ما جدوى لقاء الجالية السورية في أميركا بوزير الخارجية التركي؟

2023.01.25 | 06:23 دمشق

ما جدوى لقاء الجالية السورية في أميركا بوزير الخارجية التركي؟
+A
حجم الخط
-A

على هامش زيارته لواشنطن في السابع عشر من الشهر الجاري، التقى السيد مولود جاويش أوغلو وزير الخارجية التركي بوفد من الجالية السورية في الولايات المتحدة الأميركية، وتمحور اللقاء حول المآلات الراهنة للقضية السورية في ضوء الخطوة التركية نحو التطبيع مع نظام الأسد. وتفيد أغلب المصادر أن هذا اللقاء كان ثمرة لجهود عدد من الناشطين السوريين الذين توزعت انتماءاتهم التنظيمية ما بين التحالف الأميركي لأجل سوريا والمجلس السوري الأميركي ومنظمات أخرى، فضلاً عن بعض الجهود الذاتية لبعض الأفراد.

ولعل ما يجمع أصحاب هذا المسعى هو هدف رئيسي يتمحور حول التعرّف المباشر وعن قرب على طبيعة السياسة التركية حيال القضية السورية، وفحوى الانعطافة التركية الأخيرة تجاه نظام الأسد على وجه التحديد، وذلك في مسعى واضح لإيصال الموقف الحقيقي للسوريين من هذه الانعطافة أولاً، وللتأكيد بأن ما تقوم به أنقرة لن يعود بالنفع الكبير على تركيا ثانياً، فضلاً عن كونه مسعًى مجافياً للمصلحة الوطنية السورية، بل مُعزّز لمأساة الشعب السوري المستمرة منذ اثنتي عشرة سنة.

(قانون قيصر) الذي أقّرته الإدارة الأميركية منذ حزيران 2020، إنما كان في جزء كبير منه، ثمرة لجهود ناشطين سوريين أميركيين

ما ينبغي تأكيده هو أن هذا الحراك السياسي للجالية السورية – بمختلف انتماءاتها وأطرها التنظيمية - في الولايات المتحدة الأميركية، إنما يأتي استمراراً لحراك سياسي بدأ منذ سنوات بهدف مناصرة القضية السورية والتأثير على مراكز القرار الأميركية وإيصال الصورة الحقيقية لمعاناة السوريين من جرّاء ما يواجهونه من ممارسات نظام الإبادة الأسدي وحلفائه الروس والإيرانيين على الجغرافية السورية.

وقد أثمر هذا الحراك السوري عن نتائج هي غاية في الأهمية، وخاصة فيما يتعلق بالجوانب الإنسانية لمعاناة السوريين، وتسليط الضوء على حقيقة السلوك الأسدي غير الإنساني في سوريا، ويمكن التأكيد على أن (قانون قيصر) الذي أقّرته الإدارة الأميركية منذ حزيران 2020، إنما كان في جزء كبير منه، ثمرة لجهود ناشطين سوريين أميركيين، وغني عن التعريف أن آثار هذا القانون باتت الحبل الذي يزداد ضيقاً على رقبة نظام الأسد وحلفائه – اقتصاديا وسياسياً - يوماً بعد يوم.

ولكن هذا المسعى الوطني والحميد للجالية السورية في أميركا هل من الممكن أن يتحقق ما يماثله في مواجهة السياسة التركية الراهنة حيال القضية السورية؟ وما هي قنوات الفعل المتاحة لهؤلاء الناشطين للتأثير على السياسة التركية؟ وبالتالي ما هي النتائج المتوخّاة من لقاء الجالية السورية مع الوزير التركي؟

لعل البحث عن مقاربة موضوعية لهذه الأسئلة توجب الوقوف عند مسألتين اثنتين:

أولاً – تنبغي الإشارة إلى أن مسعى الناشطين السوريين في أميركا باتجاه دعم القضية السورية من خلال التأثير على مفاصل القرار الأميركي إنما كان مسعًى يحظى بتوافق جميع أطراف المعارضة السورية، صحيح أن أصحاب هذا المسعى هم من خارج الأطر الرسمية للمعارضة، ولكن جهدهم كان موضع ترحيب من كل السوريين المناهضين لنظام الأسد وليس المعارضة السياسية فحسب، فضلاً عما لاقاه هذا المسعى من ترحيب ودعم من بعض الأطراف الدولية المنحازة للتوجه الأميركي حيال الأسد، كدول الاتحاد الأوروبي.

أي محاولة لإقناع الجانب التركي بالعدول عن مسعاه في التقارب والتفاوض مع نظام الأسد، ينبغي أن تكون مدعومة بعدد من أوراق القوة التي يحوزها الطرف الآخر

أمّا فيما يخص السياسة التركية فإن هذا الإجماع يبدو منقوصاً، بل إن حالة الشرخ الكبير في مشهد المعارضة السورية تجعل مبادرة الناشطين السوريين في أميركا تسير باتجاه معاكس لما تسعى إليه جهات أخرى من المعارضة السورية، بل ربما يبدو الأمر أكثر صعوبة حين تكون بعض هياكل المعارضة الرسمية قد تماهت في قرارها مع القرار السياسي التركي، ولم تعد قادرة على إيجاد مساحات أخرى لأي توجه مخالف أو مستقل، وبالتالي فإنها لن تجد غير الالتزام بما تنتهي إليه السياسات التركية مهما كانت النتائج. ولعل هذا الانقسام في المشهد السوري ما بين موقف الكيانات الرسمية للمعارضة، والموقف الشعبي العام إنما يضع حدّاً للنتائج المتوخاة من هكذا لقاء.

ثانياً – إن أي محاولة لإقناع الجانب التركي بالعدول عن مسعاه في التقارب والتفاوض مع نظام الأسد، ينبغي أن تكون مدعومة بعدد من أوراق القوة التي يحوزها الطرف الآخر، فإذا كانت أنقرة – حيال تقرّبها من الأسد - تدّعي البحث عن مصالحها السياسية والاقتصادية – على المستوى الداخلي والخارجي معا – فمن المفترض أن تكون لدى الأطراف المعترضة مشاريع أو وجهات نظر مقنعة بديلة، فضلاً عن كونها مؤثرة، وهذا ما لا تتوفر أي ملامح لوجوده لدى من التقى الوزير التركي، الذي غالباً ما يكون الحديث بالعموميات هو المخرج المناسب له للابتعاد عن أي حرج، ككلامه المتكرر عن الالتزام بالحل السياسي وفقاً للقرار 2254 كما يتردد على لسان جميع الأطراف، بما فيهم حلفاء الأسد، وعدم تخلي تركيا عن المعارضة السورية.

وما لا يمكن تجاهله، أن آليات صنع القرار في الولايات المتحدة تختلف عما هي عليه في تركيا، فما من شك أن الوزير التركي قصد واشنطن وهو يحمل مهام وتوصيات محددة من الرئاسة التركية، وتكمن مهمته في التباحث مع الخارجية الأميركية حول ما يحمله من مهام فحسب، وفي هذه الحال يمكنه أن يسمع الكثير من الناشطين السوريين، ولكن لا يمكنه أن يقرر أو يتأثر بما يسمعه، فضلاً عن أن نتوقع تأثيراً للجالية السورية في التوجهات التركية، لكن رغم ذلك يبقى اللقاء مهماً بحد ذاته من جانب السوريين الذين أبلغوا رسالة شعبهم ولا شك للوزير التركي، من باب إبراء الذمة على الأقل.