لبنان إذ ينتظر تشرين.. فراغ وتسويات ومعركة أرقام

2022.10.06 | 06:36 دمشق

لبنان إذ ينتظر تشرين.. فراغ وتسويات ومعركة أرقام
+A
حجم الخط
-A

ستخضع الجلسة الأولى لانتخاب الرئيس التي عُقدت الخميس المنصرم لكثير من التدقيق والتحليل. وهي عملية وضعت على نار حامية، تجاوزت الأرقام التي انتهت إليها، لتشمل قراءة موازين القوى وفرزها وكل ذلك يجري مع دخول البلاد الشهر الأخير من العهد، وما يحمله من استحقاقات كبرى، ما يسمح باحتمال وقوع حرائق بالجملة.

وعلى وقع مجريات الجلسة الأولى لانتخاب رئيس جديد للبلاد، هناك تحليلات متعددة، تبدأ من سعي أطراف متعددة إلى تحقيق ضربات في مرمى خصومها، وكان أبرزها ترشيح ما تطلق على نفسها "القوى السيادية" لميشال معوض والتصويت له من قبل حزب القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي وحزب الكتائب، ونواب مستقلين من المسلمين والمسيحيين.

المملكة حددت عنوان مواجهتها في لبنان وهو بالتشدد في الحفاظ على الاتفاق والتمسك به، بالإضافة إلى البيان السعودي الفرنسي الأميركي المشترك والذي أتى على ذكر التضامن حول الطائف ومخرجاته

وليس مصادفة أن يتوافق هؤلاء رغم اختلاف تقاطعاتهم على معوض، والأساس أنها رسالة سعودية لحزب الله والتيار العوني أنه متمسك بصيغة اتفاق الطائف والذي يمثل معوض رمزية له بكون والده هو أول رئيس أنتجه اتفاق الطائف، وخاصة أن المملكة حددت عنوان مواجهتها في لبنان وهو بالتشدد في الحفاظ على الاتفاق والتمسك به، بالإضافة إلى البيان السعودي الفرنسي الأميركي المشترك والذي أتى على ذكر التضامن حول الطائف ومخرجاته، وبقاء الاتفاق سالماً، معافى، محمياً من أي محاولة لضربه أو تطويره أو تعديله هو الشرط الذي تفرضه السعودية على أي مرشح رئاسي، لكي تؤمن غطاءها السياسي، ومشاركتها في تسوية انتخابه، والسفير السعودي في لبنان وليد البخاري والذي استدعي منذ يومين إلى التشاور في الرياض، حريص على تذكير كل من يلتقيهم بأن الطائف بات المؤشر.

بالتوازي وعلى خط تشكيل الحكومة وعقب الحديث عن انفراجة حكومية قادها الحزب بغية منع أي تطور ميداني بعد 31 تشرين الأول، بدت شروط عونية جديدة تتعلق بالتفاهم حول الحكومة، وعون يريد توسيع دائرة الوزراء المطروحين للتغيير ليصل العدد إلى أربعة، لكن ما استجد ذهب أبعد بكثير، ووضع علامات استفهام جدّية حول إمكانية حصول ولادة سهلة للحكومة. ففي الكواليس كلام من أنّ جبران باسيل أبلغ حزب الله أنّه وافق على استحياء على تجاوز مطلبه بإضافة 6 وزراء دولة من السياسيين، لكنه اليوم مصرّ على مطلبه بتبديل 5 وزراء من حصته، 4 مسيحيين وخامس سنّي، واستبدالهم بخمسة أسماء مسيحية، وعدّد باسيل أسماء الوزراء الخمسة التي ينوي استبدالها.

ومرد إلى ذلك أن باسيل يريد حصة صلبة تتجاوز العشرة وزراء، وهو بذلك يريد ضمان موقعه وقوته في مساحة القرار خلال فترة الشغور الرئاسي، وإذا لم يتحقق هدفه ورفض رئيس الحكومة مطلبه، فإنّ باسيل سيعمد إلى رفع مستوى المواجهة والتشكيك بشرعية حكومة تصريف الأعمال ودستورية تسلّمها مقاليد السلطة، وبالتالي اللعب على خطاب غرائزي هدفه إعادة شدّ العصب المسيحي للمزايدة على القوات والكتائب.

وليست هذه الورقة الوحيدة التي يطمح باسيل من خلال الإمساك بها إلى إعادة تحصيل مكاسب سياسية وشعبية، بل هنالك ورقة ضغط تنسحب على الطلب من مناصريه النزول للشارع. وهو يسعى لتحركات شعبية تواكب انتهاء ولاية رئيس الجمهورية، وتتنوع هذه التحركات بين انتشار على الطرق وإقامة تجمعات ما بين بيروت والمناطق، على الرغم من نصائح حزب الله وصلته بخطورة النزول إلى الميدان بما تؤدي إلى سقوط دماء، والشواهد البعيدة والقريبة كثيرة آخرها الطيونة منذ عام.

على خط موازي يعمل حزب الله على إيجاد صيغ تصالحية بين حليفيه سليمان فرنجية وجبران باسيل، وهو يجري مشاورات لم تنته إلى ما تريده قيادة الحزب من أجل ترميم العلاقات بين التيار العوني وتيار المردة، على الرغم من الجهود التي بذلها الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله منذ فترة أعقبت الانتخابات النيابية كذلك جهود المخابرات السورية على خط آخر.

فقد كان من المرجح أن تقود هذه المصالحة التي جُنّدت لها كل الطاقات، إلى استكمال البحث عمّا يؤدي إلى تكوين الأكثرية النيابية، كتلك التي انتهت إليها انتخابات رئيس مجلس النواب نبيه بري ومن بعده نائبه إلياس بوصعب، بغية الوصول إلى النصف زائداً واحداً، متى استحقت الخطوة المؤدية إلى هذه المرحلة في توقيت دقيق قد يكون محتملاً إن نجحت الاتصالات الخفية في استقطاب كتلة نيابية سنية وتحديداً قدامى تيار المستقبل، تُضاف أصواتها إلى مجموعة من النواب المستقلين، للفوز بالموقع الأول في أي وقت يمكن قد تفشل فيه الصفقات الداخلية والخارجية.

ولا يخفي الحزب انفتاحه على إجراء تسوية وهو ما قاله محمد رعد رئيس كتلته لوفد نواب التغيير إن مروحة الحزب تبدأ بزياد بارود ولا تنتهي بقائد الجيش جوزيف عون والذي تفضله أطراف خارجية كواشنطن والدوحة وقد تنضم الرياض، وداخلية كاستعداد القوات والكتائب وبعض السنة للمضي به.

ويبدو أيضاً أن هناك سعياً من السعودية إلى كتلة صلبة من النواب للتصويب كثلث معطل لمساعي الحزب، ومنعه من انتخاب شخصية متحالفة معه أو يريد إيصالها لرئاسة الجمهورية. وهذا مسار مستمر منذ أشهر، وبذلك يبقى الثلث المعطل الذي حصل عليه مرشح حلفاء السعودية ميشال معوض بحاجة إلى بضع نواب لتحقيق الهدف الأبعد من خلق هذا الثلث وهو محاولة إعادة إنتاج توزان سياسي مستند على كتلة صلبة ما يوجب البحث عن قواعد جديدة لإنتاج تسوية رئاسية، وهذه المناورة أعادت منح حزب الله ورقة قوة رئاسية في قدرته على تحشيد أكبر قدر من النواب لاحقاً.

المقترح يحفظ للبنان حقوقه في حقل قانا والخط الحدودي البحري 23 والحقول الغازية كاملة، وسيكون بإمكان شركة توتال البدء بالتنقيب عن الغاز في الحقول اللبنانية

ويبقى الاستحقاق الأبرز قبل نهاية تشرين الأول هو ترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل، فالإسرائيليون يقولون إنّهم يريدون اتفاق الترسيم خلال الأسبوعين المقبلين، وفي أي حال خلال الشهر المقبل، والسفيرة الأميركية التي سلمت الرؤساء الثلاثة وقيادة الجيش الرد الإسرائيلي الذي استحصل عليه آموس هوكشتاين أكدت لمن التقتهم أن الرد إيجابي جداً وأن المقترح يحفظ للبنان حقوقه في حقل قانا والخط الحدودي البحري 23 والحقول الغازية كاملة، وسيكون بإمكان شركة توتال البدء بالتنقيب عن الغاز في الحقول اللبنانية، وان المقترح لا يتضمن أي ترابط بين الحدود البرية الجنوبية والحدود البحرية.

والتطورات الأخيرة التي عطّلت خط الإمداد نورد ستريم 2، يجد الإسرائيليون أنّ الفرصة سانحة لدخولهم بقوة إلى سوق الغاز الأوروبية، وهم لذلك يريدون الإسراع في بدء التنقيب في كاريش وأما السلطة في لبنان فلا تبدو معترضة على هذا الاستعجال، لضرورات الاستحصال على مبالغ مالية كبيرة بطريقة سهلة، بدلاً من تقديم التضحيات من أجل الحصول على مبالغ صغيرة من صندوق النقد.