ما هي حقوق الفلسطينيّين؟

2021.05.23 | 06:01 دمشق

thumbs_b_c_9892e69ae1b996cf02272eaf4debfba2.jpg
+A
حجم الخط
-A

استجرّت الحرب الإسرائيليّة على قطاع غزة، وانتفاضة الفلسطينيّين في كلّ مناطق الدّاخل والضّفة، ونضالات سكان حيّ الشّيخ جرّاح ضدّ محاولات طردهم من بيوتهم، نوعًا من التّعاطف الكبير مع القضيّة الفلسطينيّة، نما وانتشر في المنطقة العربيّة وتجاوزها ليصبح ظاهرة عالميّة.

خرجت مظاهرات في أبرز العواصم العالميّة تتعامل مع الشّأن الفلسطينيّ بوصفه قضيّة حقّ مطلق يقارع همجيّة مطلقة، ولم يكن سهلا على أيّ من مناصري إسرائيل في العالم تقديم حجج تبرّر مناصرتهم لها.

وحتّى في الدّول التي تعاني من رهاب الهولوكوست، وثقل التّاريخ النازيّ وقوانين العداء للساميّة مثل ألمانيا وفرنسا والتي حرصت على منع التّظاهرات المؤيّدة للفلسطينيّين، بدا الأمر وكأنّه نوع من الخروج على لحظة العالم الأخلاقيّة والقانونيّة.

ساندرز كان قد نبّه في المقال نفسه إلى أنّ المساعدات الماليّة الأميركيّة لإسرائيل تنتهك القوانين الأميركية

ولكنّ السؤال الّذي بقي مشرّعا في الهواء هو السؤال الّذي أطلقه عضو مجلس الشّيوخ الأميركي بيرني ساندرز في مقال نشره في صحيفة "نيويورك تايمز" حول "ماهي حقوق الفلسطينيين".

ساندرز كان قد نبّه في المقال نفسه إلى أنّ المساعدات الماليّة الأميركيّة لإسرائيل تنتهك القوانين الأميركية الّتي تنص على أن المساعدات العسكريّة من الولايات المتحدة، يجب ألا تسمح بوقوع انتهاكات في حقوق الإنسان".

ما كان عضو مجلس الشيوخ يحاول التّأكيد عليه لا يتّصل بما أفرزته الحرب الأخيرة وحسب، ولكنّه يفتح سؤالا عريضًا حول تصنيف الفلسطينيّ الحقوقيّ قبل الأخلاقيّ والسّياسيّ، ويحذّر من أنّ تجاهل التّعامل مع هذا الموضوع من هذه الزّاوية تحديدًا من شأنه أن يهدّد الانتظام القانوني للولايات المتحدة نفسها، وبذلك فإنه ينقل المسألة الفلسطينيّة من مسألة يجب التّعامل معها كجزء من السّياسة الخارجيّة الأميركية إلى موضوع يتصل ببنية القوانين الأميركيّة وروحها، قد يؤسّس تجاهله لنشوء التباسات ضخمة تطول كامل البناء القانوني الّذي يحكم أميركا.

ولطالما كان هذا التّجاهل هو السّمة الّتي يتحرك داخلها الالتباس في كل ما يتعلق بالفلسطينيّين، وكان لافتا أنّ إسرائيل التي لا تبالي بموضوع التّنكيل بالفلسطينيّين لأنها تعلم أنها مغطاة ليس بالدّعم الأميركي وحسب، ولكن بانعدام تعريف الفلسطينيّ قد حرصت أن تضع موضوع الاستيلاء على بيوت الفلسطينيّين في حيّ الشّيخ جرّاح في إطار قانونيّ.

لا شكّ أنّ العنوان القانونيّ الّذي تستخدمه إسرائيل مختلق ومزيّف، ولكنّ استعماله وتوظيفه يدل على أنّها تعلم مدى سطوة وقوّة وشرعيّة مفهوم القانون في كلّ العالم وأن أزمتها الفعليّة لا ترتبط بتمكن أيّ فصيل فلسطينيّ من الحصول على قدرات عسكريّة صاروخيّة بعيدة المدى تجعله قادرا على إصابة أهداف في تل أبيب وغيرها.

مشكلة إسرائيل تكمن في أنّ العالم بات ينظر إليها كقوة احتلال خارجة على القانون، وتهدّد بذلك ليس أمن منطقة الشرق الأوسط وحسب بل أمن العالم واستقراره، وتشكل حالة فريدة يمكن النظر إليها كفجوة زمنيّة تنتمي إلى العصور الوسطى.

من هنا يتخذ سؤال بيرني ساندرز أهميّته نظرا لأنّه يضع الموضوع الفلسطينيّ في قلب السّؤال عن انتظام العالم المعاصر من جهة، ولأنّه كذلك يضيء على حال الفلسطينيّ في البلاد الّتي تحاول توظيف التّعاطف مع الفلسطينيّين كخطاب يلغي العناوين الحقوقيّة، ويقيم فصلا دراميّا بين الشّأن الفلسطينيّ كخطاب ملتبس غير خاضع لأي تعريف أو ضبط قانوني، وبين حال الفلسطينيّ الّذي لم يصبح مواطنًا ولا لاجئًا، وفي مرات كثيرة لا يتم التعامل معه على أنه إنسان.

في عزّ الحرب على غزة وحين كانت الحماسات اللّبنانيّة في أوجها ركبت في سيارة "سرفيس" صادف أن سائقها فلسطيني، ولم أعرف ذلك سوى لأنه أخبرني بمرارة كتعليق على ما كان يذيعه الراديو من عناوين التضامن مع الفلسطينيّين أن دركيّا لم تعجبه سحنته فطلب منه أوراقه، وحين علم أنه فلسطينيّ قرّر حجز سيارته قبل أن ينقذه دركيّ آخر طلب من زميله غضّ النّظر عنه.

ببساطة يخضع الشّأن الفلسطيني في لبنان لمثل هذا المنطق، فمن غير القانوني بالمطلق عمل الفلسطينيّ في المهن الحرّة، وفي كل مهنة ينتظم عملها في إطار نقابي مضبوط قانونيّا، وتاليا فإنّ وضعه يلخصّه المثال الّذي سقته.

يمكن لأيّ دركيّ أن يحجز سيّارة السّائق الفلسطينيّ ويمكنه كذلك أن يعفو عنه، وكل حياته تجري بين لعبة الشّرطي الطّيّب والشّرطيّ الشّرير ما يعني أنّه مجبر على الخضوع للعبة تحقيق وتعذيب مستمرّة تخرجه من التّوصيف الاجتماعيّ والقانونيّ وتحوّله بشكل لا يقبل الجدل إلى الكائن المهدور.

عمليّا يشير هذا الواقع إلى تحالف متين وعميق بين الأنظمة وبين البنية العميقة الّتي توظّفها إسرائيل لتبرير اقتلاعها للشعب الفلسطيني.

المستوطن يعقوب قالها مباشرة لمنى الكرد صاحبة البيت في حيّ الجرّاح حين قالت له "أنت تسرق بيتي" فأجاب "إذا لم أسرق بيتك أنا سيسرقه أحد آخر".

خطاب يعقوب هو نفس ما يقال كلّ يوم للفلسطيني في كل المنطقة الحبلى بالشّعارات والتّعاطف

ما بات مشرعنا هنا بحكم يدّعي خضوعه للبنية القانونيّة هو الّسرقة، والمستوطن نفسه لم ينكر ذلك، بل تحدث ببساطة عن أنه جزء من آلة سرقة منظّمة هي ببساطة دولة الاستيطان الصهيونيّ الّتي تعمل على إخراج الفلسطيني من دائرة القانون، وتاليًا شرعنة سرقة الحقوق والملكيّات والكيان وصولا إلى سرقة الحياة نفسها.

خطاب يعقوب هو نفس ما يقال كلّ يوم للفلسطيني في كل المنطقة الحبلى بالشّعارات والتّعاطف. يُقال له أنت بلا حقوق، والأنكى أنّ هذا الحرمان يرتبط بشكل مطلق بفلسطينيّته ويتم التّنظير له على أنّه تعبير عن التّعاطف العميق مع حقه في العودة إلى أرضه السّليبة.

فلنحاول الإجابة الفعليّة على سؤال "ماهي حقوق الفلسطينيين" قانونيّا ولنكف عن تحويل القضية الفلسطينيّة إلى محرقة للفلسطينيّين، وليذهب كلّ هذا التّعاطف الكاذب وكلّ تلك الحماسات التي توظّف لإحياء منظومات القمع والتّنكيل بالشّعوب إلى الجحيم.