لبنان في فوهة البركان.. استعصاء إقليمي وانشغال دولي

2022.05.25 | 06:21 دمشق

62836e634c59b726ad158bf4.jpg
+A
حجم الخط
-A

انتهت الانتخابات البرلمانية في لبنان وبدأت مهلة الـ 15 يوماً لانتخاب رئيس للمجلس النيابي الجديد، مع بداية ولايته، في ظلّ أجواء لا توحي حتى الآن بحصول اتفاق بين جميع الأطراف على إنجاز هذا الاستحقاق في موعده. وعلى الرغم من أنّ البعض يقول إنّ المواقف التصعيدية هي عبارة عن رفع لسقف الشروط تمهيداً للدخول في تسويات، إلّا أنّ بعض المواقف يثير مخاوف من احتمال دخول البلاد في فراغ برلماني يعقبه تلقائياً فراغ حكومي وصولاً إلى فراغ رئاسي عندما تنتهي ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون في 31 تشرين الأول المقبل.

في الوقت الذي بدأت الأزمة الاقتصادية والمالية والمعيشية تزداد تفاقماً، مع عودة ارتفاع سعر الدولار وتراجع القيمة الشرائية للعملة الوطنية، ما يزيد من المخاوف من حصول انفجار اجتماعي لا يُبقي ولا يذر، تغذّيه مواقف نارية تُطلق من هنا وهناك، تتحدث عن أنّ البلاد ذاهبة إلى مرحلة شديدة الصعوبة في حال لم تتوحد جميع القوى وتتلاقى في ورشة تنقذ البلاد مما هي فيه، وتستدرج الدعم العربي والدولي للبنان.

وما يجري في لبنان من تحيزات واحتكاكات جديدة أثار ريبة القوى الدولية والتي تعتقد أن لبنان سيدخل في "صيف سياسي حار" في ظل التعقيدات التي تسود كل الملفات الإقليمية والتي قد زادت من صعوبة أي حل للملف اللبناني.

وخاصة أن الملف النووي الإيراني، والذي انتهت التفاهمات التقنية حول بنوده، يخضع لضغوط ومناورات بين طرفيه الرئيسيين واشنطن وطهران ومن خلفه لا تخفى أصابع موسكو والتي باتت تخشى من تفاهمات نفطية على حسابها في ظل انهماكها في الحرب الأوكرانية، وعليه فإن حسابات كسب النقاط السياسية في منطقة شديدة الحساسية والتعقيد مثل الشرق الأوسط، جمّدت الإعلان عن العودة للعمل بالاتفاق النووي، في ظلّ رهان كل طرف على تجميع نقاط قوة في وجه الخصوم.

يجري نقاش فعلي مفاده أن إزالة العقوبات عن الحرس الثوري الإيراني تأتي  مقابل التزام الإدارة في طهران بوقف أي نشاط عسكري أو أمني في المنطقة

والأميركيون ومعهم كل حلفائهم باتوا يدركون جيداً أنّ إيران تعاني كثيراً من أوضاعها الاقتصادية والتي قد تنفجر في أي لحظة، خصوصاً بعد دخول النفط الروسي على خط بيعه بالطرق الملتوية وبأسعار مخفّضة، لا سيما في اتجاه الصين، ما أدّى إلى تراجع جنوني في مكتسبات الخزينة الإيرانية، وطهران بدورها تدرك أنّ مرحلة عالمية جديدة قد بدأت بعد حرب أوكرانيا واشتعال أسعار النفط والخطورة التي تحيط بأمن الطاقة في العالم، ما ضاعف من الأزمات الداخلية للإدارة الديموقراطية، وهي التي تتجّه إلى خسارة أكيدة للانتخابات النصفية. وهو ما يعني في اختصار، أنّ المرحلة هي مرحلة عضّ أصابع ومناورات وشدّ الخناق للحوار السياسي الشائك الدائر في الأروقة الخلفية والتي يلعب في ملاعبها المغلقة القطريون والعمانيون.

ويجري نقاش فعلي مفاده أن إزالة العقوبات عن الحرس الثوري الإيراني تأتي  مقابل التزام الإدارة في طهران بوقف أي نشاط عسكري أو أمني في المنطقة وتحديداً ضد حلفاء الولايات المتحدة السعودية وإسرائيل، لكن ثمة ما هو أعمق من هذه الاتفاقات والسياقات، فهناك رغبة أميركية باتت واضحة لإعادة ترتيب المرحلة القادمة بما يتناسب مع الانسحاب الأميركي الجزئي من المنطقة، وهو ما يجعل من زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن الأولى وربما الأخيرة إلى الشرق الاوسط في النصف الثاني من حزيران، محطة جديدة لإحداث خرق في التوازنات القائمة، يجري خلالها خلق توازنات جديدة في تلازم جديد بين الانسحاب العسكري والحفاظ على النفوذ والقدرات، من خلال خطة إعادة توزيع أدوار جديدة تكون السعودية وأشقاؤها الخليجيون جزءا رئيسيا منها وهذا ما يبدو بغض الطرف الأميركي عن مشاهد المصالحات وجلسات الحوار بين السعودية وإيران وبين تركيا والدول العربية.

لذا فإن الزيارة ستشمل في طبيعة الحال المملكة العربية السعودية، حيث سيلتقي ولي العهد محمد بن سلمان ما سيضفي على الرجل شرعية داخلية وخارجية، وهذه الزيارة سيجري التمهيد لها بزيارات تشمل وزراء من الإدارة الأميركية واستبقت بزيارة لنائب وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان إلى واشنطن، بهدف إجراء ترتيبات وتحضيرات أساسية، وزيارة بايدن ستشمل دولا عربية كقطر بالإضافة لتركيا ولقائه الرئيس رجب طيب أردوغان والذي تلعب بلاده أدوارا أساسية في أزمات وحروب المنطقة.

لذا فإن الملف اللبناني سيكون ملفاً ثانوياً إذا ما انتهت التفاهمات الدولية والإقليمية سريعاً وسيتجه الواقع اللبناني إلى مزيد من التعقيدات في ظل الكباش الحاصل منذ انتهاء الاستحقاق الانتخابي، وعلى الرغم من نتائج الانتخابات التي حصدت بها قوى المجتمع المدني والتغيير أرقاماً ونتائج يبنى عليها، إلا أن هناك مخاوف من المسار الذي تسلكه التحولات المحلية والإقليمية، والأساس أن النتائج التي أفرزتها الانتخابات باتت تعبّر عن تغيير كبير في مزاج اللبنانيين منذ ثورة 17 تشرين 2019 وما تمخض عنها وترجم في الواقع السياسي والشعبي.

بالمقابل سيكون اللبنانيون أمام مسارين جديين الأول، محاولة القوى السياسية التقليل من أهمية ما حققته الانتخابات من فوز لقوى التغير والاعتراض، ومحاولتها الاستمرار في اتباع نفس الأداء السياسي الذي صاغته منذ العام 1992 إلى اليوم، والهدف من ذلك إحداث إحباط لبناني عام وتعطيل قدرة القوى التغييرية على إحداث تحولات في مسار البلاد السياسي. والأكيد أنه يجري تحضير مطبات سياسية ودستورية لتوريط القوى التغييرية فيها. ويبدأ ذلك بإبقاء الانقسام السياسي دائرًا على عناوين لا مجال للاتفاق عليها كشكل النظام والسلاح غير الشرعي.

وهذه الأزمات المفتوحة والاضطرابات المتوقعة تعني أنّ أمام لبنان أشهرا صعبة، وهو ما باتت القوى الدولية تتحدث عنه وتحديداً المسؤولين الموكلين بالملف اللبناني في الإدارة الأميركية، ومن المرجح أنّ الاستعصاء السياسي سيتحول إلى أزمات مفتوحة شبيهة بالسيناريو العراقي، لا سيما حول ملف تشكيل أي حكومة جديدة ومنتظرة والتي ستوكل إدارة فترة الفراغ الرئاسي، وحزب الله ومن خلفه رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل ورئيس مجلس النواب نبيه بري يطالبون بحكومة سياسية ليكون باسيل وزير داخليتها أو خارجيتها، وهو يريد مع الحزب إياه العودة لطاولة مجلس الوزراء عبر حكومة سياسية في ظل كل المؤشرات التي توحي باستحالة انتخابه لرئاسة الجمهورية، لكنّ هناك رفضا أميركيا واضحاً لهذا المسار.

وعليه وربطاً بما أشار إليه المحلل السياسي جوني منير قبل أيام، فإن الولادة الحكومية ستكون متعذّرة، ومعها لن تكون هنالك مساعدات للبنان، وحتى الكهرباء ستزداد سوءاً، إلى جانب انهيارات جديدة للعملة اللبنانية، وبالتالي ازدياد حال المعاناة المعيشية. وهذا الاتجاه الانحداري قد لا يوقفه سوى إعادة تركيز الصورة الإقليمية، ما سيسمح للفرنسيين بإطلاق مبادرتهم تجاه لبنان، والتي يحضّرون لها بالتفاهم مع الأميركيين. وقد يكون الانزلاق أكثر في اتجاه الانهيارات الطريق الملائم ربما، أمام ترتيب التسويات لاحقاً. وهو ما يعني أنّ لبنان سيكون في صلب سياسة عضّ الأصابع الدائرة في المنطقة.

سيكون خطراً أن يراهن فريقا الصراع اللبناني على حلول خارجية كبيرة في هذه المرحلة الحسّاسة، لأنّها مرحلة مجهول سياسي

في النهاية تنتظر كل القوى السياسية التقليدية والجديدة صورة الاتفاق الكبير  الإقليمي والدولي ليحدّدوا مساراتهم، تسوية أو معركة. لكن التطورات الجارية على امتداد العالم من حرب أوكرانيا إلى الاغتيالات في إيران والتطورات في سوريا إلى الكباش الصيني – الأميركي تشير إلى أزمات مفتوحة لبنانياً وإقليمياً، ولذلك، سيكون خطراً أن يراهن فريقا الصراع اللبناني على حلول خارجية كبيرة في هذه المرحلة الحسّاسة، لأنّها مرحلة مجهول سياسي، وسيكون على الكتل السياسية الجديدة إيجاد حلولهم المحلية السريعة والذهاب فوراً إلى حوار وتفاهمات حقيقية وحاسمة ويكون عنوانها خلق فرص جديدة للبنان بعيداً عن الأزمة الخارجية.