مؤثرو الفيسبوك ويوميات السوريين في هولندا

2022.05.14 | 06:56 دمشق

f6d686778e9aff12813e7ddb.jpg
+A
حجم الخط
-A

 مجموعات مغلقة للنساء وصفحات فردية للرجال

بقي في ميدان الفيسبوك السوري المؤثر في هولندا اليوم، بعد نحو عقد من الزمان على وصول الموجات الأولى للاجئين السوريين مجموعتان نسائيتان هما: ياسمينات هولندا وأوروبا (نحو 35 ألفاً)، ونساء مغتربات في هولندا وأوروبا (نحو 15 ألفاً)، وصفحتان للرجال هما صفحتا سومر شعبان86  ألف متابع (Somar Chaban – Somarsound ( وعامر العمري Amer Alomari 35 ألف متابع.

تحاول تلك الصفحات والمجموعات أن تكون صلة وصل بين المجتمع السوري في هولندا من جهة، والدولة والمجتمع والقوانين وممكنات الحياة في هولندا، وفي الوقت الذي تركز فيه مجموعات النساء على مشاركة التجارب والتفاعل ساعاتياً، يحاول "عامر العمري" من خلال صفحته تقديم تجاربه ونصائحه ومعلوماته من اليوميات إلى السياسة، بصفته قادماً جديداً بشكل يومي، أما صفحة "سومر شعبان" فتنشغل بالقضايا القانونية والإدارية، ذات الأثر الكبير على اللاجئين، والأخبار الإعلامية، حيث يقدم خلاصة تجاربه أو نصائحه أو تحذيراته في هولندا، التي يقيم فيها منذ أكثر من 30 عاماً. وقد عنون صفحته بالقول: "سوري الأصل والعقل والقلب، كلمة ولحن عن الوطن وعن ابنه".

السؤال الرئيس هاهنا: لماذا صفحات فردية فيسبوكية للرجال؟ ومجموعات فيسبوكية للنساء؟

هل لأن الرجل يميل إلى أن يتميز فردياً؟ وصفحته الفيسبوكية سمة خاصة به، وجزء من عنوانه، ومصدر تعريف به، وتواصل معه؟ علماً أن مسؤولية الفرد في الصفحة الفردية أكبر منها في الصفحة التي تديرها مجموعة. وقد يكون طموح الرجل من صفحة على الفيسبوك كبيراً، أو قد يراها خطوة من خطوات حياته، ويستشهد متابعون بزيادة أثر المؤثرين في الحياة العامة، بل دخول أحدهم الانتخابات النيابية والبلدية، وهو عمل وطموح مشروع. في حين يحاول آخرون دخول عالم الإعلان، من أجل البحث عن دخل إضافي، عبر صفحة تأخذ الكثير من الوقت والجهد.

جعلَ الاختلاف الثقافي والمعلوماتي، وعادات التسوق والطعام واللباس، وصعوبة التواصل مع الهولنديين لغوياً وثقافياً، المجموعات النسائية أقرب إلى عالم بديل جديد عن "جلسات الصبحية" في سوريا

الكثير من النساء في مجموعات الفيسبوك تلوذ للانتماء إلى مجموعة من النوع الجندري المشابه، ويشرن إلى أن السبب يعود إلى نوع من الشعور بالأمان مع الشبيه، ومراعاة حيز الخصوصية، وعدم الرغبة بالتواصل مع مجتمع الفيسبوك كفرد وحيد في ساحة مفتوحة للتعليقات والتفاعل، وكذلك الخجل الذي قد يرافق أسئلة المرأة وحاجتها إلى منتجات محددة، واحتمالات ما يرافق ذلك من "تنمر فيسبوكي" إن كانت عضوة في مجموعة فيها رجال. إضافة إلى حرصها على المحافظة على أسرتها، وعدم تهديد أمانها الذي قد ينجم عن مرتادي الجدار الأزرق. ومع أن النساء يدركن أنهن يعشن في بلد قانون، ويحملن جنسيته، إلا أنهن يتحاشين الاصطدام مع سلطات المجتمع الشرقي ومفاهيمه للمرأة.

لا تريد الكثير من النساء من المشاركة في مجموعة فيسبوكية سوى التسلية، أو مشاركة التجربة والتفاعل والمعلومة، وفي الوقت نفسه هناك نساء كثيرات اتخذن من بيع الأدوات النسائية واللباس محطة عمل لهن عبر منشورات المجموعة.

جعلَ الاختلاف الثقافي والمعلوماتي، وعادات التسوق والطعام واللباس، وصعوبة التواصل مع الهولنديين لغوياً وثقافياً، المجموعات النسائية أقرب إلى عالم بديل جديد عن "جلسات الصبحية" في سوريا، إذ يمكن التواصل من خلال تلك المجموعات باللغة الأم بسهولة والحصول على إجابة صاحب التجربة مباشرة، في ظل الانتماء لثقافة شفوية تركز على التجربة أكثر من المعلومة المثبتة على المنتج، استجابة لمثل شهير: التجربة خير برهان، فيما الثقافة الهولندية تعتمد على الكتابة ومسؤولية الاختيار والمراجعة.

على سبيل التفصيل سنتحدث عن مجموعة ياسمينات هولندا وأوروبا، مجموعة نسائية (دخلها الكثير من الرجال بأسماء مستعارة لأغراض تجارية واجتماعية وفضولية وتلصصية)، بدأ نشاطها عام 2017 وفيها نحو 35 ألف عضو/ة، وكانت في البداية تقتصر على السوريات، غير أنه توسع نشاطها على مستوى الإدارة والمنشورات والأعضاء لتشمل جاليات عربية، وتقدم هذه المجموعة يومياً تجارب وإشارات إلى فرص العمل، والمطاعم والعيادات الطبية والأنشطة التجارية والأدوية والتنزيلات، معتمدة أسلوب مشاركة التجارب والتفاعل، وهو أهم ما يميز روح السوشال ميديا.

لا تهتم الصبايا (كما يحببن أن يُسَمَّيْنَ) بجوانب التنظير، أو الفكر والرؤيا القابعة خلفها، بل تشغلهن فكرة المساعدة والإفادة والاستفادة، كما يبدو، قد تكون مسوغة في سياق منشورات الفيسبوك، وتستشهد إدارة الصفحة بفكرة أنها كانت سبباً في حصول كثيرات على مساعدة، أو فرصة عمل، أو "داتا" للعيادات والمطاعم والصالونات والخدمات العربية في هولندا. ولعله من الطبيعي في سياق تقديم منشورات لأصحاب المهن أن يترافق ذلك مع خصم خاص لإدارة المجموعة، أو هدية أو سوى ذلك.. وهو يشبه على المستوى الواقعي أن من نعرفه أو من شبكة علاقاتنا من أصحاب المهن يمكن أن يهتم بنا أكثر أو يقدم لنا عرضاً خاصاً كما تشير متابعات.

وتنفي إحدى القائمات على المجموعة فكرة الخديعة أو الغش المسبق للمتابعات للمجموعة، لأنَّ هدفهن الرئيس التركيز على فكرة مشاركة التجربة والمعرفة وذكر العناوين، وهن يدركن أنه في بلد الحرية والمسؤولية كل شخص مسؤول عن خياراته في نهاية الأمر.

ثمة منشورات كثيرة فيها ملامح عنصرية، وتعبِّر عن مفاهيم قارة في المجتمع السوري، تجاه النساء السمراوات مثلاً، حين تطلب سيدة عروساً لابنها "أريد عروسة "رز وبازليا فقط، رجاءً "مجدرة وكُشري" ما بدنا، والمقصود هنا صبية شقراء بعيون ملونة وليست ذات بشرة سمراء وعيون سوداء أو بنية، وهاهنا وفقاً لإحدى المشرفات، فإن هذا المنشور يعبر عن كاتبته.

وثمة شكاوى مثبتة لدى الشرطة الهولندية حول منشورات عن تزويج قاصرات، أو التشجيع على الطلاق، ويبدو أن الشرطة الهولندية قد كلفت أكثر من عاملة لمراقبة المنشورات في هذه المجموعة نتيجة تنوعها، ووجود شكاوى؛ منها ما هو على حق، ومنها ما هو في إطار كيدي ربما.

إدارة المجموعة ترى أنها ليست مسؤولة عن تلك المنشورات، ودور المجموعة الرئيس هو الوقوف إلى جانب من ترغب بالمساعدة القانونية أو الاجتماعية. وأنها في الوقت نفسه تعبر عن المجتمع السوري والعربي عامة في أوروبا في كل تناقضاته وألوانه، أما اتهامات تسهيل تحويل الأموال إلى مناطق النظام فترد إحدى المسؤولات عن المجموعة أنها سبق أن ساعدت الغوطة والمحتاجين، وفي الوقت نفسه تتحاشى المجموعة أيَّ بعد سياسي في منشوراتها.

ومن المنشورات نذكر: سيدة ضربها زوجها وطردها خارج البيت وحين نشرت ذلك وجدت من يساعدها. أو سيدة أخرى تبحث عن طبيب يتحدث العربية لسهولة التواصل. أو سيدة في مرحلة الولادة ولا أحد يساعدها وتبحث عن مترجمة متطوعة. ومن الواضح أن أحد أهداف المجموعة الإفادة والاستفادة برضا الأطراف، مع الحس الفكاهي، والتسلية.

وقد أصبح عدد من الباحثين يلجؤون للمجموعة، من أجل ملء استمارات بحثية مثلاً، وكذلك ثمة صحفيون يتواصلون معها لإعداد تقارير صحفية عن اللاجئين.

ومن أبرز الصفحات التي يديرها فرد في هولندا، وتهتم بالشأن العام فهي صفحة سومر شعبان وهو موسيقي سوري، والده الفنان مصطفى أرناؤوط ووالدته الفنانة ابتسام جبري، وسبق أن درس الموسيقا في معهد الموسيقا بدمشق، ويعمل في مجال التدريب ومساعدة القادمين الجدد، وهو عضو في حزب ال دي 66 وقد ترشح للانتخابات البرلمانية والبلدية.

يعدُّ الرجل وفقاً لمتابعيه من الأمثلة الإيجابية على فاعلية الجالية السورية في هولندا، وهناك عديدون يرون أن شعبان منزعج من نجاح مشاريعهم كقادمين جدد، غير أنه يرد بالقول بالعكس أنا أشجع التجارب الناجحة وأضيء عليها

ويشتهر الرجل، عبر بثه المباشر من خلال صفحته، بعلو صوته ومحاولته المستميتة لفضح حالات الفساد، ابتداء بمدارس اللغة وصولاً إلى عيادات الليزر وأطباء الأسنان، خاصة التي افتتحها سوريون، مركزاً على أثر ذلك في سمعة الجالية السورية بالمفهوم الاستراتيجي. وقد فتح إبان ذلك عدداً من الجبهات لمحاربة حالات الخطأ ومخالفة القانون التي يقوم بها عدد من اللاجئين سواء أكانوا مستفيدين بصفتهم رجال أعمال، أو متواطئين بالاستفادة كزبائن، ويعتقد سومر شعبان أن هذا جزء أصيل من دوره وواجبه كسوريّ وكمواطن هولندي.

وفي الوقت نفسه يشارك تجاربه في السفر والأخبار والمعلومات لمتابعيه، ومما يميّز صفحته أنه لا يعتمد على الضيوف في المعلومة غالباً، بل يقوم هو نفسه بالبحث عنها، وتقديمها لمتابعيه، مستفيداً من خبرته بالثقافة الهولندية، وتمكنه من اللغة كذلك، ويعدُّ الرجل وفقاً لمتابعيه من الأمثلة الإيجابية على فاعلية الجالية السورية في هولندا، وهناك عديدون يرون أن شعبان منزعج من نجاح مشاريعهم كقادمين جدد، غير أنه يرد بالقول بالعكس أنا أشجع التجارب الناجحة وأضيء عليها.

الفيسبوك السوري في هولندا تعبيرٌ، بصورة أو بأخرى، عن أنماط الشخصية السورية وتحولاتها ومراماتها، وما أصابها في العقد الأخير من تغيرات بنيوية في تيه اللجوء الطويل.