لماذا شحن الأسد مجدداً إلى طهران؟

2022.05.16 | 06:05 دمشق

8bb9ffbb60765aacf3f3fbae.jpg
+A
حجم الخط
-A

لا تخرج الزيارة التي قام بها بشار الأسد، مؤخراً، إلى طهران عن زياراته القليلة السابقة إلى كل من موسكو وسوتشي وطهران، من حيث كونها أشبه بعملية استدعاء، يتم فيها شحنه وحده في جنح الظلام وبسرية تامة، لكي يتلقى الأوامر والتعليمات، ويمكنه خلالها استجداء مزيد من الدعم والمعونات، ثم توظف عملية استدعائه لإرسال رسائل معينة من طرف أصحاب عملية الشحن إلى بعضهما بعضا، وإلى القوى الدولية والإقليمية الأخرى المتدخلة في الشأن السوري.

وهذه المرّة هي الثانية التي يتم فيها استدعاء الأسد إلى طهران منذ اندلاع الثورة السورية، التي شكلت الفرصة السانحة لنظام الملالي في طهران، كي يرسل إلى سوريا حرسه الثوري وقطعان "فيلق القدس"، وميليشيات "حزب الله" اللبناني وسواها من الميليشيات الطائفية المتعددة الجنسيات، ليس بهدف الدفاع عن نظام الإجرام الأسدي فحسب، بل لكي يجعل منها محافظتهم الخامسة والثلاثين، مثلما تفاخر ذات يوم، مهدي طائب، رجل الدين والقائد السابق في استخبارات الحرس الثوري الإيراني.

ومثلما جرت العادة في عمليات استدعاء الأسد، فإنه لم يرافقها أي بروتوكولات استقبال، كما لم يُرفع علم النظام السوري في القاعة التي جمعت الأسد مع علي خامنئي، ولم يرافقه أي وفد وزاري، الأمر يشي بأنه لم يكن هناك جدول أعمال للزيارة، وأن الغاية منها ليست اقتصادية أو تجارية أو عسكرية، ما يجعل غاياتها غير بعيدة عن توجيه رسالة سياسية إلى أطراف دولية وإقليمية، في مقدمتهم ساسة الكرملين، حيث أراد ملالي النظام الإيراني تذكيرهم بأن الأسد تابعهم الحصري، ويستدعونه متى أرادوا ذلك، خاصة أن الزيارة تأتي في وقت تتعثر فيه مفاوضات فيينا حول إحياء الاتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني، ووسط تقديرات بأن موسكو غير متحمسة لتوقيع الاتفاق، وتربط توقيعه برفع العقوبات الأميركية والغربية التي فرضت عليها على خلفية غزوها لأوكرانيا.

باتت روسيا في وضع لا يسمح لها بتقديم الكثير لنظام الأسد، لذلك سارع إلى الارتماء في حضن الملالي، وإلى إنكاره، وبكل صفاقة، للدور الروسي في إنقاذ نظامه من السقوط

ويبدو أن الأسد بات مسكوناً بالخوف من انشغال روسيا بغزوها لأوكرانيا، ومن تبعاته على دعمها لنظامه، وخاصة بعد إخفاق قواتها العسكرية في معركة كييف، وبدء سحب بعض وحداتها العسكرية من سوريا من أجل زجها في القتال في مناطق شرقي أوكرانيا، إلى جانب تأثير العقوبات الاقتصادية الأميركية والأوروبية التي فرضت عليها، وبالتالي باتت روسيا في وضع لا يسمح لها بتقديم الكثير لنظام الأسد، لذلك سارع إلى الارتماء في حضن الملالي، وإلى إنكاره، وبكل صفاقة، للدور الروسي في إنقاذ نظامه من السقوط، والزعم بأن إيران هي "الدولة الوحيدة التي وقفت إلى جانبنا منذ البداية" في حربه ضد الشعب السوري، في حين أن العالم كله يعرف تماماً أن روسيا هي من كان لها الدور الأكبر في إنقاذه.

وسبق أن أعلن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في أكثر من مناسبة، أنه لولا التدخل العسكري الروسي في سوريا لسقط نظام الأسد خلال أسبوعين، فضلاً عن أن الأسد تمادى في مرات سابقة في كيل المديح للحليف الروسي ولرئيسه، وتحوّل إلى تابع ذليل له، بل وإلى مجرد ذيل للكلب، لذلك لم يحرك شيئاً عندما أهانه أحد الضباط الروس ومنعه في مطار حميميم من السير إلى جانب بوتين، ويستحيل عليه السير إلى جانبه.

ولا يتوقف نكران الأسد لما قام به الروس، بل طال ساسة الإمارات العربية المتحدة، بالرغم من الخطوات التطبيعية التي قاموا بها مع نظامه، وكسروا خلالها عزلته، واستقبلوه في إماراتهم، لكنه انقلب عليهم عندما شعر بدفء الحضن الإيراني، وراح يتشدق بأن "العلاقات الاستراتيجية بين إيران وسوريا حالت دون سيطرة الكيان الصهيوني على المنطقة"، وأن التحالف الاستراتيجي بينهما أظهر أن "مساومة بعض الدول العربية قد ارتدّت ضدّها"، وذلك بالتناغم مع ما ذهب إليه خامنئي حين اعتبر أن "بعض قادة الدول المجاورة لإيران وسوريا يلتقون بقادة الكيان الصهيوني"، وأن شعوبهم ترفع شعارات ضدهم في يوم القدس. إضافة إلى أن وسائل إعلام نظام الملالي غمزت من قناة الداعين إلى عودة نظام الأسد إلى الحضن العربي، حين اعتبرت أن "زيارة الأسد تمثل شوكة في عيون الذين راهنوا على إيجاد شرخ في العلاقة الاستراتيجية بين البلدين"، الأمر الذي يشي بأن الأسد لا يطمئن إلا للحضن الإيراني، بوصفه حضناً لا فكاك منه بالنسبة إليه، وأن محاولات منافسة الحضور الإيراني لا تصمد أمام التحالف الاستراتيجي بين نظام الملالي الإيران ونظام الأسد، والتي ترجع إلى عدة عقود خلت، وأفضت إلى تغلل إيران في مختلف مفاصل النظام وأجهزته الأمنية والعسكرية، وحتى في مختلف تفاصيل المناطق الخاضعة لسيطرته ونسيجها الاجتماعي.

ولا تنحصر الرسائل التي أراد نظام الملالي توجيهها إلى كل من روسيا والإمارات، بل إلى الإيحاء الوهمي بأن نظام الأسد استعاد عافيته، والزعم الزائف بأن وضعه بات مستقراً من خلال ادعاء خامنئي بأن "سوريا اليوم ليست كما كانت قبل الحرب، رغم أنه لم يكن هناك دمار في ذلك الوقت، لكن احترام سوريا ومكانتها أكبر من ذي قبل، والجميع يرى هذا البلد كقوة"، في حين أن نظام الأسد يعاني مختلف أشكال الاهتراء والفشل ويواجه تحديات الانهيار المالي والاقتصادي والأمني، وبات لا يفترق عن كونه قوة أمر واقع تسيطر على قسم من الأرض السورية، ويعاني السوريون في مناطق سيطرته من أزمات كارثية على كل المستويات، وذلك بعد أن حولهم نظام الأسد إلى جموع تائهة ويائسة، احتشدت رجالاً ونساء وشباباً وشيوخاً، خلال أيام عيد الفطر، تحت "جسر الرئيس" في دمشق، بانتظار أطياف أبنائهم وإخوانهم وآبائهم المعتقلين أو المختفين قسرياً، منذ سنوات، في سجون ومعتقلات النظام، من دون أن يعرفوا حتى إن كانوا على قيد الحياة أم باتوا في عداد الأموات.

راحت وسائل إعلام النظام تتحدث عن التوقيع على "مرحلة جديدة من الخط الائتماني الإيراني- السوري"، تتضمن تزويد مناطق النظام بمواد الطاقة والمواد الأساسية، وتقديم قروض وتسهيلات مالية

ربما، وجد الأسد في عملية استدعائه إلى طهران فرصة، كي يستجدي بعض المعونات والدعم الاقتصادي، لذلك راحت وسائل إعلام النظام تتحدث عن التوقيع على "مرحلة جديدة من الخط الائتماني الإيراني- السوري"، تتضمن تزويد مناطق النظام بمواد الطاقة والمواد الأساسية، وتقديم قروض وتسهيلات مالية، لكن بالمقابل، سيبقى كل ذلك حبراً على ورق، لأن نظام الملالي الإيراني لم يعد يمتلك الموارد الكافية، التي تمكنه من تقديم مزيد من الإسناد والدعم لنظام الأسد على المستوى الاقتصادي، كونه ما يزال يعاني كثيراً من ثقل العقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة عليها، وبالتالي لن يستطيع تقديم شيءٍ يذكر في هذا المجال.