافي لحسم موضوع رئاسة الجمهورية والوزراء والمتمثل بثلثي أعضاء مجلس النواب (220 نائبا)!

وأعتقد أن رمي الصدر للكرة بملعب المستقلين فيه ضربة واضحة لهم، وأيضا هي جزء من سياسة الإشغال العام للشعب، ومماطلة سياسية ومرحلية لا يمكن أن تقود لتصحيح المسار الخاطئ الذي تسير عليه الدولة، وإجهاض لفكرة الإصلاح التي ينادي بها التيار الصدري!

ولهذا صرح القيادي في تيار الحكمة رحيم العبودي، يوم الأحد الماضي بأن "استراتيجية الصدر هي غلق أبواب الحوار للإبقاء على الحكومة الحالية لضمان بقائه المسيطر على زمام القرار"!

وتبرز أمامنا عند قراءة مبادرة الصدر جملة من التساؤلات، ومن بينها:

  • هل هنالك أصلاً نواب مستقلون في العراق؟
  • وهل يمكن أن يجتمع 40 نائبا مستقلا في قائمة واحدة؟
  • وما هو ثقلهم البرلماني؟
  • وهل يمتلكون القدرة على تشكيل الحكومة!
  • وهل ستوافق قوى الدول الإقليمية الفاعلة في الساحة الخارجية بتسليم الحكومة لقوى بعيدة عنها؟

إن مسألة (الاستقلال النيابي) في برلمان العراق واحدة من الجوانب الخفية في العمل السياسي، والمتابعون للسياسة العراقية يعرفون أن فلانا وفلانا من (المستقلين) هم تابعون، أصلا، لأحزاب السلطة لكنهم دخلوا بأسماء مستقلة، وهذا يعني أن الغالبية العظمى من (المستقلين هم ليسوا مستقلين بداية)، ومن هنا جاء تصريح القيادي في ائتلاف المالكي رسول أبو حسنة بأن النواب المستقلين توزعوا على الكتل ومعظمهم في الإطار!

ومع ذلك، وحتى لو سلمنا بفرضية الاستقلال، هل يمكن جمع 40 نائبا مستقلا في كتلة واحدة، وهم منقسمون أصلا بين الكتل السياسية؟

أظن أن قيام هذا التجمع صعب جدا، وذلك لأن ثقلهم السياسي موزع بين غالبية الأطراف العربية السياسية، وبهذا يضعف دورهم، وربما، يتلاشى تحت عجلات الانقسام الواضح بينهم!

وحتى لو سلمنا بقدرتهم على جمع 40 نائبا، وهم أصلا لا يتجاوزون هذا العدد إلا قليلا، فمن هو النائب المرشح أو المؤهل من بينهم لتشكيل الحكومة؟

وهل يمكن لهذه المبادرة الصدرية أن تكون الضامن للمستقلين لاستمرارهم في زعامة المرحلة المقبلة، أم أن الصدر سيتحكم بهم كونه الكتلة الأكبر في البرلمان؟

وهذا التخوف من غياب الضمانات أعلنه النائب المستقل ياسر إسكندر وتوت، الأحد الماضي، والذي أشار إلى "دعم مبادرة الصدر بشرط الحصول على ضمانات حقيقية".

وأيضاً، وهذا هو الأهم، هل ستوافق قوى الإطار التنسيقي، والقوى الإقليمية الداعمة لها، على أن يكون رئيس الحكومة من المستقلين؟

أظن جازما، وفقا للواقع السياسي، بأن إنهاء الانسداد السياسي لا يكون إلا بالتوافق داخل (البيت الشيعي) لتكوين الكتلة الأكبر، وبخلاف ذلك لا يمكن لأي مبادرة أن تنقذ الوضع المتأزم القائم الآن!

هل مبادرة الصدر هي الفخ القاتل للمستقلين في البرلمان، وهل هي بداية الانهيار التام للعملية السياسية أم هي بداية التحول نحو تسليم زمام الأمور لمستقلين حقيقيين؟

والدليل على الرأي الذي أذهب إليه هو الانقسام السياسي (من المستقلين وغيرهم) بين المبادرتين (الإطارية والصدرية)، فهنالك قوى مع مبادرة الإطار، وأخرى مع مبادرة التيار؛ وعليه ستبقى القوى السياسية تدور في هذين الفلكين، والمحصلة صفرية للجميع، وفي مقدمتهم المواطن الذي يأمل أن تنتهي حالة اللا دولة القائمة حالياً!

وأخيرا هل مبادرة الصدر هي الفخ القاتل للمستقلين في البرلمان، وهل هي بداية الانهيار التام للعملية السياسية أم هي بداية التحول نحو تسليم زمام الأمور لمستقلين حقيقيين؟

أتصور أن الخيار الأول هو الأقرب للواقع السياسي العراقي، ومع ذلك يفترض أن نترقب ونرى ما تسفر عنه المباحثات بين الصدر والمستقلين خلال الأيام القليلة المقبلة، وحينئذ يكون لكل حادث حديث!