ماكرون - حزب الله.. الإصرار على المقاربة الخاطئة!

2020.09.02 | 00:06 دمشق

makrwn.jpg
+A
حجم الخط
-A

مع الزيارة الأولى التي قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى لبنان عقب انفجار ميناء بيروت في الرابع من آب المنصرم، وتصريحاته المهادنة لحزب الله في الوقت الذي كان فيه الشارع اللبناني في ذروة غليانه ضد الحزب، حذرت في مقال من خطورة أن ترتكب الحكومة الفرنسية خطأ جديداً يسهم في نجاة الحزب من المحاسبة هذه المرة.

لم يكن الشارع اللبناني وحده من يغلي تجاه حزب الله لحظتها، بل غالبية المجتمع الدولي إلى الحد الذي تجددت فيه المطالب بنزع سلاح حزب الله كجزء أساسي لا غنى عنه من الإصلاحات التي دعا إليها الرئيس الفرنسي في تلك الزيارة.

لكن ماكرون رد على هذه المطالب بالتحذير من أن نزع سلاح حزب الله بالقوة يمكن أن يشعل حرباً أهلية في لبنان، الأمر الذي أثار حفيظة عدد كبير من الدول وفي مقدمتها الولايات المتحدة التي عبر عدد من مسؤوليها عن عدم رضاهم عن المبادرة الفرنسية للإصلاح السياسي في لبنان وتأكيدهم على عدم جدواها، إلى درجة رفض المشاركة في المؤتمر الدولي لجمع التبرعات للبنان الذي رعته باريس.

ويوم الثلاثاء عاد الرئيس الفرنسي وكرر موقفاً قريباً من الأول، عندما صرح في مستهل زيارته الثانية إلى لبنان خلال أقل من شهر أن "حزب الله يمثل جزءا من الشعب والنظام السياسي اللبناني ولديه نواب منتخبون في البرلمان" الأمر الذي أثار حفيظة وغضب كثيرين.

بعض الغاضبين من الموقف الفرنسي نحو في تفسيراتهم سريعاً باتجاه إيديولوجي، ووضعوا الإصرار الفرنسي في إطار الصراع الطائفي المتفجر في المنطقة بين السنة والشيعة، لكن الواقع أن هذا الدافع لا يعني أحداً سوى أصحابه من المتصارعين في الشرق الأوسط على هذا الأساس، أما الموقف الفرنسي فهو ينطلق كما تشير المعطيات من دوافع سياسية - اقتصادية.

الواقع يشير إلى أنه تحرك يستهدف وضع قدم فرنسية في حوض المتوسط مجدداً بعد غياب طويل

أرسلت باريس بارجة حربية إلى المياه الإقليمية اللبنانية فور حدوث انفجار بيروت، وقتها اعتقد البعض أنه تمهيد لتدخل عسكري في لبنان، إلا أن الواقع يشير إلى أنه تحرك يستهدف وضع قدم فرنسية في حوض المتوسط مجدداً بعد غياب طويل.

لقد أدت الاكتشافات المتزايدة لموارد الطاقة من النفط والغاز في البحر الأبيض المتوسط إلى توترات كبيرة بين الدول المطلة عليه، كما دفعت إلى زيادة الاهتمام الإقليمي والدولي بالمنطقة، وعليه كان متوقعاً ألا تبقى فرنسا بعيدة عن هذه المنافسة.

من الواضح أن فرنسا تريد حصة من هذه الكعكة المغرية، وعلى الأغلب فإنها لن تكتفي بما أرسلته من قطع بحرية عسكرية إلى شواطى المتوسط الشرقية، ولذلك فإنها ترى أن استعداء حزب الله قد يعرض وجودها العسكري واستثماراتها الاقتصادية المستقبلية إلى مخاطر، وبمعنى أوضح فهي تعتقد أنها بذلك تحيد عدواً محتملاً هي بغنى عن الإيذاء الذي يمكن أن يلحقه بها كما فعل في ثمانينات القرن الماضي ضد الوجود العسكري الأميركي والفرنسي في لبنان.

لكن هل تبدو السياسة الفرنسية هذه مصيبة أو منطقية؟

سؤال لا يمكن إلا للوقت أن يقدم إجابة حاسمة عليه، لكن الواقع والتاريخ يؤكد أن التقدير الفرنسي يبدو خاطئاً بكل المقاييس. فحزب الله باعتباره ذراعاً إيرانية وقوة أيديولوجية متطرفة لا يمكن إلا أن يكون قنبلة موقوتة وخطراً على الجميع لا يمكن تجنبه إلا بالتخلص منه.

لا يعني ذلك أنه يجب أو يمكن القضاء على الحزب بشكل نهائي وإزالته من الوجود، فهو بالفعل يمثل جزءا من الشعب اللبناني، لكن سيكون من الكارثي على الشعب اللبناني ذاته وعلى استقرار المنطقة، وبالتالي على المصالح الفرنسية فيها السماح باستمرار سلاح هذا الحزب وبلطجته.

لقد ارتكب العالم، وفي مقدمته فرنسا هذا الخطأ مرتين على الأقل من قبل، الأولى عند توقيع اتفاق الطائف لإنهاء الحرب الأهلية في لبنان، والذي نص على نزع سلاح جميع الميليشيات ما عدا سلاح (المقاومة) الأمر الذي أتاح فرصة ذهبية لحزب الله كي ينمو وتزداد قوته حتى أصبح دولة داخل الدولة بكل معنى الكلمة.

ثم تكرر هذا الخطأ عندما عارضت باريس قراراً لمجلس الأمن الدولي ينص على نزع سلاح حزب الله بالقوة، عقب اغتيال رفيق الحريري، وكان المبرر هو ذاته وقتها، "الخشية من تفجّر حرب أهلية".

لقد أدى ما سبق إلى أن أصبح حزب الله قوة لا يستهان بها، وبات التفكير بالتخلص منه قضية معقدة، لكن الاستمرار بالسماح له بامتلاك السلاح لن يؤدي سوى إلى المزيد من التعقيد والمشاكل.

إن الضمان الوحيد لمصالح فرنسا وجميع دول المنطقة والقوى العالمية الطامحة للاستثمار في البحر المتوسط هو العمل على إزالة كل عوامل التوتر في هذه المنطقة، وفي مقدمتها إسقاط نظام الأسد في دمشق، ونزع سلاح حزب الله في لبنان هو وجميع ميليشيات إيران في الشرق الأوسط، والعمل مع حكومات دول المنطقة وشعوبها يدا بيد وعلى أساس عادل لاستثمار هذه الموارد المكتشفة فيها، دون استغلال وبما يخدم مصالح الجميع ويؤمن التنمية والازدهار لمجتمعات حوض البحر المتوسط، وإلا فإن الشعور بالغبن سيؤجج المزيد من الغضب في هذه المجتمعات ويؤدي إلى المزيد من الاحتقان والتطرف وعدم الاستقرار فيها، وبالتالي خسارة الجميع في النهاية.