لا مستقبل ممكنًا لحزب الله في لبنان ولكنّنا لن ننجو

2021.11.19 | 04:06 دمشق

lbnan_1.jpg
+A
حجم الخط
-A

يجدر بنا كلبنانيّين التّفكير في مآلات حضور حزب الله في البلد ومستقبلها.لا مجال لإنكار  نجاحه في مراكمة سلطات وشبكات تحكّم ميدانيّ صار بموجبها متسلطًا على البلد وقراراته بشكل شبه مطلق. ولكن كما هو حال كلّ انتفاخ سلطويّ فإنّه يصل إلى ذروة معيّنة، يصبح معها المزيد من التّضخم بمنزلة تهديد جدي بقرب الانفجار والتبدد.

واقع تحكّم حزب الله بالبلد بات مأزقه الضخم الّذي لا يستطيع النّجاة منه ولا الاستفادة الفاعلة منه، في ظل عدم رغبة أحد في التفاوض  بشأنه.

  بعد أن كان يستثمر في الخراب على أمل أن يشتري طرف ما منه لجمه، مقابل منحه معادلات تؤمن له التمويل والحفاظ على سلطاته، صار مجبرًا أن يمارس تخريبًا عامّا يطوله ويطول بيئته، خصوصًا بعد أن صدر الأمر الإيرانيّ لكلّ ميليشياتها في المنطقة أن "دبروا راسكن".

يتم حاليًّا على سبيل المثال العمل على  رفع التعرفة الجمركيّة بنسبة 600%، وهو إجراء يهدف إلى تعويم واردات الحكومة المعطّلة، ولكنّه في عمقه لا يهدف سوى إلى تأمين تمويل للحزب ومقاتليه وجمهوره.

كلفة هذه العمليّة على عموم التّجار اللّبنانيّين الشرعيّين ومن ضمنهم التّجار الشّيعة باهظة للغاية، ويُتوقع أن تتسبّب بانفجار غير مسبوق في أسعار السّلع.

طابعها القانوني لا يغطي صيغتها الاحتياليّة والّتي تبدو مطابقةً لشغل فرض الخوّات ومنطق العصابات. التّجار الّذين اشتروا بضاعة وفق ضريبة جمركيّة على سعر محدد يجدون أنفسهم مرغمين على دفع أضعاف القيمة المتّفق عليها، في حين يبيع الحزب المتحكّم في كل ما يدخل ويخرج من المرفأ والمطار لمن يرغب بتخفيضات وإعفاءات جمركية تسمح ببيع جميع أنواع البضائع بأسعار لا يمكن لأي تاجر شرعي منافستها، وقد أدى هذا الأمر إلى إقفال مئات المؤسسات والمصالح.

شبكة الضّرر عامّة ولا تستثني أيّ بيئة في حين أنّ دائرة المنتفعين ضيّقة ومحدودة، كما أنّ اشتداد الحصار على إيران أذاب وعود تأمين المحروقات والكهرباء وسائر مسلتزمات الحياة.

كميّات المازوت الإيرانيّ الضّئيلة الّتي استقدمها إلى لبنان بيعت للمقتدرين عمومًا، واقتصرت حصّة الجمهور الشّيعيّ منها على فئة الأغنياء، ما ساهم في خلق تفاوت حاد في القدرة على التّعامل مع تبعات الأزمة بين جمهور شيعيّ محدود متنعّم بخيرات فساد الحزب ومازوته وبين عموم الشّيعة.

من ناحية أخرى لا يلعب فصل موضوع  الاتّفاق النّوويّ عن مصير الميليشيات الإيرانيّة الّتي يمثل حزب الله درّة تاجها لصالحه إذ إنّ الأمر متروك للروس والأوروبيّين ودول الخليج،  كما أنّ الموقف الإسرائيليّ حاسم في هذا الصّدد لناحية منع امتلاك الحزب لأسلحة صاروخيّة بعيدة المدى، ولو كلّف الأمر إشعال حرب.

تعمل روسيا على تفكيك كلّ العثرات الّتي تعيق انتهاء الحرب في سوريا والشّروع في إعادة الإعمار المرتبط بموافقة أميركيّة، وبالإفراج عن التّمويلين الخليجي والأوروبي، وقد بات واضحًا أنّ الثّمن المطلوب لقاء تيسير شؤون هذا المشروع الّذي يمثل روح الاستثمار الروسي في الميدان السّوري هو رأس الميليشيات الإيرانيّة عمومًا ورأس حزب الله خصوصًا.

وعلى الرّغم من أن ّوجود منظومة مصالح ميدانيّة تربط بين الروس والإيرانيّين يجعل تنفيذ هذه المهمة حافلا بجملة من التعقيدات، إلا أنّ مشروع إعادة إعمار سوريا يمثل هدفًا روسيًّا وجوديًّا في هذه المرحلة، وعليه فإنّ المقايضة المطروحة بينه وبين الحضور الإيراني في سوريا ولبنان لا يترك مجالًا للشّك في طبيعة التّوجهات الرّوسيّة في المرحلة القادمة.

النّشاط العربي المنفتح على بشار الأسد لا يخرج عن هذه التّرتيبات ولا يمكن النظر إليه خارجها. ما يسمّى بإحياء العلاقة مع النّظام السّوري واللّقاءات المعلنة والسّريّة الّتي تجري بين قياديّين أمنيّين في النظام السوري ونظرائهم العرب ليست سوى تفعيلا لتلك المقايضة الكبرى الّتي تجعل ضرب إيران وحزب الله استثمارًا أساسيًّا وضروريًّا، ومحل تقاطع مصالح عريض بين مجموعة من الدّول الفاعلة إقليميًّا ودوليًّا.

سلطة حزب الله بشكل خاص، وسلطة كلّ الميليشيات الإيرانيّة في البلاد الّتي حلت فيها، لم تنجح إلا في أن تكون سلطات تمويت وحسب، ما جعلها قبل كلّ شيء تفقد القدرة على التّمركز الطائفي والنطق باسم الشيعة، بل اضطرت للكشف عن وجهها العاري والمباشر والمقتصر على كونها حشودًا من القتلة المأجورين.

لقد اعتاد الحزب أن تكون سلطته على الأمور مطلقة ولكنّه يجد نفسه حاليّا مضطرًّا إلى بناء شراكات مع حلفاء مضاربين يبيعونه مواقف بالقطعة. الاصطدام الكبير المتوقع بينه وبين حليفه العونيّ بدأ مع مواقف رئيس الجمهورية ميشال عون الّتي ترفض التصريحات المسيئة لدول الخليج، ونجاح محادثاته مع  روسيا حول تزويد  لبنان بصور الأقمار الصناعيّة المرتبطة بتفجير المرفأ، وهو أمر يسعى الحزب بقوة لمنعه، كما أن التّباين بين الحليفين في شأن قانون الانتخابات واضح وجلي.

مؤخرًا صدر تسريب للقاء داخليّ خاص يتحدث فيه القياديّ في الحزب "غالب أبو زينب" مع مجموعة من الحزبيّين ويبدي فيه استياء الحزب الواسع من المواقف المزدوجة لعدد كبير من القوى السّياسيّة تجاهه، حيث يبدون له التّفاهم والانسجام، بينما يطلقون مواقف مناهضة له في تصريحاتهم الرسمية.

 مما يعنيه أبو زينب هو التمهيد لشن الحزب معركة مفتوحة ضدّ الجميع. من هنا فإنّ ركضه المحموم في اتجاه تسريع إجراء الانتخابات النّيابيّة نابع من إحساسه بأن الوقت ليس في صالحه، وأنّ المسارعة في إجرائها ضمن المعادلات القائمة حاليًّا تضمن له التّحكم في نتائجها.

تسارع وتيرة الأحداث وتغيير خرائط المصالح والصّراعات جعلت من الحزب عبئًا ثقيلًا على البلد وعلى المنطقة، ولا بد من التخلص منه لتركيب مسارات النّفوذ والحضور، وتيسير شؤون التّدفقات الماليّة والاقتصادية، والاتفاقيات الكبرى وتقاسم المصالح.

لا يعني ذلك أنّ الأمور ستكون ورديّة في الفترة المقبلة بل على العكس من ذلك، فالحزب الذي يستشعر جديّة الحملة عليه وعلى راعيه الإقليمي سوف يطلق قتلته المدرّبين في كل مكان ويفعّل استراتيجيّة الخراب الشامل.

الفرق الوحيد هو أنّه سيدفع الثمن هذه المرة بعد أن اعتاد أن يفعل ما يريد مجانًا إذا صحّ التّعبير، ولكنّ ذلك يعني أنّ أحوال البلاد وأهلها ستكون أسيرة مجازر شاملة سينجزها الحزب من جهة والرّاغبين في ضربه من جهة أخرى.

لا يجب أن نتوهم أنّ أحدا سيقضي على حزب الله من أجلنا، أو في سبيل حريتنا وكرامتنا، بل يتم تهيئة الساحة لتكون حيواتنا بمنزلة الأضرار الجانبيّة لمعركة تحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة، وتقديم رأس حزب الله على طبق من ذهب للمحتل الرّوسي الجديد الذي لا تعني وصايته المباركة من الجميع على المنطقة إلا سقوطها النّهائي من خريطة العالم الحديث وزمانه.

قد يموت حزب الله ولكنّنا لن نحيا. هذه هي المعادلة التي بدأت تباشيرها تُرسم مع إسقاط مسألة العدالة في المنطقة من سحب قانون قيصر الّذي يمثل حقوق آلاف الضحايا السوريين في العدالة  إضافة إلى تدمير التحقيق في قضية تفجير مرفأ بيروت.

كل ذلك يحدث بهدف طي صفحة المساءلة، وتجهيز المنطقة لمرحلة مديدة من الاحتلالات، الّتي قد تجعل من حزب الله مجرد طيف عابر، ولكنّها ستستبدله بعالم لا يكفّ فيه الضحايا عن الموت.