مأساة الترحيل وإشكالية المحرر

2021.11.06 | 05:21 دمشق

1a27cedd-4cf8-4db3-9b86-0c6becd5fd2d-scaled.jpg
+A
حجم الخط
-A

تعرض السوريون في العقد الأخير لعقبات شتى، من قتل وتشريد وإفقار واعتقال وإخفاء قسري.. كل هذا وأكثر وقع عليهم في وطنهم وعلى يد نظام يحكمهم، ربما كان عقاب التهجير/ الترحيل هو الأبلغ أثرا إذ إنه تم على الصورة التي عايشناها وفي القرن الواحد والعشرين، ليبدو أحد تجليات الفصل العنصري (الأبارتايد)، بل ويمكن اعتبار عقاب التهجير الجماعي (الناجم عن سياسة ممنهجة في القتل والتدمير وسرقة الممتلكات ولاحقا بقوانين تمنع العودة أو تصعّبها)، نوعا من الإبادة الجماعية (Genocide)، وعلى أقل تقدير فإن هذا التدمير المتعمد لكيانات اجتماعية في مدن ومناطق بعينها يتم على أساس سياسي فهو نوع من الإبادة (Policide). سنّة نظام الأسد هذه جديدة في منطقتنا، سنها بدعم ورعاية روسية وشاركته بها وساهمت بنجاحها أطراف أخرى.

فلنتفق أن السوري في العقد الماضي تعرض للترحيل والتهجير كنوع من الإبادة في وطنه! وكانت إدلب أولا وتاليا بعض مناطق في ريف حلب المنافي الإجبارية لكثير من السوريين وهذه حقيقة نذكرها ونذكر بها لنصل بأن السوري اليوم المعرض والمهدد بالترحيل والطرد في بلد غير بلده، كان قد جرب ذلك في وطنه، وبالتالي فإن مأساته مضاعفة.

هل يمكن لأي دولة في العالم أن تقضي بتهجير مواطنيها أو ترحيلهم؟

في سوريا الأسد الجواب، نعم يمكن وحصل!

في الدانمارك مثلا، المستهدفون لاجئون سوريون هاربون من النظام، ذنبهم أن أوراقهم الرسمية تدل على أنهم دمشقيون

هل يمكن لدولة أن ترحل أو تطرد شخصا يعيش على أراضيها فقط دون أن يكون مواطنا الجواب أيضا نعم!

وفي البحث عن التقاطع سنجد أن المهجر أو المرحل في الحالتين هو نحن "السوريون". في  الأولى سلمنا أن من فعل هو نظام الأسد "المجرم" كفعل إبادة سياسية. أما في الثانية فنحن أمام حالات تجري الآن، في الدانمارك مثلا، المستهدفون لاجئون سوريون هاربون من النظام، ذنبهم أن أوراقهم الرسمية تدل على أنهم دمشقيون، ودمشق التي تراها الحكومة الدانماركية، آمنة للعيش! فليعودوا إليها أو فليختاروا منفى آخر كراوندا أو مصر حسب المعلن.

كذلك، نعايش حالة متزايدة في تركيا من العقاب بالترحيل أو التلويح به (نحو 3.6 ملايين لاجئ سوري مسجل في تركيا وفقا لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين)، تركيا التي أصبح السوري الذي يعيش على أراضيها مهددا بالترحيل قسرا إلى المنفى ذاته الذي نشأ بسبب سياسة نظام الأسد، نقصد إدلب وبعض أرياف حلب، وللتأصيل هل يحق لنا أن نسمي هذا ترحيلا كون الأرض تركية والمرحّل سورياً والوجهة سوريا؟

بلا شك نعم، لأن السوري هذا لم يقرر طوعا أن ينتقل من بلده إلى تركيا أو أي بلد آخر لولا ما مارسه ويمارسه النظام وروسيا، بالتالي إعادته والوضع ما زال على حاله وليس عودته، كنوع من العقاب تعيد إلى الأذهان مأساة التهجير وتضع كل سوري في خانة المواجهة مع هذا المصير فيما لو أخطأ مثلا أو لو لم يخطئ، وكان ضحية، حتى وإن كانت الوجهة لا تخضع لنظام الأسد لكنها تحت رحمة براميله وحصاره.

هنا سنستشهد بما تعزم السلطات التركية القيام به بحق شباب نشروا مقاطع فيديو على حساباتهم الشخصية في وسائل التواصل الاجتماعي، رأت فيها جرما يستحق العقاب وليس أسهل من الطرد "الترحيل" باعتباره أصبح للأسف أحد أقدار السوري. دون محاكمات أو مسائلات أو.. أو.. بل دون الاستناد إلى القوانين المحلية، إذ وقعت 16 منظمة حقوقية تركية على بيان في الشأن ذاته، أشارت فيه إلى عدم شرعية الترحيل، وجاء في البيان "من يمكن ترحيله منصوص عليه في المادة 54 من قانون الأجانب والحماية الدولية رقم 6458.. وما فعله المقرر ترحيلهم لا ينطوي على العنف، ولا يشجع عليه، لذلك لا يمكن تحديده سبباً للترحيل وفق أي فقرة من المادة 54 من قانون الأجانب والحماية الدولية".

ما السبب إذاً، ببساطة هو الاستسهال بحياة وكرامة السوري، وبالأصل فقد هدرهما معا نظام الأسد وكان سباقا.

أما إشكالية المنفى وهو بعض الأرض من سوريا، لا تخضع لسيطرة نظام الأسد، بل لسيطرة قوى الأمر الواقع، جرى وصفها بأنها أرض الويل، وغير قابلة للعيش، وهذا ما أثار حفيظة كثيرين ممن رأوا أن رد مظلومية الترحيل ودفع الحجج لمواجهتها، لا ينبغي أن يكون من باب وصم "المحرر" بأنه جحيم لا يطاق، وأن الترحيل إليه كأنه حكم بالسجن وربما الإعدام.. في هذه يمكن أيضا أن نؤصل أن ليس كل ما يقال عن تلك المناطق حقيقي ففيها يعيش ملايين البشر في ظروف شديدة البؤس لكنها ليست الجحيم المطلق، ويمكن أيضا أن نعذر من يستخدم هذا المدخل لقلة حيلته في مواجهة قرار ترحيله الذي تتبناه السلطات التركية وتقننه من خلال الضغط على المرحّل ليقرّ به كأنه طلبه، وبالتالي تنعدم السبل القانونية لمواجهته وخاصة أن هذا النوع من القرارات إن صدر وأقرّ فمعظم الظن أن السلطات لا تريد أصلا أن تدخله في سياق قانوني، فيكون الدفع من قبل المرحل.. إنكم تعدمونني!

الترحيل يجب أن لا يكون عقاب السوري وهاجسه المرعب لا إلى المحرر ولا إلى مناطق الأسد

إشكالية "المحرر"، ليست جديدة فقد عمد نظام الأسد وتواطأ معه الجميع بالدعم أو الصمت، وهذا ما يجب أن لا نغفله، عمد إلى إبقاء تلك الأرض تحت رحمة حصاره وضرباته وقصفه وبراميله ومعه روسيا التي لا تتوانى عن استخدام المنطقة كصندوق بريد على حساب حيوات الناس وأرزاقهم وأحلامهم، ولا ننسى أبدا الدور الغائب والمغيب أو السلبي أحيانا لكل من تعاقب على هيئات المعارضة.

فـ"المحرر" ليس محررا، هو منفى ولا يشتهي أحد شد الرحال إليه وفيه من القهر ما يهد جبال. والترحيل يجب أن لا يكون عقاب السوري وهاجسه المرعب لا إلى المحرر ولا إلى مناطق الأسد، والأهم أن نبقى أوفياء لتحميل نظام الأسد كل ما جرى ويجري وسيجري بحق السوريين.