ما قبل القتال مع داعش.. الربع الأخير من عام 2013

2020.09.01 | 00:16 دمشق

1389208260349200300.png
+A
حجم الخط
-A

مع نهايات عام 2013 كانت الأحياء التي سبق لفصائل الثوار تحريرها من سيطرة نظام الأسد في مدينة حلب مطلع شهر رمضان -الذي صادف شهر يوليو \ تموز- عام 2012، تعيش حالة احتلال من نوع مختلف، فقد تمكن تنظيم داعش الذي أعلن عن تأسيسه في أبريل \ نيسان عام 2013 من بسط نفوذه في المدينة بشكل كبير، بعد أن استحوذ على معظم مقدرات جبهة النصرة فيها، معتمداً على جهازه الأمني بشكل أساسي كرأس حربة في استراتيجيته لإحكام قبضته على القسم المحرر.

اقرأ أيضاً مقالاً سابقاً للكاتب "تكتيكات داعش لحكم حلب - 2013"  

ضمت الأحياء المحررة من المدينة عدداً كبيراً من الناشطين الذين عملوا في المجالات الإعلامية والخدمية والإغاثية والسياسية، والذين كانوا جملةً أهدافاً أمنية للتنظيم، الذي زاد من وتيرة استهدافه للناشطين في الربع الأخير من عام 2013، فلم يكن يتوانى عن اعتقال أي من الناشطين الذين يمرون على حواجزه حال التعرف عليهم، ثم ينكر لاحقاً وجودهم في معتقلاته أو مرورهم بحاجزه، كما بات ينفذ عمليات أمنية خاصة ضد أولئك الذين ينتقدون التنظيم وسياساته في المدينة، وهو ما دفع عدداً كبيراً منهم لمغادرة المدينة -بل وسوريا- باتجاه تركيا أو حتى بلدان اللجوء.

أما أولئك الذين رفضوا المغادرة أو تعذر عليهم ذلك مع إقامة التنظيم حاجزاً له على المدخل الوحيد للمدينة، فقد باتوا يلتجئون غالباً إلى المقرات العسكرية لكتائب الجيش الحر التي تربطهم بأفرادها علاقة سابقة، طلباً للحماية من أمنيّة التنظيم التي تجنبت مهاجمة مقرات عسكرية باستثناء بعض الفصائل التي شنت ضدها حملات اجتثاث، وبقيت الأحياء الواقعة غربي دوار جسر الحج هي الأحياء المحررة الأكثر أمناً بالنسبة للناشطين عموماً، وهي الأحياء المعروفة في حلب المحررة باسم "منطقة التجمع" نسبة لسيطرة "تجمع فاستقم كما أمرت" عليها، حيث احتفظ التجمع بمنطقته خالية من وجود أي مقرات عسكرية لتنظيم داعش، بحيث يصعب على الأخير القيام بعمليات أمنية فيها دون نسبة مخاطرة كان التنظيم يتجنبها غالباً.

اقرأ أيضاً مقالاً سابقاً للكاتب "حرب حلب الباردة بين الثوار وداعش - 2013

لكن التنظيم وعند "اضطراره" -بمعنى رغبته في اعتقال أحد الأشخاص لضرورة يعتبرها- كان يقدم على تنفيذ عمليات في المنطقة هذه متحملاً نسبة المخاطرة، مثل حادثة اعتقال التنظيم للإعلامي "أحمد بريمو" أواسط نوفمبر \ تشرين الثاني عام 2013، والتي تمكن فيها التنظيم من اعتقاله لكن بعد أن فضحت نسبة الخاطفين إلى صفوفه، مع حدوث اشتباك بينهم وبين مجموعة عسكرية تبعتهم أصيب بعض أفرادها من "كتائب أبو عمارة" التي كانت تتبع تجمع فاستقم آنذاك.

فيديو مرفق: بعنوان (لقاء خاص مع أحمد بريمو بعد تحريره من سجون داعش – كانون الثاني 2014)

 

دفعت حوادث الاختطاف المتكررة للناشطين وتزايدها "كتيبة أبو أيوب الأنصاري" التابعة لتجمع فاستقم إلى إصدار بيان أواخر نوفمبر \ تشرين الثاني يدعون فيه الناشطين إلى الالتجاء إلى مقرهم الواقع في حي الأنصاري، "فيكونون فيه أصحاب المقر والمقاتلون هم الضيوف عندهم، يحمونهم مما يحمون به أنفسهم"، في خطوة تحدٍّ علنيّة لتنظيم داعش، جاءت بعد أشهر على خطوات شبيهة لكن أقل مباشرة.

صورة مرفقة1 - جزء من نص بيان كتيبة أبو أيوب الأنصاري لحماية ناشطي حلب - تشرين الثاني 2013.PNG
جزء من نص بيان كتيبة أبو أيوب الأنصاري لحماية ناشطي حلب - تشرين الثاني 2013


 

ففي الوقت الذي كانت مدينة حلب -كحال معظم الشمال السوري- تشهد ذروة تراجع الحالة الثورية الوطنية لحساب المد السلفي الجهادي في النصف الثاني من عام 2013، حتى اختفت أعلام الثورة من شعارات معظم فصائلها، قام لواء حلب الشهباء -أحد تشكيلات تجمع فاستقم الـ 4 آنذاك- بطباعة شعار اللواء المشكل أساساً من علم الثورة، على 1000 كنزة (تي شيرت)، وهو خمسة أضعاف أعداد مقاتلي اللواء حينها، ثم وزعها على المدنيين في الأحياء التي ينتشر فيها، وبات شائعاً آنذاك أن تجد بائع "قهوة الإكسبريس" وصاحب "محل السمانة" وغيرهم من أصحاب المهن يرتدون الكنزات السوداء بشعار اللواء وعلم الثورة يتوسط ظهره، في الوقت الذي كان فيه تنظيم داعش وما سبقه من التنظيمات السلفية الجهادية قد اعتبرت علم الثورة السورية راية كفريّة! بل وسيّر التنظيم دوريات تطمس العلم المرسوم على جدران المدينة بالسواد.

 

صورة مرفقة2 - شعار لواء حلب الشهباء.jpg

 

استشهاد الصالح

كان الربع الأخير من عام 2013 حاسماً في معركة تطهير المدينة والشمال السوري من تنظيم داعش، ففي هذا الربع تشكّلت مواقف الناشطين والمقاتلين وحتى التشكيلات التي بات واضحاً أنها ستكون رأس الحربة في مواجهة التنظيم، وقد كان لواء التوحيد وقائده عبد القادر الصالح المعوَّل عليهم الأكبر في المواجهة المفترضة مع التنظيم بامتلاكهم العدد والعدة والانتشار، خاصة وأنّ من آخر ما نشره "الصالح" على صفحته في موقع فيسبوك قبل استشهاده، تعليقاً حول اختطاف الإعلامي "عبد الوهاب الملا" في مدينة حلب من قبل تنظيم داعش في أكتوبر \ تشرين الأول عام 2013، قال فيه: "ما زال مجاهدو الكلمة الحرة يعانون تارة في سجون النظام وتارة في سجون الظلام ( عبد الوهاب ملا - مؤيد سلوم ...) لن نتوانى عن نصرة هؤلاء المجاهدين ما استطعنا لذلك سبيلا"، مبشراً بتحول اللواء الأكبر في الشمال السوري من الحياد أمام تنظيم داعش إلى خندق المواجهة، بعد أن نقل عنه كثيراً محاولاته تجنب الصدام المباشر مع التنظيم رغم تجاوزاته بحق المدنيين وحتى مقاتلي اللواء في الأشهر السابقة.

إلا أن استشهاد القائد الرمز "عبد القادر الصالح" إثر غارة جوية استهدفت اجتماعاً لقيادة لواء التوحيد في نوفمبر \ تشرين الثاني من العام 2013، أجهض آمال الناشطين وثوار حلب عموماً، فقد فقدت حلب القائد صاحب الكاريزما العالية التي ساهمت إلى حد بعيد في توحد أبناء ريف حلب الشمالي بشكل أساسي مع أعداد كبيرة من أبناء مدينة حلب وأريافها الأخرى ضمن صفوف لواء التوحيد، ليشكل استشهاده ضربة قاسية للّواء الذي تخلخلت صفوفه بشكل كبير سيؤثر على مجريات المعركة.

صورة مرفقة3 - القائد الشهيد عبد القادر الصالح_0.jpg

أواخر العام 2013 كان تنظيم داعش قد بدأ حملات عسكرية ضد عدد من تشكيلات الجيش الحر في حلب وريفها كان أبرزها (لواء عاصفة الشمال) في مدينة إعزاز على الحدود السورية التركية، و(كتائب شهداء بدر) في مدينة حلب، إضافة إلى مجموعات أخرى، مساهماً إلى حد بعيد في تحول البيئات الاجتماعية المرتبطة بهذه التشكيلات إلى عدو ينتظر اللحظة المناسبة للانقضاض على التنظيم، إلى جانب الإعلاميين والناشطين وكتائب الجيش الحر التي كانت معظمها قد ضاقت ذرعاً بالتنظيم وممارساته، وبحالة البرود والتماهي مع توجهات التنظيم لدى التشكيلات الكبرى في الشمال السوري، والتي كان معظمها عاجزاً تماماً عن دخول مواجهة ضد التنظيم، لأسباب كثيرة ترتبط بأساس تشكيلها لبنيتها الهيكلية وعصبية مقاتليها..

لكن تلك قصة أخرى..

كلمات مفتاحية