لنجعل رمضان شهر الخير حقا

2021.04.20 | 06:47 دمشق

783f0db2-1d5b-439e-970f-c9f9b9cf9568.jpg
+A
حجم الخط
-A

على مر الزمان، ارتبط شهر رمضان بالخير والبركة، وكان دائما مناسبة ليتحسس الميسورون أحوال الفقراء، ويردوا عليهم بعض حقهم في أموالهم التي هي نعمة من الله، لا ينبغي لأحد احتكارها، ما دام في البلاد جائع أو محروم.

ويمر رمضان هذا العام على أهلنا في سوريا وهم في أسوأ حال، حيث يتكالب عليهم قمع النظام، وفقر الحال، مع وباء كورونا، لدرجة دفعت البعض إلى القول من باب التندر أن السوريين لا يحتاجون شهر رمضان للامتناع عن الطعام، فمعظمهم صائم أصلا، ليس من باب العبادة، بل لقلة في الطعام، وضعف، وربما انعدام القدرة على شراء الاحتياجات الغذائية الأساسية.

بات أكثر من 90 بالمئة من الشعب تحت خط الفقر، ونحو نصف السكان على حافة الجوع، وفق تصنيفات المنظمات الدولية

وبعد 10 سنوات من الحرب، وما تخللها من قتل وتهديم وتهجير، تغير كل شيء في البلاد، ما عدا النظام الحاكم الذي بات منتهكا من جوانب كثيرة، لكنه ممسك فقط بقدرته على إذلال شعبه، تخويفا وتجويعا، مستقيلا من وظائفه الأخرى على غرار كل حكومة في العالم التي تسعى إلى توفير حد أدنى من مقومات الحياة لشعبها.

وحيث بات أكثر من 90 بالمئة من الشعب تحت خط الفقر، ونحو نصف السكان على حافة الجوع، وفق تصنيفات المنظمات الدولية، فإن مسؤولي النظام يتوارون عن الأنظار، وليس عندهم ما يقولونه للناس سوى مزيد من الوعود الكاذبة، والخطط الخلبية التي لا نصيب لها على أرض الواقع، في ضوء تعنت رأس النظام، ورفضه الحلول السياسية المنطقية التي أوضح له العالم أجمع أنها السبيل الوحيد لانتشال سوريا مما هي فيه اليوم، ووضعها على سكة إعادة الأعمار.

وبعد أن امتص كبار أركان النظام على مدار العقود الماضية خيرات البلاد، وراكموها في البنوك الأجنبية، لا تجد حكومة النظام المفلسة أخلاقيا وسياسيا، وسيلة لرفد خزائنها الخاوية إلا بمد يدها إلى جيوب الناس المثقوبة أصلا، وعينها على ما يصل إليهم من معونات قليلة مصدرها أقاربهم المهجرين في الخارج، عبر التلاعب بسعر صرف الليرة تارة ومضايقة شركات الصرافة تارة أخرى. بل وتفتق ذهنها أخيرا عن فكرة للاستيلاء على تبرعات الزكاة والصدقات، حيث دعت زوجة رئيس النظام أسماء الأسد التي بات لها صولة وجولة في دهاليز الحكم، إلى إنشاء ما سمته "منصة وطنية" لتلقي أموال الزكاة من داخل البلاد وخارجها، وهي من المصادر القليلة المتبقية لدى الفقراء للحصول على مساعدة في شهر رمضان الكريم، أو بقية أيام السنة.

والنظام الذي يفتقر للروح الوطنية والإنسانية، ينظر من جهة بريبة إلى الأموال القادمة من خارج البلاد، وهي في عمومها من سوريين في الخارج إلى أقاربهم في الداخل، وبطمع فيها من جهة أخرى. كما يطمع في الاستيلاء على كامل المساعدات الدولية التي تصل إلى سوريا، وهو يستحوذ بالفعل على معظمها، لكن عينه على ما يصل منها إلى مناطق الشمال السوري، وعمل مع حليفه الروسي على تقليص المعابر التي تدخل منها تلك المساعدات إلى معبر واحد تنتهي صلاحيته في شهر يوليو تموز المقبل، ما لم يمدده مجلس الأمن.

التكافل الاجتماعي والإنساني، هو ما تبقى للناس كي يساندوا بعضهم في هذه الظروف الصعبة. ولعل شهر رمضان الكريم، مناسبة للحض على هذا التكافل

لقد وصلت أجهزة الدولة إلى قعر الهاوية في كل الجوانب التي تخص خدمة المواطن، وليس فيها قطاع يقف على قدميه سوى أجهزة الأمن التي ترصد من يهمس بكلمة ضد النظام، لكنها لا تسمع خوار البطون الجائعة، ولا أنين المحرومين.

ومن هنا، فإن التكافل الاجتماعي والإنساني، هو ما تبقى للناس كي يساندوا بعضهم في هذه الظروف الصعبة. ولعل شهر رمضان الكريم، مناسبة للحض على هذا التكافل، خاصة من جانب المهجرين في الخارج تجاه أهلهم وإخوتهم في الداخل، دون المرور على قنوات النظام الذي يثبت كل يوم أن آخر همه التخفيف من معاناة شعبه، بل هدفه مضاعفة تلك المعاناة، عقابا لبعض المناطق على ثورتها ضده.

ولعل من المفيد التذكير بالكثير جدا من الآيات القرآنية الكريمة التي تحض على التكافل الاجتماعي ومد يد العون لكل محتاج، وتحذر الممتنعين من عواقب أفعالهم.

(الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم)

(يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعة)

(وآتِ ذَا القربى حَقَّه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرًا)

(والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم)

لقد جعلت الآيات القرآنية، فضلا عن الأحاديث النبوية، الإنفاق من واجب الميسور، ومن حق المحروم. أي يخرجه الإنسان دون تمنن أو تفضل، بل هو حق معلوم لذلك القريب أو الفقير.

كلمات مفتاحية