لنعيد السوريين من تركيا إلى سوريا

2022.02.28 | 05:51 دمشق

34aab91a-d4c3-45b5-b32e-4b9e0b7264a6-780x470-1.jpeg
+A
حجم الخط
-A

تدخل الثورة السورية عامها الحادي عشر بعد فترة قريبة، ولعل أهم آثارها الإنسانية تهجير السوريين داخليا وخارجيا، حيث يبلغ عدد السوريين المهجرين في تركيا أكثر من ثلاثة ملايين، تتفاوت نظرة المجتمع التركي لهم، لكن غالبا ما كان وجودهم سببا للتجاذب بين التيارات السياسية التركية المختلفة، ما انعكس على المجتمع التركي، والسوري على السواء.

تفاوتت نظرة المجتمع التركي للسوريين في تركيا من تعاطف استمر من بداية الثورة حتى عام 2015 تقريبا، ليتحول بعد بزوغ نجم تنظيمات داعش وpkk الإرهابية في سوريا، وما لحقه من تهديدات خارجية وداخلية خطيرة لتركيا إلى الارتياب، ولاحقا مع توتر علاقة تركيا مع الدول الأخرى، وانعكاس ذلك بتراجع الاقتصاد التركي، تزايدت الأصوات التركية التي تحمّل اللاجئين السوريين السبب، وترافق ذلك بحملات تضليل وتضخيم إعلامي من قبل تيارات سياسية تركية بعينها بغية تصفية حسابها مع تيارات أخرى مناوئة لها، وتحولت قضية اللاجئين السوريين لمزايدات، ودعايات، غايتها كسب أصوات الناخبين الأتراك، الناقمين على تدهور وضعهم الاقتصادي.

مع ذلك لم تعدم الساحة السياسية التركية من أصوات عقلانية توضح الحقيقة، وتكشف زيف التضليل، مبينة دور السوريين في الاقتصاد التركي، وقيمتهم الإيجابية المضافة في المجتمع، ومظلوميتهم الإنسانية المهولة التي تعرضوا لها، وما يجب لدولة عريقة مثل تركيا، تبحث عن مكانة ضائعة بين الكبار أن تفعله تجاههم، بما يتناسب مع حضارتها وتاريخها.

الداخل السوري لم يصل بعد لمرحلة من الاستقرار، والتنمية، ولو بالحد الأدنى الذي يجعله خيارا جيدا لعودة السوريين واستقرارهم

وقد يفسر ما سبق حرص الدولة التركية على تجنيس الشرائح المميزة من السوريين للاستفادة من مواهبهم وخبراتهم، لكن لاتزال مشكلة مئات آلاف السوريين الموجودين في تركيا قائمة، خاصة أن وجودهم يخلق جوا من التوتر بين التيارات التركية المختلفة، ورغم تحرير مساحات لا بأس بها من سوريا إلا أنهم مازالوا موجودين في تركيا، ما يدفعنا للتساؤل لماذا هم باقون حتى الآن؟!

الحقيقة التي يجب أن نعترف بها ليكون اعترافنا بداية لتحقيق مصلحة كبيرة مشتركة بين الثورة السورية وتركيا (أقصد إعادة السوريين من تركيا لسوريا) هي أن الداخل السوري لم يصل بعد لمرحلة من الاستقرار، والتنمية، ولو بالحد الأدنى الذي يجعله خيارا جيدا لعودة السوريين واستقرارهم.

من يدرس وضع الشمال السوري بتجرد دون تحيزات مسبقة، أو تصورات ذهنية مثالية، سيجده مفتقرا لكثير من مقومات الحياة الأساسية التي ينشدها السوريون، فلا الوضع الأمني يساعد على العودة (تفجيرات/ اغتيالات/ عمليات خطف وسرقة/ قصف من النظام وروسيا وقسد.. إلخ)، ولا الوضع الاقتصادي يشجع عليها (انعدام موارد/ إغلاق طرق ومعابر/ عدم وجود بيئة مشجعة للاستثمار/ بطالة.. إلخ) فضلا عن ضعف البنية التحتية (مياه / كهرباء / طرق / مشافٍ.. إلخ) مع حالة عامة من عدم الرضا على أداء المؤسسات المُنشَأَة تركيا والتي ينظر لها نسبة كبيرة من السوريين أنها للاحتواء والتعطيل والتأطير، أكثر من كونها للحوكمة، والتنمية، والتطوير.

من الأسباب التي قد تكون مهمة في عدم تطوير المنطقة، وعودة السوريين لها، هو ما ينتشر في مواقع التواصل من أن توصيف منطقة الشمال السوري المحرر عند تركيا هو مناطق عمليات عسكرية، وبالتالي هناك تناسٍ وإغفال لملايين السوريين المدنيين الذين هُجّروا إليها بفعل إرهاب النظام وحلفائه من تنظيمات إرهابية، هذا التوصيف أسهم أيضا بسلخ هوية المنطقة تاريخيا وجغرافيا، عبر الاستعاضة عن أسمائها بأسماء عمليات عسكرية جرت وانتهت (درع الفرات/ غصن الزيتون/ نبع السلام).

تفعيل الحكومة السورية المؤقتة، بوزاراتها، ودوائرها، ومجالسها المحلية، فعلى الأقل حاجز اللغة غير موجود، والنظام الإداري أقرب لعقلية السوريين ونمط حياتهم

يضاف لذلك تشتيت تبعية المناطق إداريا بين الولايات التركية المختلفة، ما يفرض حالة من الشرذمة والتقسيم بين مناطق مترابطة مجتمعيا، وجغرافيا، واقتصاديا، واعتاد سكانها على مركزية الإدارة لها لعشرات السنين، وإن كان ولابد من تتبيعها لولاية تركية، فحبذا أن تعامل المناطق كمنطقة واحدة، وتتبع جميعها لمرجع تركي واحد، والأفضل من ذلك للسوريين والأتراك على السواء هو تفعيل الحكومة السورية المؤقتة، بوزاراتها، ودوائرها، ومجالسها المحلية، فعلى الأقل حاجز اللغة غير موجود، والنظام الإداري أقرب لعقلية السوريين ونمط حياتهم.

علينا أيضا ألا ننسى باقي المعضلات التي تخلق مجتمعة بيئة طاردة للسوريين، تجعل اللجوء لتركيا خيارا أفضل لهم، ومن هذه المعضلات ضعف الرواتب التي تدفع لمنتسبي المؤسسات المحلية المشكلة والمرعية من تركيا، كالجيش الوطني، والمجالس المحلية، وما يتفرع عنها.

وجود السوريين في تركيا مشكلة للأتراك والسوريين على السواء، إن أردنا حلها علينا التعاضد معا لذلك، وعدم الاكتفاء بالتقارير الرسمية التي قد تكون ضحية تصورات ذهنية مسبقة، أو تحيزات سياسية تفقدها الموضوعية والدقة، ولا بد من انفتاح الفاعلين في الجانب التركي من شخصيات وهيئات ومؤسسات على شرائح أوسع من السوريين القاطنين في الشمال السوري، خاصة البعيدين عن جو رتابة المؤسسات، وخطابها المُقَيّد، فهناك صوت آخر قد يكون لا يناسب مزاجنا، لكن الاستماع له يساعدنا في تكوين صورة أشمل وأقرب للواقع.