لماذا يتقرب "أبو عمشة" من هيئة تحرير الشام؟

2021.09.16 | 06:27 دمشق

ab-msht-2.jpg
+A
حجم الخط
-A

لم تكن تصريحات محمد الجاسم "أبو عمشة" الصحفية، قبل أيام، حول استعداده للقتال مع هيئة تحرير الشام، بل والاندماج معها وفق ترتيبات معينة، مجرد تصريحات أملتها تطورات الوضع في شمالي سوريا الغربي، بقدر ما كانت تعبير عن رؤية مشتركة تجمع الطرفين حول طريقة تعاملهم مع الوضع السوري بعد 2011. ولكن ما هذه الرؤية المشتركة؟ ولماذا صرح أبو عمشة برغبته بالاندماج بهيئة تحرير الشام، وبقناعته بأن الهيئة تغيرت نحو الأفضل، دون أن يأبه حتى برأي الكتائب التي تنضوي تحت راية فرقته، ومنها كتيبة "المعتز بالله" التي انسحبت من فرقة "سليمان شاه" الذي يتزعمه أبو عمشة احتجاجاً على تلك التصريحات؟

تعد شخصية محمد الجاسم " أبو عمشة "، من الشخصيات المثيرة للجدل في الشمال السوري، وذلك نظراً للكاريزما الشعبوية التي يتمتع بها، ولتحوله إلى قائد عسكري شبه مستقل، يحرص حتى رئيس الائتلاف الجديد على أخذ صور معه. أما مصدر سخط الناس عليه، وعلى القادة العسكريين المماثلين له، أنهم يقدموا أنفسهم على أنهم الوريث الشرعي لما كان يسمى "الجيش الحر" دون أي اعتبار للسوريين المقيمين في المناطق التي يسيطرون عليها. فهم، بكل بساطة، لا يحترمون أي ناشط يعمل في مجال الحقوق والإعلام ونقل معاناة الناس. كما أن "نَفَسَهم" الأمني والاستعلائي لا تخطئه عين، ولا يكاد المرء يمر بقرية أو بلدة يسيطرون عليها إلا ويجد معظم أهلها يشتكون من تجاوزاتهم. حتى إن هناك من لا يرى فرقا واضحا بين المناطق التي تسيطر عليها كتائب المعارضة عموما وبين المناطق التي يسيطر عليها نظام الأسد، عندما يتعلق الأمر بحقوق الناس، واحترام أملاك السكان المحليين، وحفظ كرامتهم.

في حفل تخرج نحو 2000 من مقاتلي فرقة السلطان سليمان شاه، في تموز/ يوليو الماضي، والذي حضره رئيس وزراء الحكومة المؤقتة، اقتصرت كلمة "أبو عمشة" على إلقاء قصيدة من الشعر الشعبي مليئة بـ "العنتريات"، والتغني بالذات وشجاعتها. وهي قصيدة كتبت على نمط القصائد الشعبية التي يتغنى فيها الناس بأقوامهم، ويدعون للانتقام من الأعداء، ويتوعدون بـ "الدعس على خشم الحقير" كما يقول أبو عمشة، في قصيدته. 

تعود مشكلة الجيش الوطني إلى أن ولاء عناصره لقائد فصيلهم وليس للحكومة المؤقتة، وأن ولاء قادة فصائلهم لأنفسهم وحسابات النفوذ والقوة والمال

تشكل تصريحات أبو عمشة الأخيرة محطة مهمة في تحول الرجل من مجرد قائد عسكري، يعمل تحت مظلة الجيش الوطني، التابع للائتلاف، إلى فاعل سياسي يسمح لنفسه بطرح قضايا سياسية مصيرية، ورسم خريطة التحالفات في المنطقة، دون أن يأبه برأي من يرأسونه، ولا حتى بموقف المؤسسة التي يُعدُّ جزأ منها. وهذا يدل على أن الرجل يرى نفسه أكبر من الائتلاف وحكومته، أو غير معني بالولاء لهم حتى النهاية، لأنه قد يستطيع تأمين دعم لفرقته من خارج الائتلاف، أو بالرغم من الائتلاف، لا فرق بالنسبة له.

تعود مشكلة الجيش الوطني إلى أن ولاء عناصره لقائد فصيلهم وليس للحكومة المؤقتة، وأن ولاء قادة فصائلهم لأنفسهم وحسابات النفوذ والقوة والمال. الأمر الذي يعني أن الجيش الوطني ليس جيشا بالمعنى الحقيقي لكلمة جيش. حتى إن المطلعين يؤكدون أن وزير الدفاع في الحكومة المؤقتة لا يستطيع أن ينقل عنصر من فصيل إلى آخر. الفيالق الثلاثة التي يتكون منها الجيش الوطني، لم تحد من أولوية الانتماء إلى الفصائل. علما أن الجانب التركي كثيرا ما يشجع على توحد تلك الفصائل لزيادة قوتها وتجاوز الاستعصاء الفصائلي.

كل بضعة أشهر نشهد ظهور تحالفات بين فصائل عسكرية في الشمال السوري في "جبهة" أو "غرفة " أو "تجمع" أو ما شابه ذلك من تسميات (آخرها إنشاء الجبهة السورية للتحرير قبل يومين). وكثيرا ما تعكس هذه التحالفات حالة صراع هادئ بين قواد تلك الفصائل، مثلما تطفو على السطح تخوفهم من بعضهم. ما زاد في حالة الترهل وعدم الثقة أن المعارك مع "قسد" والنظام شبه متوقفة منذ فترة. كما أن هيئة تحرير الشام لا ترد على القصف الذي يقوم به النظام والروس لمناطق التماس في منطقة إدلب.

الشخصيات المقامرة شخصيات غير مستقرة سياسياً، ولا تهتم كثيراً بالعمل في إطار مؤسساتي، ولذلك هي تعيد حساباتها بشكل دائم، وتحرص على التفكير بالبدائل المحتملة، ولو كان الأمر على حساب أشياء كثيرة. بطرح إمكانية تعاونه مع هيئة تحرير الشام، وهي الفصيل الذي كان له دور كبير في القضاء على فصائل الجيش الحر، والذي يعتبر أبو عمشة نفسه أحد أشكال انبعاثه من جديد، يعني أن الرجل لا يحمل أي احترام لدماء المقاتلين الذين قتلتهم هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، ويعني ثانياً أنه غير منتبه إلى أن الهيئة لا تجيد التعاون مع الآخرين، لأنها تفضل أن تسيطر بمفردها على مناطقها، وأن التعاون – إن حصل - هو من باب الاضطرار، أو بقصد التهام الطرف الآخر، ولا يقع في مجال الاستراتيجيات.

غير أن ما يجمع أبو عمشة من مشتركات مع هيئة تحرير الشام، وزعيمها أبو محمد الجولاني، كثير، ويسمح له بأن يفكر بالاندماج معها. الشرط الوحيد الذي وضعه أبو عمشة هو أن يكون الاندماج تحت مظلة الجيش الوطني، وهو شرط، من المعروف، أنه لا يمكن للهيئة أن توافق عليه، لأنه يعني نهايتها كقبلة للجهاديين في المنطقة، مثلما يعني نهاية مشروعها الإسلامي.

لا بد من تذكير أبو عمشة، وغيره من قادة الفصائل العاملة في شمال سوريا، أن السوريين وحقوقهم وأملاكهم وحياتهم هو الرقم الأهم في معادلات الحصول على القوة

ما يجمع بين الرجلين أن كلا منهما يؤمن بأن السوريين هم في النهاية، موضع للسلطة والتسلط، وليسوا شركاء في السلطة، وأن كل من يمتلك القوة والسلاح يستطيع أن يفرض إرادته عليهم. ولذلك ليس هناك من داعٍ لاحترام حقوقهم وأملاكهم إلا في الحدود الدنيا. يضاف إلى ذلك، أنه وعلى الرغم من اختلاف خلفيات المؤسسات التي يتبع لها الرجلين، الأولى مدنية والثانية إسلامية، إلا أن موقفهما من الديمقراطية وقضايا الحقوق والمساواة تكاد تتشابه، وأن سمعة المؤسستين اللتين يعملان بها، أو يقودانها، ليست على ما يرام، بل قد تكون مؤسسات تضع، محاربة دمقرطة شمال سوريا في مقدمة مهماتها.  

لا بد من تذكير أبو عمشة، وغيره من قادة الفصائل العاملة في شمال سوريا، أن السوريين وحقوقهم وأملاكهم وحياتهم هو الرقم الأهم في معادلات الحصول على القوة. وأن كل من يتجاهل أهل الأرض لن تكون له جذور، ولا يمكن للسوريين أن يثقوا به. وأن كل من يعتمد فقط على دعم خارجي سينتهي بمجرد انتهاء حاجة الداعم له. مبدأ السياسة الأول هو أن تمتلك الأطراف القوة بذاتها، وليس من طرف آخر. ويبقى سكان المنطقة، ومصالح أهلها، أهم مصادر القوة لمن يريد أن يمثل الثورة فعلاً وليس قولاً.