لماذا صوّت سوريو هولندا للأحزاب الخدمية؟

2021.03.24 | 05:47 دمشق

2021-03-17t230119z_505606264_rc2bdm9x6bji_rtrmadp_3_netherlands-election-reaction-rutte.jpg
+A
حجم الخط
-A

أفرزت نتائج الانتخابات البرلمانية الهولندية معطيات جديدة، إذ صبّت نتائجها في مصلحة حزبين رئيسييْن هما: حزب الشعب من أجل الحرية والديمقراطية، الذي فاز بـ 35 مقعداً (زيادة مقعدين عن انتخابات 2017) وحزب دي 66 الذي فاز بأربعة مقاعد إضافية مقارنة مع انتخابات 2017 (العدد الكلي لمقاعد البرلمان الهولندي 150 مقعداً).

وقد شكل حصول الحزبين على المزيد من المقاعد الإضافية مفاجأة لعدد من المراقبين، ففي الوقت الذي كان يعتقد كثيرون أن إجراءات الحكومة في مرحلة كورونا لم تلقَ رضا عامة الشعب إلا أن نتائج الانتخابات أثبتت غير ذلك، خاصة أن هذين الحزبين هما الطرفان الأبرز في الحكومة السابقة.

كانت السياسة التي اتبعها الحزبان من خلال الحكومة ودعمها فيما يخص إجراءات كورونا هي محور حديث الشعب الهولندي في فترة الانتخابات، وقد حرصت الحكومة على إدارة الأزمة بطريقة أقرب للحياد الإيجابي، واستعملت أسلوب التسكين بالإبر للسوق الصناعية، من خلال جرعات مرحلية تتغير كل أسبوعين، وتبتعد عن أي إجراءات حادة، مترافقة مع دعم لقطاع الأعمال من خلال دعم الشركات، وفي الوقت نفسه تقديم رواتب لمدة عام لكل العاملين في الشركات. ويتوقع أنه ستكون الإجراءات في الفترة القادمة أكثر جرأة فيما يخص إعادة فتح المحلات، وقد انتهت الانتخابات، كون المجتمع الهولندي مجتمعاً محافظاً من الناحية الصحية والأمنية حيث يعد من المجتمعات الأكثر خوفاً وارتياباً، لذلك يتطلب التعامل معه حذراً شديداً.

ويوصف رئيس الوزراء المستقيل مارك روته، الذي سيعيد تشكيل الحكومة بأنه شعبوي، يحمل المسّاحة ويمسح القهوة إذا كبّها على الأرض، ويركب البسكليت حيث يذهب إلى عمله دون مرافقة أحياناً، يسهر مع أصدقائه في أحد البارات كل فترة "قبل مرحلة الكورونا"، يلتزم بتعليمات الأطباء والحكومة فيما يخصّ مخالطة الآخرين، حتى أنه لم يزر أمه التي توفيت في مرحلة الكورونا، ويحاول الالتفات إلى الشعب بصفته قوة أخلاقية، وكان من الملفت أنه لم يقل في إعلان الانتخابات: انتخبوا حزبي، بل تصرف كرجل دولة قائلاً: أدعوكم لكي تنتخبوا لأن سماع صوتكم يهمّنا!

زيغريد كاخ رئيسة حزب ال دي 66 لديها وجهة نظر أخرى، إذ ترى أن النخبة قد تنقذ المجتمع وتقوده، ليست النخبة أنانية، النخبة ربما قادرة على القيادة أكثر، إمكانية أن تقنع النخبة الجمهور الانتخابي بأنها ليست فاسدة. وقد تناولت المتخصصة في الفلسفة السياسية الدكتورة كارولا سخور في مقال طويل الفرق بين النخبوية والشعبوية هولندياً، الوزيرة كاخ القادمة من العمل الدبلوماسي، تشغل الآن وزيرة التعاون الدولي التجاري، والشؤون الخارجية، وترى أن فشل ترامب في أميركا "بصفته شعبوياً" قد انعكس على الانتخابات في هولندا، وهي متحمسة لطريقة بايدن في إدارة أميركا.

تراجع ملفت شهدته هذه الانتخابات، للأحزاب اليمينية، خاصة الخسارة الكبيرة لحزب اليميني المتطرف خيرت فيلدرز (من أجل الحرية)

أكبر الخاسرين في هذه الانتخابات هي الأحزاب اليسارية، خاصة حزب اليسار الأخضر الذي فقد نحو نصف مقاعده، والحزب الاشتراكي كذلك الذي خسر خمسة مقاعد، فيما بقي حزب العمال محافظاً على مقاعده. وشهدت الانتخابات معطيات متضاربة من مثل دخول حزبين جديدين حصل كل منهما على 3 مقاعد، أحدهما يدعو للانسحاب من الاتحاد الأوروبي والآخر عكسه، وكذلك دخول حزب جديد بعضو برلماني واحد يمثل الفلاحين، أما الأحزاب المسيحية والإسلامية فبقي تمثيلها على حاله تقريباً، فيما حصل حزب منتدى الديمقراطية على أعلى تقدم بعد أن أجرى تعديلات مهمة في رؤاه، حيث حصل على 8 مقاعد بدل مقعدين في الانتخابات الماضية.

تراجع ملفت شهدته هذه الانتخابات، للأحزاب اليمينية، خاصة الخسارة الكبيرة لحزب اليميني المتطرف خيرت فيلدرز (من أجل الحرية)، إذ خسر ثلاثة مقاعد مقارنة مع عدد مقاعده التي حصل عليها 2017، ولم تنفع خططه المتطرفة التي أعلن عنها المتمثلة بطرد المسلمين وإغلاق الجوامع معه شيئاً، بل بالعكس أسهمت في خسارة متراكمة.

يتبنى الحزب الحاكم الفائز (حزب رئيس الوزراء) موقفاً إيجابياً من القضية السورية، وينتمي إليه وزير الخارجية "ستيف بلوك" الذي يقود حملة محاسبة لنظام من خلال المحاكم الدولية، وقد تم في عهده متابعة إقرار ما هو معتاد للاجئين، وقد قاوم الحزب كل محاولات تغيير الأنظمة الخاصة باللاجئين، أو تشديد الرقابة عليهم فيما يتعلق بالجنسية أو سواها. وشهدت هذه المرحلة متابعة ملف التعذيب في سوريا، وتدرك الحكومة الهولندية أن حكومة النظام السوري سترفض الاعتراف بالأدلة التي ستقدم إليها وأن هدفها إضاعة الوقت، وقبول الحكومة الهولندية الجلوس مع ممثليه، عبر الأمم المتحدة، بهدف مواجهته بالأدلة.

أكثر الأحزاب تقدماً هو حزب ال دي 66 الذي تتزعمه الدبلوماسية العريقة زيغريد كاخ وزيرة التعاون الدولي والشؤون الخارجية، وهي من المناصرين كذلك للقضايا العربية والسورية خاصة، وقد عانت شخصياً من حملات تشويه إسرائيلية كون زوجها من جذور فلسطينية، وسبق أن صادرت قوات الاحتلال منزلها في فلسطين، وقد كان برنامج الحزب الانتخابي واضحاً، حيث حاول تلبية حق الشريحة الأكبر من المواطنين الهولنديين في الحصول على تعليم مجاني بكفاءة عالية، وسكن مريح وقيم العيش المشترك، والمحافظة على المناخ وفرص العمل.

وقد تحاور عدد من ممثلي الجالية السورية مع معظم الأحزاب المشاركة، خاصة الأحزاب اليسارية والحزبين الفائزين الرئيسيين (حزب روته وحزب كاخ) مؤكدين على أهمية الضغط على المجتمع الدولي بهدف تفعيل قرارات جنيف فيما يخص الوضع السوري وإنجاز الدستور والوصول إلى الانتقال السياسي، ومتابعة ملف إثبات التعذيب التي بدأتها الحكومة الهولندية وتقديم الوثائق والأدلة للمتابعة وكذلك محاكمة كل رموز النظام وكل من ارتكب جرائم بحق السوريين، والضغط على النظام السوري من خلال المنظمات المعنية بهدف إطلاق سراح المعتقلين والكشف عن مآل المغيبين.

الأصوات الانتخابية السورية (أكثر من عشرة آلاف) كان لها وزنها الترجيحي في الانتخابات الهولندية، حيث صبّت في قوائم الحزبين الفائزين

وكان من الواضح أن الأحزاب الدينية الإسلامية فشلت في جرّ الجالية السورية نحو أهدافها مما يؤكد أن خيارات المجتمع السوري، فيما لو وُجِد حيّز من الحرية والاكتفاء الذاتي المعاشي، وتعزيز قيم المواطنة سيكون خيارهم الأحزاب الخدمية، و ليس أحزاب الإسلام السياسي أو أحزاب الدعوات القومية أو أحزاب الهويات الفرعية، ومن الملفت أن كثيرين تحاوروا مع الأحزاب اليسارية لكن الثقة في طروحاتها وأفكارها لم تعد كما كانت من قبل، وبات السوريون يفكرون في المجدي معيشياً وتعليمياً، وقانونياً، وبدا أن الأصوات الانتخابية السورية (أكثر من عشرة آلاف) كان لها وزنها الترجيحي في الانتخابات الهولندية، حيث صبّت في قوائم الحزبين الفائزين اللذين حققا أكثر المقاعد وهما: حزب الشعب من أجل الحرية والديمقراطية، وحزب دي 66 ، الأول لشكره على مواقفه من اللجوء السوري ومن نظام الأسد.

والثاني دي 66 لأنه فتح قنوات كثيرة مع الجالية السورية، واجتمع معها أكثر من مرة، وقد شكل كون رئيسة الحزب متزوجة من عربي فلسطيني ودبلوماسية مخضرمة وتتحدث العربية عامل جذب إضافي.

يُذكر أنه قد قامت الحكومة الهولندية مؤخراً بتشكيل نواة مجلس للجالية السورية في هولندا بإشراف وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، بهدف تمثيل الجالية ونقل مطالبها والتحاور معها بشكل دوري.

أما الحزب الذي يمثل الأرثوذوكس (س ج ب) ويدعو ليكون الأب هو صاحب الحق بالاقتراع الانتخابي ممثلاً للعائلة، ولا يوافق على المثلية ويدعو إلى إعادة عقوبة الإعدام ويختلف مع النسويّة، فقد حافظ على مقاعده الثلاثة. وهذا ينطبق على حالة حزب الاتحاد المسيحي (اجتماعي تقدمي) الذي حافظ على مقاعده الخمسة وهو يدعو إلى إلغاء إمكانية القتل الرحيم والإجهاض. أما حزب دينك الإسلامي فحافظ كذلك على مقاعده الثلاثة وأكد على رؤيته بشأن الوقوف في وجه العنصرية وخطاب الكراهية واتباع سياسات متوازنة في الاندماج.