لماذا أردوغان أقرب إلى الفوز في جولة الإعادة؟

2023.05.17 | 05:11 دمشق

لماذا أردوغان أقرب للفوز في جولة الإعادة؟
+A
حجم الخط
-A

لم تُقرر الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي أجرتها تركيا الأحد بشكل نهائي الشكل الجديد للحكم الذي سيُدير تركيا في بداية مئويتها الثانية. لأن الرئيس رجب طيب أردوغان لم يستطع الحصول على نسبة الخمسين زائد واحد اللازمة لحسم المنافسة الرئاسية في الجولة الأولى، فإن البلاد ستنتظر أسبوعين آخرين لمعرفة هوية الرئيس الجديد الذي سيحكمها. مع ذلك، فإن نتائج الرابع عشر من مايو/ أيار أعطت صورة شبه كاملة لمستقبل البلاد بعد الانتخابات. قبل كل شيء، هناك ثلاث خلاصات بارزة يُمكن استخلاصها من هذه النتائج. أولاً، يعني فوز تحالف "الجمهور" الحاكم في أكثرية مقاعد البرلمان الجديد فشل المعارضة في تحقيق هدفها بالسيطرة الكاملة على السلطة وهي حاجة ضرورية لها لتحقيق أحد أهم وعودها الانتخابية بإلغاء النظام الرئاسي والتحول إلى نظام برلماني مُعزز. ثانياً، أخفق مرشح التحالف السداسي المعارض للرئاسة كمال كليتشدار أوغلو في حسم المنافسة الرئاسية من الجولة الأولى وهو هدف أساسي له لتجنب المخاطر الكبيرة المحيطة به في جولة إعادة. وثالثاً، وهو الأهم، أظهر تقدم أردوغان على كليتشدار أوغلو في الجولة الأولى بفارق تجاوز الأربع نقاط مئوية أن الهندسة الانتخابية المعقدة التي انتهجها كليتشدار أوغلو، والتي صممت بالدرجة الأولى لحسم السباق الرئاسي من الجولة الأولى، عديمة الجدوى.

نظرياً، لا يزال أمام المعارضة فرصة لهزيمة أردوغان في الجولة الثانية، لكن نتائج الجولة الأولى تُشير في لغة الأرقام إلى أن هذه الفرصة محدودة للغاية، إن لم تكن مستحيلة. قبل الدخول في تقييم مسبق لجولة الإعادة، لا بُد من معرفة الأسباب التي أدّت لنتائج الرابع عشر من مايو، لأنها ضرورية أيضاً للوصول إلى تقدير واقعي لما يُمكن أن تكون عليها جولة الإعادة. هناك ثلاثة أسباب رئيسية لهذه الانتكاسة التي مُنيت بها المعارضة. الأولى يتمثل بنقاط قوة أردوغان ويُمكن تلخيصها بقدرته على تحويل الصعوبات الاقتصادية التي واجهها في هذه الانتخابات إلى فرص. على سبيل المثال، ساعدت حزم الدعم الاقتصادي القوية التي اتخذتها حكومة أردوغان في الآونة الأخيرة في رفع مستوى التأييد الشعبي لأردوغان والتحالف الحاكم عما كان عليه خلال السنوات الأخيرة. كما أن إدارته لكارثة الزلزال ساعدته في تحويلها من عنصر ضغط انتخابي عليه إلى فرصة لإظهار قدرته على أنه القادر على إدارة عملية إعادة الإعمار والتعافي من الكارثة. يُمكن ملاحظة ذلك في النتائج القوية التي حصل عليها في الانتخابات في المناطق المتضررة من الزلزال على وجه الخصوص.

أما السبب الثاني فيتمثل في نقاط ضعف المعارضة، ويُمكن تقسيمها إلى قسمين: الفشل في تقديم رؤية اقتصادية واضحة يُمكن أن تُقنع الناخب التركي بأنها بديل مناسب لإدارة أردوغان الاقتصادية والمبالغة في توظيف كارثة الزلزال والصعوبات الاقتصادية لتحقيق مكاسب انتخابية، فضلاً عن عجز المعارضة في تقديم نفسها كطرف يُمكن أن يُحدث استقراراً سياسياً في السلطة بسبب الأزمة القصيرة التي عصفت بالتحالف السداسي وبسبب تخصيص جانب رئيسي من إدارتها للمنافسة الانتخابية على تقاسم الحصص بين أطرافها كما لو أن فوزها في الانتخابات أمر محسوم.

سيخوض أردوغان جولة الإعادة بروح معنوية مرتفعة للغاية على عكس كليتشدار أوغلو بفعل النتائج الكبيرة التي حققها تحالف "الجمهور" في الانتخابات البرلمانية وأيضاً بفعل الفارق التصويتي المريح نسبياً الذي حققه أردوغان

من الواضح أن نقاط القوة والضعف هذه ساهمت إلى حد كبير في تشكيل سلوك انتخابي عام خدم أردوغان بدرجة أكبر مما هو الحال عليه بالنسبة للمعارضة. من غير المُرجح أن تستطيع المعارضة خلال أسبوعين فعل ما ينبغي فعله لتغيير هذا السلوك التصويتي العام. علاوة على ذلك، فإن النتائج التي أفرزتها انتخابات 14 مايو/ أيار، ستلعب دوراً أساسياً في تشكيل هذا السلوك في جولة الإعادة في الثامن والعشرين من الشهر الجاري.

هناك أربعة عوامل أساسية تُعزز فرص أردوغان في حسم جولة الإعادة لصالحه:

أولاً، سيخوض أردوغان جولة الإعادة بروح معنوية مرتفعة للغاية على عكس كليتشدار أوغلو بفعل النتائج الكبيرة التي حققها تحالف "الجمهور" في الانتخابات البرلمانية وأيضاً بفعل الفارق التصويتي المريح نسبياً الذي حققه أردوغان لصالحه في الجولة الرئاسية الأولى.

ثانياً، يُساعد فوز التحالف الحاكم في الانتخابات البرلمانية أردوغان على تحويل المنافسة مع كليتشدار أوغلو في جولة الإعادة من منافسة على الرئاسة إلى اختيار بين الاستقرار السياسي وعكسه. سيتمكن أردوغان من تقديم فوزه للناخب على أنه ضروري لتحقيق هذا الاستقرار وتجنب سلطة بمكونيها التنفيذي والتشريعي منقسمة بين تحالفي الجمهور والأمة. سيكون لمثل هذا الاختيار تأثير أكثر وضوحاً على الكتلة التصويتية غير المؤدلجة التي ترغب في رؤية استقرار سياسي يُساعد البلاد في التعامل بفعالية مع الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها بدلاً من الانخراط في صراع داخل السلطة يزيد من المخاطر الاقتصادية.

ثالثاً، سيكون كليتشدار أوغلو في موقف صعب للغاية في عملية الموازنة بين مواصلة تحالفه مع حزب الشعوب الديمقراطي الكردي وبين محاولة استقطاب الأصوات القومية المعارضة لأردوغان لكنها معارضة أيضاً لتحالف كليتشدار أوغلو مع حزب الشعوب لأنها تعتبره واجهة سياسية لحزب العمال الكردستاني المحظور. يُفسر سعي كليتشدار أوغلو الحثيث لحسم الانتخابات الرئاسية من الجولة الأولى من خلال الضغط على مجموعة من الأزرار دفعة واحدة رغبته في تجنّب الوصول إلى المرحلة التي ستفرض عليه مثل هذه الموازنة الصعبة.

 رابعاً، لأن التحالف الحاكم متجانس إلى حد كبير مقارنة بتحالف الأمة، فإن النسبة التصويتية التي حصل عليها أردوغان في الجولة الأولى تُعتبر كتلة صلبة غير قابلة للتراجع، وبالتالي، سيتعين على كليتشدار أوغلو من أجل عكس التصويت لصالحه في الجولة الثانية الحصول على أكثر من خمس نقاط إضافية للفوز وهي مهمة صعبة إن لم تكن شبه مستحيلة.

قدرة أوغان على التأثير على السلوك التصويتي للكتلة التي دعمته في الجولة الأولى تقتصر في جولة الإعادة على الكتلة الصلبة فقط أي 2% تقريباً

من المؤكد أن حصول مرشح تحالف "الأجداد" سنان أوغان على أكثر من 5% من الأصوات في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية يجعل من الخيار السياسي الذي سيتخذه في جولة الإعادة عاملاً مؤثراً في المنافسة لكنّه لن يكون حاسماً بشكل مُطلق لأن الكتلة التصويتية الصلبة لأوغان لا تتجاوز 2% والقوة التي يكتسبها الآن في جولة الإعادة تتمثل إلى جانب الكتلة الصلبة في كلتة الـ 3 % الأخرى التي حصل عليها وهي في الغالب تُمثل الأصوات القومية في جبهة التحالف السداسي ممن قررت الرد على تحالف كليتشدار أوغلو مع حزب الشعوب بمنح أصواتها لمرشح حزب "البلد" محرم إنجة، ثم الذهاب بعد ذلك لصالح سنان أوغان بعد انسحاب إنجة. بهذا المعنى، فإن قدرة أوغان على التأثير على السلوك التصويتي للكتلة التي دعمته في الجولة الأولى تقتصر في جولة الإعادة على الكتلة الصلبة فقط أي 2% تقريباً. حتى مع افتراض أن أوغان سيدعم كليتشدار أوغلو في جولة الإعادة، وهو خيار مستبعد بالنظر إلى الشرط الذي يفرضه على كليتشدار أوغلو مقابل هذا الدعم ويتمثل بإنهاء تحالفه مع حزب الشعوب، فإن هذا الدعم لن يجلب فوائد مؤكدة لكليتشدار أوغلو تتجاوز 2% ما يعني أن معادلة الأرقام ستبقى تميل لصالح أردوغان بفارق يزيد عن نقطتين.

لتتوقع السلوك الانتخابي المحتمل للكتلة التصويتية غير الصلبة لأوغان في جولة إعادة ونسبتها 3% تقريباً، فإن المعايير التي ستُحدد هذه السلوك تنقسم إلى قسمين. معيار الإيديولوجيا القومية الذي يجعلها بعيدة للغاية عن التصويت لصالح كليتشدار أوغلو، ومعيار معارضة أردوغان الذي يجعلها أيضاً أقل اندفاعاً للتصويت لصالح أردوغان. لأن معايير الإيديولوجيا القومية لهذه الكتلة يتفوق على المعيار الآخر، فإن جزءاً من أصوات هذه الكتلة قد تذهب لصالح أردوغان بالفعل، لأن الناخب في هذه الكتلة سيُقرر في الغالب أن التصويت لصالح أردوغان سيؤدي إلى هزيمة المرشح الآخر المدعوم من وجهة نظر الناخب القومي من حزب العمال الكردستاني. وحتى لو قرر هذا الصوت البقاء على الحياد في الجولة الرئاسية الثانية، فإن ذلك في لغة الأرقام سيُبقي أردوغان متفوقاً على كليتشدار أوغلو في جولة الإعادة.