لماذا اليابان وليس سوريا؟

2020.10.10 | 00:55 دمشق

1536765007004630400.jpg
+A
حجم الخط
-A

لا يكف شغف الإنسان السوري اليوم عن السؤال عن مستقبل جمعي لهذا الوطن الذي احتفلت المجامع البحثية والمهتمة بالشأن بمئوية دستوره، معلنةً بما يحمل كثيرا من الإعجاب لتصنيف هذا الوسم بأنه الأول عربيًا! على مستوى تجربة بناء الدولة الوطنية الديمقراطية بعيد الاستقلال عن حكم عثماني دام شيئا آخر، معينةً إيّانا على فهم سؤال التخلّف بين ظهرانينا والذي لا ينفك يدق أطنابه على قلة المحاولات لطرده من بين ظهرانينا في هذه المئة عام المنصرمة، وهنا ليس لنا مندوحة من طرح سؤال النهضة المبتسرة أو التي تم الحديث عنها في وطننا السوري دون أن نتلمس لها آثارًا ولو بأرقام تقترب اليوم من دول الجوار التي تتعكز على دعم من هنا وهناك لكنّها حققت بعض المؤشرات التي يمكن أن تجعل منها عتبة للتحديث فيما لو تم لها شروط أخرى وظروف أفضل، أما في حالتنا فما هي العتبة التي سنعود لها؟ فيما لو سُمِح لنا أن نسأل سؤال التحديث ونشرع بالإجابة عنه، ما يمكن أن يتخيله البعض بلحظة سقوط النظام المستبد وقيام دولة المواطنة التي طمح لها السوريون منذ آذار 2011، وما بعده وما زالوا يقتربون من لحظة البدء بالإجابة عن سؤال النهضة والتحديث، ولعلّنا نبدأ الآن بالإجابة نظريا في هذا المقال باستدعاء مثال اليابان عبر ثلاثة قرون انتقلت بها من حياة الساموراي وسيطرة وهم الإمبراطور  على دولة أغلقت حدودها بكل إرادة لتفتح باب التحديث وبناء الذات بيدها هذه المرة وتعطي العالم بين 1568 و1868 أملًا بأن التحديث وبناء النهضة الذاتية ممكنٌ فيما لو كان شعب أمة ما قادرا على صنع المعجزات.

لا يمكننا الإحالة في تاريخنا القريب على أي وجه للمقارنة مع ما فعلته النظم السياسية التي تتالت في حكم بلدنا منذ الاستقلال وحتى لحظتنا الراهنة، لإجراء مقارنة تفتح لنا باب الضوء على مستقبل قد يرقى بلحظة ما لترك أثرٍ تفيد منه الإنسانية مثلا، فمن بعد 1970 ما هي شروط النهضة التي تم استيفاؤها والعمل بمقتضاها؟ حتى نصل للحديث عنها اليوم بجرأة تدعو للنقد الذي يحمل بدوره للتصحيح أو البناء عليه! هل تجربة التعليم مثلا في سوريا قادت لإنجازٍ محسوبٍ وذي وزن وأهميةٍ عالميًا؟ أم لا يمكننا سوى أن نفتق عرا العقوبات الدولية والحصار الذي لم يسمح لنا سوى بترقب وصول كمية من علب المحارم وزيت القلي لمؤسساتنا الاستهلاكية العامة وعدد من علب الكبريت التي تم تصنيعها بمواد أولية لا تشملها العقوبات المطبقة على بلدنا بجريرة صموده أمام معسكر الإمبريالية!

مناسبة الحديث الذي لن أدعه يطول، هو تقرير صحفي لأحد المواقع الإلكترونية السورية عنونه القائمون: هل تمكنت من شراء القرطاسية لأولادك هذا العام؟ الذي عاد بي لمثال اليابان وما قرأته عنها من إحصائيات رسمية موثقة تقول إحداها: كانت نسبة التحاق أطفال اليابان بمدراس التعليم الرسمي الابتدائية نحو 97% من عدد أطفال

هل للممانعة وحدها كل هذا الأثر في إخراج سوريا من القرن؟ هل للممانعة وحدها كل هذا الوزر على الشعب السوري الذي لا يجد سؤالا اليوم بعد إرسال آخر بعثة مأهولة للقمر بـ 51 عامًا؟

اليابان الكلي، بتقنيات تقترب كثيرًا مما كان يستخدم في مدارس لندن وباريس؟ وتذكر التقارير أن عدد نسخ كتب معينة وصلت لعشرات الآلاف في ذلك الوقت، وطبعت عدة مرات أيضا؟ بلدنا الذي لم يكن يعاني من الأمية بعد سنوات قليلة من ذلك التاريخ، والذي تستثنيه إحصائيات كثيرة من أن يكون مثلا للأمية المتجذرة فيه؟ أو للجهل الذي عزّ علاجه! يقودنا هنا السؤال: هل للممانعة وحدها كل هذا الأثر في إخراج سوريا من القرن؟ هل للممانعة وحدها كل هذا الوزر على الشعب السوري الذي لا يجد سؤالا اليوم بعد إرسال آخر بعثة مأهولة للقمر بـ 51 عامًا غير السؤال عن كيف سأقتطع من لقمتي وأشتري لأولادي بعض الأقلام والدفاتر بالليرة التركية التي دخلت لتجعل من أرضنا بقعة أكثر أمانا فحرمتنا من التعليم؟ بعد أن جعلت من وطننا نهاية القرن الماضي مجموعة مزارع وقرى تغذي مقترح الفرنسيين لإدخال العثمانيين في حالة التحديث التي تأخروا عنها! من جديد فكان نصيبنا أن نكون مجموعة قرى لم يتغير حالها منذ مئة وخمسين عامًا؟

سؤال التحديث السوري اليوم، لا يعترف بحدود مؤيد ومعارض لنظام سياسي استبدادي وظيفي مكلف كما ثبت لمرحلة قصيرة بإتمام عملية إخراج سوريا ذات الحضارة الألفية من القرن!

إما أن يجد جميع السوريين اليوم الإجابة عن سؤال التحديث والنهضة أو ستبقى سوريا تراوح بين لقمة العيش والقلم الرصاص لطفل يقسم أنفاسه بين حرف ورمق للحياة...