لماذا يفشل الإسلاميون سياسياً؟

2020.07.22 | 00:15 دمشق

an_7ae74ae0-bimage_story.jpg
+A
حجم الخط
-A

ربما تكون إحدى السمات الملازمة للعمل الإسلامي، في الفضاء السياسي المعاصر تكرار التجارب، أو تجريب المجرَّب، دون الخروج بخبرةٍ تؤهلهم للنجاح في التجارب التالية.

هذا ما يدور حوله كتاب "لماذا يفشل الإسلاميون سياسياً" للكاتب والصحفي الفلسطيني ياسر الزعاترة، وهو قريبٌ من فضاءات العمل السياسي الإسلامي، ومتابعٌ له منذ سنواتٍ طويلة، الأمر الذي يسمح له أن يضع يده على بعض العوامل الذاتية، التي توصل الإسلاميين إلى مرافئ الفشل في الحقل السياسي، رغم براعتهم ونجاحهم في حقل الخدمة الاجتماعية، وفي إعادة الهوية الإسلامية لقطاعات واسعة من الجماهير، وفي إنتاج صحوةٍ إسلاميةٍ ما تزال مفاعيلها تتسع إلى يومنا هذا.

لكنَّهم فشلوا في إعادة الهوية الإسلامية للدولة، كما يقتضي برنامجهم، وليس الحديث هنا عن أسلمة الدولة، إنما حول إعادة القيم الإسلامية للدولة، والتي تتمثل في "الحرية والعدالة والمساواة والشورى".

سبق لياسر الزعاترة أن تناول تقلبات وتطورات الحركات السياسية الإسلامية عقب تفجيرات "11 أيلول" في كتابه "الظاهرة الإسلامية قبل11 أيلول وبعدها".

وهو يعزو اضمحلال النظرة السياسية لديهم، إلى عدم فهمهم لميكانيزمات السياسة وآلياتها المعقدة، وطريقة عمل التوازنات الدولية وموازين القوى، وطبيعة الدولة الحديثة.

ويرى حاجة العاملين في المجال السياسي من الإسلاميين، إلى جملةٍ من المعارف والتجارب، تبدأ بفهمٍ العميق للسيرة النبوية، في جانبها السياسي وإدارتها للصراع الدائر آنئذٍ، بدأً من نشر الدَّعوة، ووصولاً إلى مواجهة أعظم إمبراطوريتين تحكمان العالم يومئذٍ "الفرس والروم"، إضافةً إلى قراءة التاريخ القريب والبعيد، وتجارب الحركات التحررية والإصلاحية، والإلمام بعلوم الحرب والعلوم الاجتماعية والنفسية، إضافة لدراسة الدولة الحديثة وطبيعتها المختلفة عن الدولة في العصور السابقة، علاوةً على الحظ الوافر في الذكاء وقوة الحدس.

تحيلنا هذه الطريقة في تصنيف السمات اللازمة للمشتغلين بالحقل السياسي، إلى السمات التي افترضها بعضهم، كشروطٍ لعمل المجتهد في الفكر الإسلامي، فقالوا: بوجوب الإلمام بعلوم اللغة والشعر والعروض، والأنساب وعلم الرجال، وعلوم السنة ومصطلح الحديث وتفسير القرآن، وأسباب النزول...إلى آخر سلسلةٍ طويلةٍ، لا تتأتّى إلا لندرةٍ من البشر، هذا إن حصل.

وبما أنَّ قادة الحركات الإسلامية، يفتقرون إلى الحد الكافي من هذه المقتضيات اللازمة، فقد ظلُّوا مرتهنين في مدارات الأزمات اليومية، مع غياب واضح للاعتماد على أهل الاختصاصات وأصحاب الخبرات في قطاعاتٍ واسعة.

وكانت قراراتهم في كثيرٍ من الأحيان، بعيدةً عن نبض المجموع العام الذي يمثلونه، والذي كان في كثيرٍ من الأحيان أرشد من تلك القيادات.

ومن يتابع العديد من القرارات والمواقف، التي صدرت عن قيادات إسلامية، سيجدها في كثير من الأحيان تتسم بالسطحية السياسية، وربما يكون مصدر هذه السطحية، تسلُّم قيادات تميزوا بصلابة مواقفهم وتضحياتهم في مواجهتهم مع السلطة الحاكمة، إلّا أن هذه البطولات لا تنتج بالضرورة حنكةً سياسيةً، ولا قدرةً على إدارة دفة الصراع، في ملعبٍ يضم لاعبين محترفين.

هذا الحديث يسوقنا للنظر إلى مفاوضاتٍ تدور بين ممثلي ثورةٍ، قدَّمت مئات الآلاف من الضحايا، وملايين المهجَّرين، يمثلها في التفاوض أفراد لا يملكون من مهارات التفاوض، مقدار الهمزة في أبجديةٍ طويلة، بينما يقارعهم ممثلون عن النظام الحاكم، مفاوضون يمتلك أحدهم، خبرةً تزيد عن ربع قرنً في العمل الديبلوماسي.

هذا حال المتسيدين في قيادات العمل الإسلامي عموماً، وبالرغم من مرور ما يقارب العقد، على بدء اشتعال ثورات الربيع العربي، إلّا أنهم لم يستطيعوا بناء كوادر أو رموز للعمل السياسي الإسلامي، كما تقتضي طبيعة الصراع حسب وجهة نظرهم.

وهذا ما يمكن تلمسه بيسرٍ في متابعة الأخطاء الفادحة، التي حصلت في المواجهة مع نظام عبد الناصر، وفي الصدام مع نظام الأسد في نهاية السبعينات من القرن المنصرم، وفي صدام الجماعة الإسلامية والجهاد مع نظام السادات، وفي معركة الحركة الإسلامية في الجزائر، وغيرها كثير.

كل هذا بمعزلٍ عن الأخطاء التي تمت، بسبب دوافع شخصيةٍ وأهواء فردية، وبمعزلٍ عن الحرب الدائرة ضدهم من أطراف عدة وليس أشدها، شيطنتهم المتكررة عبر وسائل الإعلام، الذي لم يبرعوا مطلقاً في الإمساك بأدواته، ومناجزة الخصوم بذات اللغة، وبالرغم مما أتاحته وسائط التواصل وعالم الميديا من فضاءاتٍ حرة، بمعزلٍ عن تحكم اللّاعبين الكبار، إلّا أن خطاب التيارات السياسية الإسلامية في الجانب الإعلامي، ما يزال خطاباً ينتمي إلى القرن السابق على أحسن تقدير.

وهذا غيضٌ من فيضٍ، ففي جسد هذه الحركات، كثيراً ما تصدمك الولاءات الفئوية والمناطقية، وتقديم القيادات بناءً على قناعات الأفراد بالأورع والأتقى، وليس بناءً على القدرات السياسية.

كما يلاحظ الغياب العملي لفكرة المستشارين، وإن حضروا شكلياً.

وإذا نظرنا إلى الساحة السورية، سنجد الترهل الحاد الذي أنتجه تمسك القيادات الهرمة، التي كانت منذ بداية السبعينات أي منذ خمسين سنة، إلى يومنا هذا في ذات مواقعها، مع قليلٍ غير ملحوظٍ من تبادل المواقع بين ذات الأفراد، وفي حالاتٍ عدة يكون الأمر أشبه بالتوريث، فيتسلم الابن مقعد أبيه وتتسلم الزوجة مقعد زوجها وهكذا.

مع إقصاءٍ لجيلٍ كاملٍ من أبناء تلك الحركة، وغياب المتخصصين بالملفات، وأبرزها ملفات العمل السياسي والإعلامي، وإن صعود بعض الشباب إلى مواقع قيادية لم يتم تأهيلهم لها مسبقاً كشف مقدار هشاشتهم، وغياب الإحساس بالمسؤولية في إدارة هذه المواقع.

كلُّ هذا أفقد الحركات الإسلامية الكثير من رصيدها الجماهيري، وألقى على عاتقها عبئاً ستحمله لزمنٍ طويلٍ، ريثما يتم تهيئة جيلٍ جديدٍ يتجاوز أخطاء الماضي، ويمتلك زمام المبادرة بأدوات اليوم.

الكتاب من إصدارات جسور للترجمة والنشر.

كلمات مفتاحية