لقاء الفصائل الفلسطينية تعبير عن الأزمة أم جزء من الحل؟

2020.09.12 | 00:05 دمشق

2020-09-07t103358z_1481533152_rc2mti9xh7g1_rtrmadp_3_serbia-kosovo.jpg
+A
حجم الخط
-A

بدا لقاء الفصائل الفلسطينية بين رام الله وبيروت الأسبوع الماضي تعبيراً عن الأزمة أكثر منه جزءاً من الحل، ببساطة لوجود نفس الشخوص والطبقة السياسية التي أوصلتنا إلى الواقع المتردي الحالي، وترديد نفس العبارات والخطابات، ثم إصدار بيان ختامي تقليدي إنشائي دون خريطة عمل جدية وحقيقية باستثناء موقف الحد الأدنى السياسي ضد صفقة القرن الأميركية وخطة الضمّ الإسرائيلية المنبثقة عنها، والتطبيع - التحالف الإماراتي الإسرائيلي.

حضرت في لقاء رام الله - بيروت الطبقة السياسية نفسها التي أوصلت الواقع الفلسطيني إلى ما وصل إليه من انقسام وتردٍّ وانهيار على  كل المستويات، حضرت في رام الله طبقة اتفاق أوسلو سيئ الصيت الذي خلق البيئة المناسبة أمام الانقسام والاقتتال الفلسطيني وأطلق يد إسرائيل في التهويد والاستيطان وخلق وقائع على الأرض لسنوات، بل لعقود. الوقائع نفسها التي تسعى الآن صفقة القرن الأميركية وخطة الضمّ الإسرائيلية إلى شرعتنها.

الطبقة نفسها قبلت بوجود سلطة بلا سلطة - حسب التعبير الحرفي لمسؤول التفاوض صائب عريقات - لعقدين تقريباً، ولم تستطع منع الاحتلال من فرض الوقائع على الأرض حتى قبل الصفقة والخطة والتطبيع ولم تنتفض في وجهه انفكاكاً وخلاصاً من وضعها البائس والعاجز.

على الجهة المقابلة في بيروت حضرت طبقة العسكرة - المقاومة أوسع وأرحب من ذلك بكثير - الكارثية التي ساهمت بدورها في الاقتتال والانقسام، ثم فشلت هي الأخرى في مواجهة الاحتلال - رغم التضحيات الشعبية الهائلة - ولم تمنعه من التنكيل بغزة وإيصالها إلى حافة الانهيار، بحيث لم تعد مكاناً مناسباً للعيش بعدما أعادها الاحتلال سنوات بل عقودا إلى الوراء. العسكرة نفسها فشلت بعد ثلاث حروب في رفع الحصار وحتى في توفير الحد الأدنى من مقومات الحياة الأساسية والكريمة للناس.

فيما يخص الطبقة الهرمة والمترهلة بدت لافتة جداً مشاركة الجبهة الشعبية القيادة العامة ومنظمة الصاعقة - الفرع الفلسطيني لحزب البعث سيئ الصيت - في اللقاء، علماً أنهما من دون حضور وتمثيل جماهيري حقيقي لا في الداخل ولا في الخارج، إضافة إلى المساهمة المباشرة مع نظام بشار الأسد في جرائمه الموصوفة ضد الشعب السوري الثائر، ولا يمكن تصور أن يكون هؤلاء جزءاً من الإجماع الوطني الفلسطيني في مواجهة الخطط  والصفقات الأميركية الإسرائيلية والتطبيع الإماراتي مع صمت مشغّلهم نظام بشار الأسد المدوّي عن التطبيع، بل التواطؤ مع الإمارات وحلفائها في عدة جبهات وساحات كما هو الوضع في ليبيا مثلاً، علماً أن القيادة العامة - والصاعقة - افتخرتا دوماً بكونهما جزء من نظام آل الأسد وتصرفتا كذلك طيلة الوقت ضد حركة فتح ومنظمة التحرير في لبنان وضد الشعب السوري الثائر في وجه نظام – عصابة الاستبداد والفساد والخنوع لإسرائيل وأميركا.

على الجانب المقابل حضرت فصائل في رام الله لا تتمتع بحضور شعبي أو جماهيري وفشلت في تجاوز نسبة الحسم في الانتخابات التشريعية – كانون ثاني/ يناير 2006 - بل حصلت على أقل من نصف بالمائة، ووجودها يشيع أجواء وهمية من الوحدة الوطنية التي يجب أن تكون صلبة وراسخة وجدية لمواجهة التحديات الآنية المطروحة أمام الفلسطينيين، ناهيك عن التحدي الأهم المتمثل في الاستقلال والسيادة وتقرير المصير.

في بيروت بدت الطبقة السياسية الفلسطينية وكأنها تجتمع على أنقاض المدينة المدمرة والمحروقة، وفي المجمل بدوا وكأنهم يغطون فساد واستبداد الطبقة الفاسدة التي حوّلت لبنان إلى دولة فاشلة في استخدام موصوف للقضية الفلسطينية لخدمة المصالح السياسية والفئوية الضيقة للمستبدين والفاسدين.

هذا فيما يتعلق بالشكل أو الإطار. أما فيما يخص المضمون فقد بدت الخطابات مكررة وتقليدية ومملة، علماً أننا لم نعانِ يوماً مشكلة في التشخيص وإنما في العلاج، وما طرح في لقاء رام الله - بيروت هو نفسه ما طرح في الحوارات واللقاءات الفلسطينية في آخر عقدين على الأقل دون مراجعة نقدية أو محاسبة واستعداد لدفع ثمن الأخطاء والكوارث شخصياً وسياسياً، مع الانتباه إلى أن اللقاء نفسه كان مقرراً منذ تسع سنوات على الأقل حسب وثيقة المصالحة – أيار/ مايو 2011 - للعمل على إنهاء الانقسام والتوافق على برنامج سياسي موحّد، وإعادة بناء منظمة التحرير كبيت وطني جامع، أي قبل ترامب وصفقته ونتنياهو وخطته والإمارات وتطبيعها.

بناء على ما سبق، لم يكن مفاجئاً أن يأتي البيان الختامي إنشائياً دون خريطة طريق واضحة وناجعة، ولا شيء يؤكد عدم الجدية أكثر من الحديث عن تشكيل لجان لإنهاء الانقسام وقيادة المقاومة الشعبية، وإعادة بناء منظمة التحرير. وهذه العناوين نفسها تفضح بؤس وعجز الطبقة السياسية الفلسطينية، مع الانتباه مثلاً إلى تقديم لجنة إنهاء الانقسام وتوصياتها إلى المجلس المركزي التابع لمنظمة التحرير غير المنتخب، والذي تم تعيينه بشكل أحادي، وهو نفسه يعتبر أحد مظاهر الانقسام وترهل المؤسسات وتقادمها.

أيضا لم يكن مفاجئاً ألا يتم إعطاء الاهتمام الكافي للحزمة الانتخابية الكاملة التشريعية والرئاسية، رغم أنها المدخل الطبيعي للإصلاح وضخ الحياة والحيوية في شرايين المنظومة السياسية الفلسطينية كلها، وإنتاج قيادة ديموقراطية منتخبة "شابة" نقية من الاستبداد والفساد، قادرة على قيادة الشعب الفلسطيني والاستفادة من طاقاته الهائلة في مواجهة التحديات المطروحة.

عموماً؛ بحث الرئيس محمود عباس عن الصورة الجامعة حتى بحضور القيادة العامة والصاعقة والفصائل الهامشية الأخرى، كما جرى في لقاء مصغّر عُقد برام الله بعد الإعلان عن صفقة القرن الأميركية - كانون ثاني/ يناير الماضي - وحتى لو كان عباس محقاً وصادقاً في مواجهة الصفقة والخطة والتطبيع فهو يفكر بشكل أحادي واستبدادي، ويطالب بالاصطفاف خلفه، كما يقول حرفياً في المجالس الخاصة. هذا المنطق لم ولن يؤدي إلى نتيجة، والشعب الفلسطيني بالتأكيد بحاجة إلى تغيير في الشخوص والذهنيات والأطر ليس فقط لإفشال الخطط والمشاريع المعادية الهادفة لتصفية القضية الفلسطينية وإزاحتها عن جدول الأعمال، وإنما لتحقيق آماله الوطنية المشروعة في الاستقلال والسيادة وتقرير المصير.