ما دلالة التصريحات الفرنسية الأخيرة تجاه سوريا؟

2021.03.24 | 05:47 دمشق

mac-1-730x438.jpg
+A
حجم الخط
-A

تبدو حدة التصريحات والتحركات الفرنسية الأخيرة تجاه نظام الأسد هي الأعلى، والأشد لهجة، منذ وصول الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون إلى سدة الحكم عام 2017، الذي حاول في بداية حكمه أن يتمايز عن سلفيه نيكولا ساركوزي وفرانسوا هولاند، وأن يتعاطى السياسة من بابها البراغماتي "والواقعي"، حين صرح "أن الأسد هو عدو للسوريين، وليس للفرنسيين، إنما داعش هي عدوهم" وأتبع هذا التصريح عدة تصريحات على ذات المنوال، منها "رحيل الأسد لم يعد شرطًا مسبقًا لحل الصراع السوري وأنه لا يرى أي بديل للأسد".

في ذلك الحين عام 2017 كانت داعش مازالت تسيطر على مساحات واسعة من سوريا والعراق، وكان التدخل الروسي في سوريا، على أشده، وفوق كل هذا كان الرئيس الجمهوري دونالد ترامب غير المرغوب أوروبياً بسياساته، متربعاً على كرسي البيت الأبيض.

المتابع لوسائل الإعلام المقروءة والمرئية في بلاد الغال يجد أن هناك حملة شبه منظمة ضد الأسد، ليس التحرك الفرنسي في مجلس حقوق الإنسان إلا أحدها

بكل الأحوال، الهدنة الفرنسية- على مستوى التصريحات- لم تدم طويلاً، إذ قرأها نظام الأسد بشكل خاطئ واستخدم القصف الكيماوي في مدينة خان شيخون في نيسان عام 2017، فاضطر ماكرون للعودة عن تصريحاته السابقة، بل والمشاركة في الهجوم الأميركي البريطاني على مواقع للنظام، كعقاب له على استخدامه السلاح الكيماوي ضد المدنيين، أتبع ذلك سحب وسام جوقة الشرف الذي قلده الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك لبشار الأسد عام 2001.

ومع الذكرى السنوية العاشرة لانطلاق الثورة السورية عام 2011 يبدو أن هناك تحركاً فرنسياً جديداً مضاداً لنظام الوريث، فالمتابع لوسائل الإعلام المقروءة والمرئية في بلاد الغال يجد أن هناك حملة شبه منظمة ضد الأسد، ليس التحرك الفرنسي في مجلس حقوق الإنسان إلا أحدها.. تحرك للتصويت على مشروع قرار يحمّل النظام مسؤولية الانتهاكات التي وقعت منذ عام 2011.

والرئيس ماكرون كان في 15 آذار من هذا الشهر قد جدد وقوفه إلى جانب السوريين للاستجابة للاحتياجات الإنسانية، والدفاع عن القانون الدولي، ومحاربة الإفلات من العقاب، وإيجاد حل سياسي، وعلى ذات المنوال غردت وزارة خارجيته التي أكدت أنه لا يمكن تطبيع العلاقات مع نظام الأسد ما لم يكن هناك حل سياسي دائم حسب قرار مجلس الأمن 2254.

تحركات فرنسية باتت تسير متناغمة مع الخط الأميركي الجديد الذي يقوده جو بايدن، بل هناك توافق بين واشنطن وباريس وبرلين ولندن وروما في هذا السياق، ترجمه البيان المشترك الصادر عن وزراء خارجية هذه البلدان، داعين فيه إلى مقاطعة الانتخابات الرئاسية التي يعتزم النظام السوري تنظيمها بدعم روسي في نيسان المقبل.

تحركات تقول إن إعادة تعويم النظام عبر البوابة الفرنسية باتت شبه مستحيلة، ولا سيما أن فرنسا تعتبر أن كلمتها في سوريا يجب أن تكون ذات وزن، فهذا البلد كان ضمن حصتها بعد اتفاقية سايكس بيكو عام 1917، وباريس هي من تولت سابقاً كسر العزلة التي كانت مفروضة على الأسد، فعقب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري عام 2005، أشارت كل أصابع الاتهام إلى النظام السوري وحلفائه بأنهم وراء هذه العملية، فتم تضييق الخناق كثيراً عليه، حتى غدا شبه معزولٍ دولياً، وبقي على هذه الحالة حتى عام 2008، إذ تم حينها تطبيع العلاقات الدولية معه عبر البوابة الفرنسية، عندما دعا الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي بشار الأسد إلى العرض العسكري للعيد الوطني الفرنسي في 14 نيسان في باريس، وعلى إثر ذلك عاد تباعاً عدة سفراء غربيين إلى دمشق، وتم الانفتاح غربيّاً على النظام، بعد تمييع قضية اغتيال الحريري.

اليوم في ظل عجز الروس، بل ويأسهم من إعادة تسويق النظام عبر البوابة السياسية، باتوا يحاولون تعويمه من البوابة الإنسانية، فشبح المجاعة بدأ يطل برأسه المخيف، وروسيا المتعبة اقتصادياً كانت بالأساس تتأمل من تدخلها في سوريا تحسين وضعها الاقتصادي، ولكن "التم المتعوس على خائب الرجاء"، لذلك بدأت تبدي بعض الليونة في موضوع الأسد، خلال تحركها الأخير في دول الخليج العربي الغنية، والتي يمكنها تقديم مساعدات سخية تغير الوضع المأساوي، وما المسار الثلاثي الروسي التركي القطري إلا إحدى هذه المحاولات.

التحركات والتصريحات الفرنسية هي رد على الروس، "إنكم لستم اللاعبين الوحيدين على هذه الساحة، ويجب أن تدفعوا فاتورة تدخلكم".

محاولات باتت تصطدم بموقف غربي بدأ يتصلب وتتبلور معه رؤية غربية موحدة، وكأن التحركات والتصريحات الفرنسية هي رد على الروس، "إنكم لستم اللاعبين الوحيدين على هذه الساحة، ويجب أن تدفعوا فاتورة تدخلكم".

يأتي هذا في ظل بداية تشكل اصطفافات دولية ناتجة عن وباء كورونا ما سيعقبه من آثار: غربي مكون من أميركا ودول أوروبا الغربية بشكل رئيسي، وشرقي من الصين- أكبر المستفيدين من وباء كورونا- وروسيا الساعية لاستعادة نفوذ كان لها في عصر الاتحاد السوفييتي والثنائية القطبية في العالم، والدليل هو التصريحات والتصريحات المضادة بين كل دول الغرب من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى، فضلاً عن العقوبات التي بات حدتها تشتد، ما يعني أن الساحة السورية ستشهد الكثير من الأحداث والتغيرات على وقع الخلاف الغربي- الشرقي، على أمل أن لا يكون المواطن السوري البسيط المنتظر للفرج والذي عضه الجوع والاستبداد، أحد ضحايا هذا الخلاف.