ماذا بقي لنتعلمه عن الخسارة؟ أيها السوريون فلنسرق العالم

2021.09.21 | 06:47 دمشق

syria_refugees022.jpg
+A
حجم الخط
-A

"وأنتم يا أبنائي وبناتي يا من لفظكم المجتمع.. يا أيها الفريق المكون من أكبر الفاشلين في التاريخ.. ومجرمين وحثالة.. بلقانيين ولاتينيين.. ماذا يمكن أن يعلمونا عن الخسارة؟ نعرف كيف أنه من الممكن أن نخسر رويداً رويداً...".

كان هذا جزءاً من خطاب باليرمو الشخصية المنبوذة في عصابة البروفيسور، الذي تلاه على أصدقائه اللصوص المحبوبين قبل المعركة الأخيرة مع قوات المرتزقة الذين جلبتهم الدولة لقتلهم.

يعرض مسلسل لاكاسا دي بابل خطة البروفيسور الذي أعد لأكبر عملية سرقة أنجزت على الإطلاق، وهي في الأساس كانت حلم والده الذي لم يتمكن من تحقيقها بسبب موته برصاص الشرطة أثناء إحدى عمليات سطو الفاشلة.

جنّد البرفيسور لأجل ذلك ثمانية أشخاص يدعون بأسماء حركية اختارها أسماء مدن عالمية، هؤلاء الأشخاص مجرمون مدانون ومطلوبون أمنيا وليس في جعبتهم ما يخسرونه. كانت الخطة اقتحام دار سك العملة الإسبانية وطباعة 2.4 مليار يورو، وذلك تطلب من العصابة البقاء هناك 11 يوماً.

على امتداد أربع مواسم بعد نجاح العملية، يأتي البرفيسور في الموسم الخامس بخطة جديدة لإذابة الذهب،  ونقله بطريقة ذكية من بنك إسبانيا بعد إنقاذ صديقتهم لشبونة من أيدي الشرطة، لكن الأحداث تسير على عكس ما خطط البروفيسور هذه المرة، ويستعد الجميع للموت في أية لحظة.

إلى هؤلاء المضطهدين نضيف شخصية لاجئ سوري حتى تكتمل حلقة الاضطهاد العالمي الذي يحكي عنه مسلسل "لاكاسا دي بابل"، إنهم الفقراء والمظلومون والأقليات والحالمون في مواجهة الدولة التي تمثل العنف في بعض الأيديولوجيات وأدبيات بعض اليساريين، لكن هل الدولة العالمية عنيفة ضد الضعفاء؟ وهل ما على حدود الدول من رفض وترهيب وملاحقة للاجئين السوريين وغيرهم، مجرد حدود مسيجة بالأسلاك الشائكة العالية والجدران؟ وماالوعود بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم التي مزقتها الحرب كما يحلو للإعلام الغربي أن يصفها وكيف سيعودون إليها؟

خسر السوريون كل شيء دفعة واحدة وهاهم يخسرون بلادهم ويطردون منها، معارضون للنظام وموالون ورماديون يجمعهم الطريق إلى أوروبا التي أغلقت أبوابها، خسروا معاركهم في الحرية والحب وفي العيش بسلام، وبقيت معركة عامة ضد طاحونة الحياة، يقول دون كيشوت "لا يمكن منع الرياح ولكن عليك أن تعرف كيفية صنع طواحين الهواء".

تتضاءل خيارات السوريين يوماً بعد يوم خارج البلاد وداخلها، ولم يبق أمامهم إلا أن يسرقوا.. لكن ليس بنكاً لإذابة الذهب الذي يؤمّن الدول بل سرقة شرعة حقوق الإنسان وقيم العالم وإذابتها وتحويلها إلى أي شيء يريدونه

تقول ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في جزء منها "ولما كان من الضروري أن يتولى القانون حماية حقوق الإنسان كيلا يضطر المرء آخر الأمر إلى التمرد على الاستبداد والظلم... فإن الجمعية العامة تنادي بهذا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه المستوى المشترك الذي ينبغي أن تستهدفه كافة الشعوب والأمم حتى يسعى كل فرد وهيئة في المجتمع، واضعين على الدوام هذا الإعلان نصب أعينهم".

ومع تحول الدولة العالمية إلى واقع له مُحدّداته الاقتصادية والسياسية والثقافية والعسكرية، يتحول التمرد على الظلم تمردا على الدولة العالمية وقوانينها وحدودها الراسخة جغرافياً المكسورة في فضاءات العولمة.

سرقة القوانين الدولية التي تتحدث عن حقوق الإنسان وتسخيرها لخدمة السوري الهارب من الموت والجوع قد تحوله إلى مواطن عالمي يناسب الدولة العالمية التي تتحرك وفقاً لمصالحها، فرفض الانتماء إلى هذه الدولة ليس متاحاً وليس حياراً فإما أن تكون مواطناً أو تكون ضحية. 

لا عواطف عالمية تحكم القصة السورية، فهي قصة ترتبط ترتبط بقرارات الأمم المتحدة وتفسيراتها وتفصيلاتها على طاولات القمار، في حين أن قضية البروفيسور ولصوصه الوسيمين وشخصياتهم الجذابة أثارت تعاطفاً عالمياً خارج سيناريو المسلسل والشاشة، فقد بكى الجميع موت طوكيو وهي تقاتل حاملة قنبلة بيدها، بينما ينفر العالم من شخصية اللاجئ السوري الباحث عن حقه كإنسان في هواء يتنفسه، فهل نحتاج إلى إعادة كتابة سيناريو الأحداث في سوريا وجعل شخصياتها أكثر سينمائية؟ كي نشبع عاطفة المشاهدين خلف الشاشات.

يصفق الجمهور للبروفيسور وعصابته الذين تحولوا إلى مقاتلي حرية يواجهون الفاشية ونظام التجارة والمتحكمين بالاقتصاد العالمي، وتدل أغنية بيلا تشاو على ذلك، وما الفاشية كما يراها المسلسل إلا دول الديمقراطية ودول الحريات التي يسعى السوريون للوصول إليها، والتي يمكن تسميتها الدولة العالمية.

استطاعت عصابة البرفيسور كسب التعاطف أيضا عند كشف الانتهاكات التي تعرض لها ريو بعد اعتقاله في سجن سري، ودفنه حياً وإيهامه بالموت، وهو غيض من فيض ما كشفته على أرض الواقع تقارير صحفية وحقوقية أكدت تعاون 54 دولة مع وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) لتسليم المعتقلين وتعذيبهم في السجون السوداء، الموجودة بجميع ألوانها في سوريا.

تتضاءل خيارات السوريين يوماً بعد يوم خارج البلاد وداخلها، ولم يبق أمامهم إلا أن يسرقوا.. لكن ليس بنكاً لإذابة الذهب الذي يؤمّن اقتصاد الدول بل سرقة شرعة حقوق الإنسان وقيم العالم وإذابتها وتحويلها إلى أي شيء يريدونه.

السوريون خاسرون، وللأحياء منهم فرصة أخيرة لتمزيق ثوب الضحية، نحتاج إلى قصة إعلامية أكثر إثارة وتشويقاً بعد عشرة مواسم من المأساة السورية، نحتاج شخصيات جديدة وأهدافاً تلائم حداثة العالم وتخاطب المظلومين والمضطهدين فيه. فلنأكل العالم بلقمة واحدة، أو فلنكن كما قال زوربا اليوناني "تخلصت من الوطن، تخلصت من الكاهن، تخلصت من الماء.. إنني أغربل نفسي كلما تقدم بي العمر غربلت نفسي أكثر إنني أتطهر، كيف أقول لك؟ إنني أتحرر إنني أصبح إِنساناً... ما دامت هنالك أوطان فإن الإنسان سيبقى حيواناً مفترساً …".. أو فلنسرق بنكاً.