مات مبارك فترحموا على مرسي

2020.02.28 | 23:03 دمشق

unnamed_2.jpg
+A
حجم الخط
-A

كان الأقوياء والطغاة يكتبون التاريخ كما يناسب هواهم، من خلال شرائهم ضمائر بعض الكتبة وبعض شعراء عصرهم المنافقين، غير أن الحال تغيّر بعد انتشار وسائل التواصل الحديثة، بحيث بات المستضعفون في الأرض أصحاب اليد الطولى في بث الحقائق ودفع الظلم عنهم.

هذه الحقيقة لا يريد أن يعترف بها حكامنا العرب المستبدون، وما يزالون يتعاملون مع الشعب وكأنهم شياه يحدوهم الراعي الكذاب حتى الفناء.

مات حسني مبارك فاحتفى به الانقلابيون وداعموه، متناسين الأحكام القضائية التي صدرت بحقّه، وبحق أبنائه والموالين.

تلك الحفاوة لم يحفل بها الشعب الذي اغتنم فرصة موت مبارك وراح يترحّم على مرسي، الرئيس الوحيد المنتخب في تاريخ مصر.

تجاهلت السلطة المصرية كل الجرائم التي قام بها مبارك خلال فترة حكمه خلال ثلاثين عاما، وتجاهلت كل أخطائه وطغيانه وإفقاره للمصريين، وبدّلت حسنات الرئيس مرسي بالسيئات، وغضت الطرف عن إنجازاته التي حققها خلال عام واحد من حكمه، وتعامت عن مواقفه النبيلة التي جاهر بها تجاه الربيع العربي وتجاه فلسطين. بل على العكس، كان لسلطة الانقلاب يد خفية في موته وهو رهن الاعتقال التعسفي في سجونها متعمدة الإهمال الطبي له. وبالرغم من جميع محاولاتها، لم تستطع إدانته بأي جرم، فقررت التخلص منه، ونشرت خبر وفاته في زاوية صغيرة من بعض صحفها، ولم تسمح بتشييعه الذي كان متوقعاً أن يشارك به ملايين من الذين انتخبوه ويوافقون على نهجه.

لكن التدجين الإعلامي والتعتيم على ما لا يريدون إظهاره، لم يعد ينطلي على الجماهير التي خرجت من القمقم وغدت تدرك حقوقها وإمكانياتها.

ما كان مكبوتاً في السنوات الخوالي بات مكتوباً مع انتشار التقنيات الحديثة التي توثّق ما يحدث وتحفظ ما كان لتقارنه بما هو كائن. كل التناقضات التي كان يخفيها الحواة معتمدين على ذواكر الشعب السمكية، لم يعد بالإمكان إخفاؤها، فما هو مدوّن أو مسجّل أو متلفز، غدا يقارن بما يدون ويسجّل ويتلفز، بحيث صار من السهولة بمكان كشف كذب الدعاة الأدعياء كما القرني الذي انقلب على مبادئه وبات يغيّر مواقفه

السياسات القميئة الراهنة ليست وقفاً على البلاد العربية وحسب، بل إن سمة العصر هو ابتلاؤه برؤساء جهلة وهبلان ووقحين ومجرمين وممثلين وحاقدين

تبعاً لما تتطلبه السلطة في بلاده، تلك السلطة التي كانت تقض مضاجع الناس وترهبهم بالمطاوعين جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأضحت تفسد المجتمع من خلال دعوتها إلى الانفلات عبر تلك الجماعات نفسها التي غدت تحمل اسم هيئة الترفيه.

الحقائق واضحة كالشمس ولا يمكن أن تحجبها غيوم مصطنعة، ولهذا سقطت أقنعة كثيرة عن وجوه كانت رموزاً للأجيال تكشّف زيفها وسقطت، بينما يتم نفض الغبار عن رموز عظيمة في تراث العرب والمسلمين، كانت تغيّبها السلطات المتوالية كي لا تظهر ضحالة الحاضر أمام الماضي المشرق الذي سطعت خلاله حضارتنا على الغرب.

السياسات القميئة الراهنة ليست وقفاً على البلاد العربية وحسب، بل إن سمة العصر هو ابتلاؤه برؤساء جهلة وهبلان ووقحين ومجرمين وممثلين وحاقدين، والغاية لديهم تبرر الوسيلة، مع أن غاياتهم أقبح من وسائلهم وأكثر قذارة. ولهذا عندما يبرز رئيس عاقل متّزن يراعي مصالح بلاده من دون التفريط بالقيم الإنسانية، يحاول كل طغاة العالم مهاجمته وافتعال الحرب معه كي يجرّوه إلى مستنقعاتهم السياسية المقززة.

كانت الجماهير تنساق وراء الزعماء والقادة وتحذو حذوهم، لكنها الآن في أماكن كثيرة من العالم غدت تسأل المسؤول عمّا يقوم به، وتحاكمه على إساءاته.

إن الجماهير العربية على درب تلك الوقفات الجريئة، وهي قادرة أن تفعل بعد حين، تماماً كما حولّت جنازة إبراهيم سلقيني ونزار قباني وغيرهما إلى احتفاء شعبي بالرغم من محاربة السلطة، وتجاهلت الحفاوة الرسمية بالطغاة والمنافقين.

إن البسطاء هم من سيسطر التاريخ، وعلى ألسنتهم سيتم فرز الصالح من الطالح، وهم الذين يحق لهم القول: الجنازة حافلة والميت كلب، أو التشييع ممنوع والراحل شهيد الكلمة...شهيد الحرية...شهيد الكرامة.  

لهذا يحق لكل المظلومين في مصر الترحم على الرئيس المنتخب الراحل المغدور محمد مرسي، بمناسبة موت حسني مبارك الذي أجبره الشعب الثائر على التنحي عن منصب كان له مطية بدلاً من خدمته لأبناء بلده.

كلمات مفتاحية