لبنان بين الإصلاح والتغيير

2022.05.14 | 06:56 دمشق

505631-1045042844.jpg
+A
حجم الخط
-A

يعيش اللبنانيون، هذه الأيام، بمختلف انتماءاتهم السياسيّة حراكاً سياسيّاً واسعاً لإجراء الانتخابات النيابية داخل لبنان وخارجه، خلال الفترة ما بين 9 و15 الشهر الجاري.

غير أن الحماس الذي تبديه النخب السياسيّة يوازيه إحباط شعبي يمكن نسبته إلى خيبة أمل النّاس بالمنظومة السياسيّة المتّهمة بالتقصير أحياناً، وبالفساد أحياناً أخرى في ظل واقع لبناني صعب، يشهد تدهورا في سعر صرف الليرة اللبنانيّة، إضافة إلى أزمات كبرى عانى منها لبنان خلال السنوات القليلة الماضية، كتداعيات انفجار مرفأ بيروت، وإفلاس البنك المركزي.

ينتمي النظام السياسي اللبناني الحالي إلى مخرجات الحرب الأهليّة اللبنانيّة (1975 – 1990) وتناقضاتها، وما أعقبها من اتفاق في مؤتمر الطائف عام 1979 الذي جمع الفرقاء المتصارعين وحثّهم للتوقيع على: "وثيقة الوفاق الوطني" أو ما بات يُعرفُ فيما بعد بـ "اتفاق الطائف" الذي نصت المادة الخامسة منه على:

(- إلى أن يضع مجلس النواب قانون انتخاب خارج القيد الطائفي، توزع المقاعد النيابية وفقاً للقواعد الآتية:

– بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين.

– نسبياً بين طوائف كل من الفئتين...) فقسّم لبنان بين زعماء الحرب الأهليّة!

ما الذي سيدفع زعماء الحرب الأهلية بعد أن أصبحوا زعماء رسميين وقانونيين باسم طوائفهم.. إلى التخلي عن كل هذه المكتسبات والسماح للحالة الطائفية بالتلاشي لصالح المجتمع المدني؟!

ورغم أن الوثيقة ذاتها حملت دعوة إلى تجاوز الاقتسام الطائفي والتوجه نحو المدنيّة، إلّا أنّ تعاقب السنوات أثبت أنّ ذلك التفاؤل لم يكن وراءه ما يبرّره!

إذ ما الذي سيدفع زعماء الحرب الأهلية بعد أن أصبحوا زعماء رسميين وقانونيين باسم طوائفهم.. إلى التخلي عن كل هذه المكتسبات والسماح للحالة الطائفية بالتلاشي لصالح المجتمع المدني؟!

ولمعرفة القوى السياسية اللبنانية يكفي أن يعرف الباحث عدد الطوائف والأديان، ثم يضرب العدد باثنين، أو ثلاثة. ليحصل على نتيجة مقاربة للواقع كثيرا:

فللمسيحيين أحزابهم المعروفة: حزب الكتائب اللبنانية بزعامة سامي جميّل. والتيار الوطني الحر بزعامة ميشال عون. وتيار المردة برئاسة سليمان طوني فرنجيّة. القوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع.

وللسنّة: تيار المستقبل بزعامة سعد الحريري

وللشيعة: حزب الله بزعامة حسن نصر الله. وحركة أمل بزعامة نبيه برّي..

أمّا الدروز فلهم: الحزب التقدمي الاشتراكي بزعامة ​وليد جنبلاط​. والحزب الديمقراطي بزعامة ​طلال أرسلان​. وحزب التوحيد بزعامة وئام وهّاب.

أما الزعامات السياسية فمنها ما تنتمي إلى عائلات عريقة حصلت على امتيازات سياسيّة منذ نهايات العهد العثماني، فتوارثتها. ومنها ما حصل على امتيازه السياسي بناء على مخرجات الحرب الأهليّة وتوافق الدول على إنهائها. وعلى نهج العائلات السابقة فالتوريث مستمر بشكل وبآخر!

إذن فليس مستغرباً أن يرث سامي جميّل جدّه بشير جميّل، ولا أن يرث سعد الحريري والده رفيق الحريري، ولا أن يستعد تيمور جنبلاط ليرث أباه وليد وجدّه كمال.. ثمّة تقليد متّفق عليه!

حتّى رئيس الجمهوريّة ميشال عون الذي ليس لديه أولاد ذكور ليورثهم فإن أصهرته: "روكز" يستعد لتولي قيادة الجيش، وجبران باسيل يصبو إلى خلافة عون في رئاسة الجمهوريّة!

لا شيء يلفت للنظر في السلوك المحلّي لتلك القوى، إلا أنّها انقسمت على نفسها بعد قضاء رئيس الوزراء الأسبق "رفيق الحريري" بتفجير مدبّر عام 2005، فمالت قوى 14 من آذار نحو المعسكر الغربي، وقوى 8 من آذار نحو إيران.

وفي إطار الانتخابات الأخيرة التي يغيب عنها "تيار المستقبل" ألقى حسن نصر الله في واحدة من مطوّلاته أمام من سمّاهم (بيئة المقاومة)، خلال "المهرجان الانتخابي 2022 (الجنوب)" فتحدّث خلال الكلمة عن طبيعة النظام السياسي الطائفي في لبنان، بل وحذّر من المساس بهذه المحاصصة، واللافت للغاية أنّه اعتبر "النظام الطائفي" بمثابة "الدولة" في مغالطة يعيب اعتبارها بريئة!.

قال حسن نصر الله في إطار حديثه عن طبيعة النظام اللبناني: (نحن نؤمن.. أن لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه، في حدوده الحالية المعروفة.. عندما يكون لنا ولكن يجب أن تكون لنا دولة، ويجب أن يدون لدينا "نظام" وسلطة ومؤسّسات دولة..)  وحتّى تتضح المغالطة التي قام بها نصر الله يضيف في السياق ذاته: (لأن البديل عن الدولة وعن النظام هو الفوضى، هو التسيب، هو الضياع، هو فلتان الأمن..).

بالنسبة لي كسوري فقد شعرت أنّي أستمع إلى إحدى تحذيرات بشار الأسد، أو أحد مسؤوليّه في 2011.

وفي السياق ذاته حاول نصر الله أن يبرّر وجود حزبه خارج الدولة بالقول: (نحن لا نطرح إسقاط الدولة/ النظام.. بل هدفنا الإصلاح).

الحقيقة أن الدعوة التي صدحت بها حنجرة السيّد حسن أمام (بيئته المقاومة) بتأكيده على لـ (المشاركة السياسيّة والإصرار على المشاركة) يمكن قراءتها باعتبارها رسالة إلى النّخب السياسيّة الأخرى، لا إلى المواطنين اللبنانيّين، ولا حتّى لحاضنته الغائبة عن الوعي! إذ أنّ النخب السياسيّة اللبنانيّة تعتاش، بنسبة كبيرة، على التناقضات المذهبيّة والدينيّة بين اللبنانيين.

أمّا سلطة تلك النخب، وما يؤمّن لها دورا مستمرّا فهو ولاؤها إلى دول أخرى داعمة لفئة من اللبنانيّين على حساب فئة، وهذا ما قاله لسان حال حسن نصر الله بينما كان لسانه يحاول تبرير علاقته بإيران: (دون أن نصبح أدوات.. نحن شركاء مع الولي الفقيه)!

تؤلف النخب السياسية، المذكورة آنفاً، منظومة السلطة والمعارضة، وتتنافس في الانتخابات النيابية الأخيرة، وكل انتخابات، بشعارات إصلاحيّة، تؤكّد على رفض الواقع وتدعو إلى إصلاحه، بما يوحي بعدم مسؤوليّتها عن فساد الواقع!

يمكن اعتبار شعار "الإصلاح" الذي لا يكاد يخلو منه خطاب لسياسي لبناني تقليدي، يقابل شعار "التغيير" الذي رفعته قوى مدنيّة، صدحت حناجرها في 2019

لا شك أن مصلحة الطبقة الحاكمة ومعارضتها تتضمن الحفاظ على الاقتسام الطّائفي للتمثيل السياسي، في حين أن مصلحة المواطن المدني ستبقى، كلّ مرّة، رهن الانتظار في أن يصلح السياسيّون ما لا مصلحة لهم بإصلاحه!

ربّما يمكن اعتبار شعار "الإصلاح" الذي لا يكاد يخلو منه خطاب لسياسي لبناني تقليدي، يقابل شعار "التغيير" الذي رفعته قوى مدنيّة، صدحت حناجرها في 2019 بمقولة: (كلن يعني كلن). ويحاول هذا التيار المدني أن يكسر الاستقطاب الذي أحدثته وتحدثه الخطابات الفئويّة للسياسيين اللبنانيّين عادة. ورغم أنّ هذه القوى المدنيّة ستدخل الانتخابات لنيل مقاعد مخصّصة طائفيّاً لكنها قوى تشدّد على الخطاب الوطني وهذا ما تشير إليه أسماء لحركات أو مجموعات تعود إلى الحراك المدني مثل: "مواطنون ومواطنات في دولة" أو ائتلاف "كلنا وطني".

أخيرا فقد يكون من مصلحة المجتمع المدني السوري أن يتمنى التوفيق لمثل تلك القوى.