لقمان سليم في غابة الذئاب

2021.02.06 | 00:01 دمشق

176781.jpg
+A
حجم الخط
-A

لقمان سليم ليس أول المثقفين والمعارضين الذين اغتالهم حزب الله. هناك قائمة طويلة تبدأ من حسين مروة ومهدي عامل وصبحي الصالح وسمير قصير وجبران تويني وجورج حاوي، ولن تقف عند لقمان الذي وصله الدور ليلة الأربعاء الماضي، ما أشاع حالة من القلق والخوف في أوساط الكتاب والمثقفين في لبنان، لأن عملية الاختطاف والقتل هذه جاءت بعد عدة سنوات من توقف الاغتيالات السياسية، وهي بالنسبة لكثير من منتقدي حزب الله تشكل مؤشرا على عودة نهج تكميم الأفواه والحوار بالرصاص.

لم يتوقف لقمان عن نقد حزب الله رغم أنه تلقى تهديدات كثيرة، وتعرض للاعتداء والمضايقات اليومية بحكم وقوع منزله وسط الدائرة الأمنية الضيقة لحزب الله. وكان مثابرا على موقفه من دون خوف أو تردد، ولم يعط آذانا صاغية لنصائح الأصدقاء والخبراء العارفين بما يبيت له هذا الحزب. وينبع إصرار لقمان على عدم الصمت والتوقف عن النشاط المعارض من أنه صاحب رأي بمواجهة الهيمنة الإيرانية، والتي يمثلها حزب الله وأجهزته على لبنان والمنطقة. وكان يردد دائما أنه ليس أقل شجاعة من الذين سقطوا على هذا الطريق، وهم يواجهون جبروت حزب الله.

ولقمان مثقف وكاتب ذو حضور في الساحة الثقافية اللبنانية والعربية منذ الثمانينيات من القرن الماضي كمترجم ومهتم باللغة العربية، وشارك شقيقته الروائية والصحافية رشا الأمير في تأسيس دار الجديد. وينحدر من أسرة ذات تاريخ سياسي وثقافي، فوالده المحامي محسن سليم برلماني ومدافع عن الحريات، ومن ذلك المرافعة عن المفكر صادق جلال العظم حين صادرت السلطات اللبنانية كتابه "نقد الفكر الديني" في عام 1969. أما والدته فهي الباحثة والكاتبة والمثقفة المصرية سلمى مرشاق.

يبدو أن حزب الله من الصعب أن يتغير لأنه وصل إلى هنا عبر هذا الأسلوب، وإذا تخلى عنه يفقد أهم عناصر تكوينه، ولن يقلع عن نهجه الإرهابي طالما أن هناك دولا تمد له الحبل

وقد يرى البعض غرابة في أن مثقفا وكاتبا يصر على موقفه النقدي في ظل تغول حزب الله، ولكن ما يجدر التوقف أمامه هو أن حزب الله له كل هذه القوة لا يجد أسلوبا للرد على الاختلاف في الرأي سوى الرصاص، وهذا ما يؤكد على أن كل الرهانات المحلية على تطور هذا الحزب باءت بالفشل. دخل الحكومات اللبنانية المتعاقبة منذ حوالي عقدين، وصارت لديه صلات دولية على مستوى رفيع، وكان واضحا من لقاء الرئيس الفرنسي إيمانوييل ماكرون مع محمد رعد أحد قادة حزب الله حين زار بيروت في آب الماضي بعد انفجار المرفأ، أن القوى الدولية لا تزال ترى أن هناك إمكانية لتنظيف هذا الحزب من الدماء التي تلطخ بها في سوريا. ولكن يبدو أن حزب الله من الصعب أن يتغير لأنه وصل إلى هنا عبر هذا الأسلوب، وإذا تخلى عنه يفقد أهم عناصر تكوينه، ولن يقلع عن نهجه الإرهابي طالما أن هناك دولا تمد له الحبل. ولا أعني هنا أن هذه الدول توفر له تغطية، ولكن هذا الحزب يستغل ذلك، ولو أنه تلقى معاملة على قدر الجرائم التي ارتكبها في لبنان وسوريا وحتى العراق لما تجرأ على أن يستبيح دماء المعارضين له، ولحسب كل خطوة من خطواته.

سياسة الإفلات من العقاب هي التي جعلت هذا الحزب يتعامل مع من يختلف معهم بالرصاص. ومثال ذلك نتائج المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رفيق الحريري، حيث تم تثبيت التهمة على سليم عياش الكادر في حزب الله، ووقفت القضية عند صدور الحكم في آب الماضي ولم يتم تنفيذه، وكان في وسع موقف دولي قوي وصارم أن يجبر لبنان وحزب الله على تسليم المجرم، والذهاب أبعد من ذلك بإيقاع عقوبات على الحزب الضالع في الجريمة. ولو جرى تجريم قيادة حزب الله وفرض عقوبات على المؤسسات الاستثمارية التي تمده بالمال لراجع مواقفه، ولما تصرف بهذا القدر من الشراسة والوحشية.

حسنا تصرفت شقيقة لقمان الكاتب رشا حين رفضت التحقيق الجنائي عن طريق السلطات اللبنانية التي يسيطر عليها حزب الله، واختصرت المسألة بأنها تعرف القتلة مجازيا

لقمان سليم من مؤيدي وداعمي ثورة السوريين، وكان ثابتا في موقفه من النظام السوري. واستقبل مكتب مؤسسته "أمم" الكثير من الناشطين السوريين الذين عملوا في مجالات مختلفة لدعم الثورة، وأنجز مع زوجته مونيكا فيلما سينمائيا عن سجن تدمر غاية في المهنية، اعتمد على سجناء لبنانيين سابقين في سجن تدمر الرهيب، وقام هؤلاء بإعادة تمثيل جزء من المعاناة في السجن السوري، وهم بذلك قدموا أول وثيقة بصرية عن فصل من الجرائم بحق عشرات الآلاف من المعتقلين السوريين، والذين تمت عمليات تصفية للكثيرين منهم.

حسنا تصرفت شقيقة لقمان الكاتب رشا حين رفضت التحقيق الجنائي عن طريق السلطات اللبنانية التي يسيطر عليها حزب الله، واختصرت المسألة بأنها تعرف القتلة مجازيا، وكانت والدة لقمان السيدة سلمى مرشاق صائبة حين حملت مسؤولية الجريمة للمنفذ والمحرض. فمنذ سنوات هناك من يحرض على لقمان ويتهمه بالخيانة والعمالة ويدعو إلى إهدار دمه في بلد تحول إلى غابة لذئاب حزب الله الفالتة.