لافروف في عمّان وعينٌ على الجنوب السوري

2022.11.07 | 05:26 دمشق

لافروف في عمّان وعينٌ على الجنوب السوري
+A
حجم الخط
-A

زار وزير الخارجيّة الروسي سيرغي لافروف يوم الخميس في 3/11/2022 العاصمة الأردنية عمّان ضمن أجواء معقّدة دولياً وإقليمياً. في الضفة الغربية يتصاعد الحراك الفلسطيني المناهض للاحتلال الإسرائيلي، وينجح تحالف أقصى اليمين في الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية، مما يسمح لنتنياهو بالعودة للحكم مدججاً بالمتطرفين من أحزاب تحالف الصهيونية الدينية وشاس وويهودوت هتوراه. وعلى الحدود الشمالية للملكة الأردنية الهاشمية تتصاعد عمليات تهريب المخدرات التي تقودها ميليشيات مدعومة إيرانياً بعلم مخابرات نظام الأسد ومساعدتها. تناول الملكُ الأردني كلا الموضوعين عند لقائه الوزير الروسي، وأكّد وزير خارجيته أنّ الوضع في الجنوب السوري يشكّل تهديداً للأمن الوطني الأردني، وأنّ الوجود الروسي هناك كان عامل استقرار، وأشار إلى أنّ بلاده تسعى لبلورة دور عربي جماعي لحل الأزمة السورية.

داخلياً في سوريا، تزداد حالة الانفلات الأمني حدّة في عموم مناطق الصراع، مما يؤثّر في مجمل حياة السكان، ليس فقط من نواحٍ سياسية واجتماعية، بل واقتصادية أيضاً. فاقتصاد المناطق المنعزلة لا يسمح بخطّة شاملة تأخذ لوازم البقاء والاستمرار بعين الاعتبار، مما يسبب تدهوراً اقتصادياً مستمراً يُترجم بانحدار قيمة العملة السورية وارتفاع الأسعار الجنوني. تسحقُ ظروف الواقع المعيشي الرهيب السوريين والسوريات، مما يؤدي إلى تهيئة بيئة مناسبة لاستغلال الشباب السوري في مجالات التطرف والإرهاب والجريمة المنظمة، كما يسبب تزايداً هائلاً في عمليات الهجرة خارج سوريا، ويفاقم بالتالي مشكلات الهجرة واللجوء التي تعاني منها دول الجوار القريبة والبعيدة حتى.

الحليف الإيراني للنظام هو الأكثر سعادة بهذا الواقع، إنّها بيئة مناسبة لاستكمال عمليات التجريف الديمغرافي بعمليات هجرة شبه طوعية أو تهجير شبه إجباري

مع مرور الأعوام، يزداد تشابك خيوط العلاقات والمصالح بين الأطراف الفاعلة في سوريا، يتأجّل الحلّ السياسي تبعاً لتناقض المصالح هذا، فتوضعُ المأساة السورية على الرف لحين نضوج الظروف لحلّها. تلعب الأطراف الأكثر هيمنة على القرار الداخلي السوري دوراً كبيراً في استدامة الأزمة. فرأس النظام لا يهمّه سوى البقاء في سدّة الحكم، والنظام ذاته، كمنظومة فساد واستبداد تقتات على دماء الشعب، غير معني بتغيير الحال إطلاقاً، لأنّ ما توفره له بيئة الأزمة مناسب تماماً لبقائه، فهو غير معني بتلبية أيّة احتياجات للسكان، ولا يهمّه من الدولة سوى جهاز القمع القادر على استخدامه لاستدامة إحكام قبضته، أما عمليات ابتزاز المواطنين في الداخل والخارج وإفراغ جيوبهم، فهي كفيلة بإبقاء مؤسسات الدولة عاملة بالحد الأدنى الذي يمنع انهيارها أمام المجتمع الدولي.

الحليف الإيراني للنظام هو الأكثر سعادة بهذا الواقع، إنّها بيئة مناسبة لاستكمال عمليات التجريف الديمغرافي بعمليات هجرة شبه طوعية أو تهجير شبه إجباري، وبالتالي تهيئة الظروف الأكثر ملاءمة لبناء الشبكات المحلية التابعة، ليس عسكرياً وأمنياً فقط، بل اجتماعياً وثقافياً من خلال عمليات التشييع الممنهجة. يصبّ هذا في خانة اختراق المنطقة بعمومها وصولاً إلى استكمال طوق الحصار على دول الخليج العربي، الذي بدأ بمخطط هلال شيعي وانتهى بحلقة قاربت على النهاية. أمّا الروس فهم مستفيدون أيضاً الآن من حال التوتر والصراع، لأنّهم فقدوا الأمل في خلق نموذج قابل للحياة، فغيّروا استراتيجيتهم ليجعلوا من سوريا ورقة ابتزاز للجميع، إقليمياً ودولياً لتعزيز موقفهم في مواجهة الغرب الداعم لخصمهم الأوكراني.

بعد التسوية التي جرت عام 2018 بناءً على اتفاق أميركي روسي نصّ على إعادة الجنوب السوري لسيطرة النظام، بات مصير القوى العسكرية المعارضة واحداً من اثنين، إما الانحلال، أو الالتحاق بقوات الجيش السوري، وبات مصير قادتها وعناصرها محصوراً بأحلى الأمرّين، مرارة التهجير مع ما يحمله من عار الهزيمة ووطأة فقدان الوزن، أو مرارة البقاء مع ما يحمله من أخطار الاغتيال والاعتقال. كذلك بات مصير القوى المدنية مرهوناً بشكل الصراع المحتدم بين أجهزة النظام وميليشيات حلفائه من جهة، وما تبقّى من مجموعات القوى المنحلّة ظاهرياً والتي احتفظت بترابط خفي جمعها في خضمّ هذه المواجهة من جهة ثانية. أخذت عملية التحاق بعض القوى العسكرية بأجهزة النظام الأمنية والعسكرية خطوات طويلة ومعقّدة ولم تنته بعد، كما إنها لم تصل إلى الحالة المعتادة من السيطرة الكاملة والمطلقة من قبل أجهزة النظام. وقد أثبتت أحداث حصار مدينة درعا البلد صيف عام 2021 هذا الواقع بقوّة، كما تثبته عمليات الردع التي تقوم بها هذه القوى لأجهزة النظام الأمنية والعسكرية حين تحاول اعتقال المواطنين أو استفزازهم أو الاستيلاء على ممتلكاتهم.

هناك شعور عربي متزايد بعدم صواب التعامل السابق الذي رهن مصير المنطقة بيد الأميركيين وحدهم، فالعرب الآن أكثر إدراكاً للتغييرات الجارية في المعادلات الدولية

تدلّ الوقائع والأحداث الجارية منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية على تبدّل الاصطفافات السياسية في عموم المنطقة العربية، وعلى تغيّر المناخات المحيطة بالقضيّة السورية خاصّة، كما وتشير بشكل أو بآخر إلى اهتمام متزايد بالوضع في جنوب سوريا، الذي لم تُحسم مسألة السيطرة عليه نهائياً لقوات النظام وحلفائه بعد، وتؤكّد على وجود مصالح متزايدة تلحظها عيون الفاعلين الإقليميين والدوليين. من هنا تأتي أهمّية المبادرة لحل الأزمة السورية التي طرحها أو يفكّر في طرحها الجانب الأردني، والتي يبدو أنّها تحظى باهتمام عربي. ولأنّ الأردن متضرر من الوضع في جنوب سوريا بشكل كبير، ولأنّ الجانب الروسي صاحب كلمة عليا في سوريا، فإنّ المبادرة لا بدّ وأن تُطرح عليه لأخذ موافقته ودعمه إن أمكن.

هناك شعور عربي متزايد بعدم صواب التعامل السابق الذي رهن مصير المنطقة بيد الأميركيين وحدهم، فالعرب الآن أكثر إدراكاً للتغييرات الجارية في المعادلات الدولية، وهناك أولويات للدول الفاعلة عربياً مثل السعودية ومصر لم تعد تتطابق والأجندات الأميركية، خاصّة فيما يتعلّق بالملف النووي الإيراني وملف التمدد الإيراني في المنطقة والتطبيع مع إسرائيل. الحاجة لخلق توازن يحمي مصالح هذه الدول ومن بينها الأردن باتت نقطة لا عودة عنها. من هنا يمكن أيضاً تجميع بعض قطع اللوحة الصغيرة مثل زيارة السيد أحمد العودة إلى تركيا. الرجلُ، بما هو عليه من وضع حسّاس بوصفه أحد أهمّ الفاعلين المحليين، وقائداً لمجموعة كبيرة من العناصر المقاتلة، وقريباً من بيئة واسعة تعارض بشكل كبير النظام والوجود الإيراني في الجنوب، ليس رقماً هامشياً. هذه الزيارة التي أتت أيضاً بعد شهر تقريباً من تعيين سفير تركي جديد في عمّان، هو بالذات أحد أهم مسؤولي الملف السوري في الخارجية التركية، تشكل جزءاً من اللوحة العامّة. فما الذي ترقبه العيون في الجنوب السوري، وما المبادرات التي يفكر بها الأردنيون مع أشقائهم العرب، وما دور روسيا في الموضوع، وهل سنكون أمام شتاءٍ ساخنٍ أم لا! كل هذا تحمل الأيام أو الأسابيع القادمة الإجابة عنه.