لبنان في فخ التنقيب الإسرائيلي.. المجهول حكومي وميداني

2022.06.09 | 07:30 دمشق

e6dfd478-c28f-11e8-95b1-d36dfef1b89a.jpg
+A
حجم الخط
-A

عاد ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان ودولة الاحتلال الإسرائيلي إلى الواجهة فجأة في عطلة نهاية الأسبوع، مثيراً كثيراً من التوقعات والاحتمالات حول نشوب حرب بين لبنان وإسرائيل، وذلك في ضوء دخول السفينة الألمانية "إينرجين باور" المنطقة المتنازع عليها في الحدود البحرية الجنوبية، وهي تضمّ وحدة إنتاج الغاز الطبيعي وتخزينه، ما استدعى استنفاراً لبنانياً على كل المستويات، لمواجهة هذا الاعتداء الإسرائيلي على حقوق لبنان، خصوصاً أنّ السفينة ستنقّب عن النفط والغاز لمصلحة إسرائيل في حقل كاريش والذي للبنان حصة كبيرة فيه. وقد شملت الاتصالات بعض عواصم القرار والأمم المتحدة.

 في وقت يتمّسك لبنان بحقه في ثرواته ومياهه بدءاً من الخط 29، وإن كان البعض يعتبره خط تفاوض. وأشاعت هذه التطورات أجواء ترقّب ما سيكون عليه ردّ لبنان وطبيعة هذا الردّ، وما يمكن أن يكون عليه ردّ فعل إسرائيل التي تتجاهل المطالب والحقوق اللبنانية منذ بداية المفاوضات غير المباشرة معها برعاية الوسطاء الأميركيين المتعاقبين، من فريدريك هوف إلى الوسيط الحالي عاموس هوكشتاين.

تتكثف الأحداث لتؤشر إلى أن المنطقة تشهد مرحلة جديدة من مراحل تجميع الأوراق، ما قد يفتح المنطقة على سيناريوهات خطرة أو متفجرة

وهذا التطور البحري بين الجانبين يأتي متزامناً مع تحديات كبرى تشهدها منطقة الشرق الأوسط والتي يخيم عليها مزيد من التوترات ربطاً بالاستعصاء في آفاق التفاوض حول الاتفاق النووي بين واشنطن وطهران على خلفية رفض إدارة بايدن على أعتاب انتخابات الكونغرس والشيوخ رفع الحرس الثوري الإيراني عن لوائح العقوبات، يقابله عدم تحقيق تقدم في الحوار بين الرياض وطهران، المتزامنة مع محاولات تحسين العلاقات السعودية الأميركية والزيارة المرتقبة للرئيس الأميركي للسعودية ولقائه الملك سلمان وولي عهده محمد بن سلمان ما يعني تكريساً للأخير في المعادلات الكبرى.

وتتزامن كل هذه التطورات مع مناورات عسكرية إسرائيلية على حدود لبنان، ومناورات جوية في قبرص. تتكثف الأحداث لتؤشر إلى أن المنطقة تشهد مرحلة جديدة من مراحل تجميع الأوراق، ما قد يفتح المنطقة على سيناريوهات خطرة أو متفجرة. يضاف إلى ذلك العمليات الأمنية التي تستمر إسرائيل بالقيام بها في داخل إيران وتنفيذ أربع اغتيالات بحق ضباط في الصف الأول في الحرس الثوري الإيراني وفي مشروع تطوير الصواريخ الإيرانية.

وقبل أسابيع قليلة من هذا التصعيد المفاجئ، كادت الأمور أن تصل إلى فصولها الأخيرة في مناقشات فيينا بدليل أن الفريق اللوجيستي للحوار الدائر في فيينا كان قد حجز قاعة توقيع الاتفاق بين الجانبين، وفق معادلة كانت تقول إن بايدن كادَ أن يرفع الحرس الثّوريّ الإيرانيّ عن لوائح الإرهاب. لكن الحراك الجمهوري معطوف على اتصالات ديمقراطية حال دون ذلك وأعادت الأمور للمربع الأول، وسعى الجمهوريّون بكامل قواهم التشريعيّة والسّياسيّة ومعهم كثير من الدّيمقراطيين لوقف فصول الاتفاق عند هذا الحد، أما حلفاء واشنطن العرب والإسرائيليون والأتراك فعملوا على عقد قممهم وسعوا لتجميع قواهم وفق نظرية إحداث توزان سياسي وعسكري على شكل مؤتمرات وقمم بين شرم الشيخ وجدة والنقب والعقبة.

وعليه نجحَت الضّغوط في وقف حماسة الإدارة الأميركية عن توقيع الاتفاق النّووي، ولا يمكن إغفال العنصر الإسرائيلي عبر المجهود الاستخباراتي والسياسي، والتي سعت للحد من اندفاعة الفريق الأميركي الموكل بالاتفاق،  عبر تقاريرها الاستخباريّة والتي كان عنوانها الرئيس أن الإيرانيين لن يغيروا سلوكهم النّوويّ ولا الصّاروخيّ ولا الأمني في المنطقة، وعمل مُستشار الأمن القوميّ الإسرائيلي إيال حولاثا على إقناع نظيره الأميركيّ جاك سوليفان عن وجود أدلّة لا تقبل الشّك على أنّ إيران ماضية قُدُماً في تطوير موادّها النوويّة والتي تُستعمل في صناعة قنبلة نوويّة واحدة على الأقلّ، غير آبهةٍ بمفاوضات فيينا.

وهناك مؤشرات توحي أن بايدن وخلال زيارته المرتقبة للمنطقة سيرعى تحالفاً إقليمياً عسكرياً يهدف إلى حماية دول المنطقة من الصّواريخ الدقيقة والمُسيّرات الإيرانيّة، وسيكون لواشنطن اليد الطولى به وسيضمّ الحلف الذي سيدير منظومات الدّفاع الجوّي: السّعوديّة، الإمارات ومصر، والأردن والبحرين وإسرائيل، بالمقابل يسعى سولوفان وبيرينز لإقناع الأتراك والقطريين بالانضمام لكن لا معطيات توحي بذلك حتى اللحظة.

بالمحصلة يقف لبنان على مفترق طرق خطير ويترقب ردود الفعل المنتظرة من القوى الدولية، فحزب الله ألزم نفسه بموقف يوجبه منع إسرائيل من التنقيب عن النفط في المنطقة التي يعتبرها متنازعا عليها مع لبنان، وعملية تثبيت الباخرة وصولاً إلى البدء بالحفر والتنقيب تحتاج إلى ثلاثة أشهر أو ربما أكثر، لذا فمن غير المعروف بعد كيف سيتعاطى الحزب مع هذا التحدي، وهناك العديد من التساؤلات حول ضغوط سياسية بهدف دفع رئيس الجمهورية ميشال عون وحكومة تصريف الأعمال إلى إرسال رسالة جديدة لتعديل المرسوم 6433 واعتماد الخط 29 لصالح لبنان بدلاً من الخط 23 والذي يسوقه الوسيط الأميركي.

يعتبر لبنان أن منطقة الخط 29 هي المنطقة المتنازع عليها، بالنسبة لإسرائيل فإن المنطقة المتنازع عليها هي المنطقة التي حددها الوسيط السابق السفير فريدريك هوف، أي ما بعد الخطّ 23 باتجاه الشمال

وهذا الأمر وحده سيحيل المسألة إلى منطقة التنازع باعتراف الأمم المتحدة، وهو يوجب إسرائيل على وقف أي عمليات فيها. يندرج في هذا السياق احتمال آخر، وهو أن يتحرك المبعوث الأميركي لشؤون أمن الطاقة العالمي آموس هوكشتاين سريعاً باتجاه لبنان للبحث عن صيغة ترضي الطرفين. بالتوازي فإن حزب الله يسوق سرديته منذ الأمس، وهي أنه يقف خلف قرار الدولة اللبنانية، ولكنه وفي حال عدم اتخاذها أي موقف عملي، فإنه سيلجأ للحلول العسكرية، خصوصاً إذا ما تخطت باخرة الحفر المنطقة المتنازع عليها، وهي حركة قابلة لتفجير المنطقة، في ظل التطورات الساخنة في الإقليم وفيما يعتبر لبنان أن منطقة الخط 29 هي المنطقة المتنازع عليها، بالنسبة لإسرائيل فإن المنطقة المتنازع عليها هي المنطقة التي حددها الوسيط السابق السفير فريدريك هوف، أي ما بعد الخطّ 23 باتجاه الشمال.

غير أنّ هذه التطورات لم تحجب الاهتمام بالاستحقاقات الداخلية، ولا سيما منها الاستحقاق البرلماني، الذي يُستكمل غداً بانتخاب أعضاء اللجان النيابية ورؤسائها والمقرّرين، ثم استحقاق التكليف والتشكيل الحكومي، وصولاً إلى استحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية الذي تبدأ مهلته الدستورية مطلع أيلول المقبل، وهناك ميل لدى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وفريقه إلى بقاء نجيب ميقاتي في رئاسة الحكومة، ويبدو أن باريس حصلت على دعم أولي من إدارة الرئيس جو بايدن حول توسيع رقعة نشاطها في الملفات الأكثر عمقاً في لبنان، وخاصة أن الإدارة الأميركية انتهت في تقييم الواقع اللبناني منذ تشكيل حكومة ميقاتي إلى نتائج الانتخابات البرلمانية وخلصت إلى أنها وكل المجتمع الدولي باتت تفترض أن تركيبة حكومة ميقاتي لا تشكل عنواناً للانقسام الحاد حتى ولو بقيت قوى الاعتراض خارجها وتحديداً القوات اللبنانية وقوى التغيير.

فيما الموقف السعودي لايزال نفسه بعدم إعطاء أي شخصية سنية غطاء سعوديا وخليجيا طالما أن شكل الحكومات هو نفسه، مشاركة حزب الله والتيار العوني في اللعبة الحكومية، لذا سعى ميقاتي للاستفادة من علاقاته مع الكويت وقطر لاستمالتهم لإعادة تكليفه إلا أنه توصل لنتيجة أن الموقف الخليجي متماسك حيال لبنان، فيما الموقف السعودي مرتبط بجلاء غبار المعارك الإقليمية ابتداء من فيينا وليس انتهاء بانتظار النهايات السعيدة لزيارة بايدن المرتقبة للمنطقة وشكل العلاقة المستقبلية بين واشنطن والرياض وأخيراً مستقبل الحوار السعودي-الإيراني وما قد يتمخض عنه من تفاهمات في اليمن والعراق ومستقبلاً سوريا ولبنان.