لا مركزية أم قوات حفظ سلام عربية في درعا؟

2021.08.11 | 06:33 دمشق

0x0-1625241435210.jpg
+A
حجم الخط
-A

في السابع من الشهر الجاري، صدر بيان عن القوى المجتمعية بمحافظة درعا (عشائر حوران) يدعون فيه إلى اللامركزية في محافظة درعا، بالانطلاق من "عجز الدولة السورية في ظل النظام الحالي عن إدارة المحافظة وبقية المحافظات والمؤسسات" لا سيما في ظل التسلط الأمني، واستشراء الفساد المؤسسي على حساب المواطن.

لاحقاً وفي التاسع من الشهر الجاري، نفى عضو لجنة التفاوض والناطق باسم اللجنة المركزية في درعا عدنان المسالمة، عبر حديث لموقع قناة "روسيا اليوم" أن يكون البيان منسوباً لـ "عشائر حوران"، ورغم ذلك فإن تعليقات عديدة من أبناء محافظة درعا في داخل سوريا وخارجها عبرت عن تأييدها لمضمون البيان، منطلقين من أن اللامركزية الإدارية قد تكون الشكل الأمثل لإدارة المنطقة خلال المرحلة المقبلة، لا سيما أن الجنوب السوري لم ينعم بأي فترة استقرار منذ أكثر من 3 سنوات.

بغض النظر عن الأسباب الموجبة للدعوة إلى اللامركزية، إذا ما نظرنا إلى تدهور الأوضاع المعيشية وسوء الخدمات المقدمة في مختلف مناطق سيطرة حكومة النظام السوري، إلى جانب تغلغل النفوذ الإيراني فيها. إلا أن رغبة البعض بطرح فكرة اللامركزية على عموم أراضي المحافظة، هي مسألة ممكنة البحث والنقاش حولها، لا سيما إن كان هذا النموذج منطلقاً ليتم تعميمه على باقي المحافظات السورية، بحيث تدار المناطق من أهلها، فقد تكون درعا أبرز محطة لتنفيذ هذه التجربة، إن تم لهذا الطرح دعمٌ رافضٌ في المقام الأول لادعاءات التقسيم، فاللامركزية تؤكد على عدم تركيز السلطة بمستوى إداري واحد، والقيام بتوزيعها على كل المستويات الإدارية الأخرى سواء في داخل الدولة أو المؤسسة.

لا يمكن إدارة شؤون محافظة درعا من شبه حكومة تغلغل النفوذ الإيراني في جهازها الأمني ومؤسستها العسكرية

اللامركزية هي إحدى أنظمة الإدارة التي تقسم إلى ثلاثة أقسام، (لامركزية جغرافية، لامركزية وظيفية، لامركزية سياسية). وفي كل الأنظمة المذكورة آنفاً لن يكون هناك تقسيم للدولة.

لا يمكن إدارة شؤون محافظة درعا من شبه حكومة تغلغلَ النفوذ الإيراني في جهازها الأمني ومؤسستها العسكرية، وبالمقابل فإن أي تصعيد عسكري في المحافظة لن تقبل به روسيا؛ التي ترفض حدوث أي أزمة إنسانية تؤدي إلى لجوء عشرات الآلاف إلى الأردن، والتي بدت أنها تتقاطع في عدة مشتركات مع رؤيتها السياسية بسوريا. وكذلك لن تقبل روسيا بالتصعيد الذي يمنح إيران نفوذاً كاملاً على عموم المحافظة ومنها إلى الجنوب السوري، ما يعني إخلال روسيا بتعهداتها فيما يتعلق بإبعاد النفوذ الإيراني في تلك المنطقة. فضلا عن أن روسيا لن تضع نفسها في مقام الضعيف وغير القادر على ضبط الأمور في درعا أمام الجانب الأميركي الذي لن يقبل هو الآخر بهذا التمدد العلني والمباشر للنفوذ الإيراني في الجنوب السوري.

قد تكون روسيا من أبرز الداعمين لهذا النظام الإداري، لا سيما أنها قد تنطلق منه كورقة جديدة تطرحها على الولايات المتحدة ضمن ملف التوافقات المحتملة معها داخل سوريا، ولا ننسى هنا قابلية روسيا لتطبيق ذلك وهي التي كانت قد طرحت منذ مطلع عام 2017 مسودة دستور لسوريا يقوم على اللامركزية الإدارية.

كذلك فإن واشنطن يمكن لها دعم هذا الخيار من منطلق تمكين أبناء المنطقة الجنوبية من إدارة مدنهم خدماتيا وأمنيا وحتى عسكريا، بالتوازي مع إمكانية خلق آلية مناسبة لمواجهة النفوذ الإيراني هناك وكفّ يد ذلك النفوذ بشكل تدريجي، بدعم عربي وروسي أيضا، ليكون بذلك نموذجا يمكن أن يُعمم لا سيما في شرق البلاد، حيث الوجود الإيراني المكثف.

لن تكون أية تهدئة مضمونة العواقب والاستمرارية دونما منح أهالي درعا الحرية في تقرير مصيرهم وتأسيس أنظمة إدارية جديدة في سوريا

قد تحمل الساعات المقبلة اتفاقا لفك الحصار ووقف التصعيد على درعا بأي من البنود التي تم تداولها مؤخرا، سواء تلك التي يكون فيها اللواء الثامن طرفا محليا راعيا، أو حتى تلك المطالب التي رفضها الأهالي بسبب تعنت دمشق فيها. إلا أن التصعيد العسكري الواسع لن يكون حاضرا ما دامت روسيا على نفس الرؤية التي سيّرت فيها المفاوضات خلال الأيام الماضية، وكذلك لن تكون أية تهدئة مضمونة العواقب والاستمرارية دونما منح أهالي درعا الحرية في تقرير مصيرهم وتأسيس أنظمة إدارية جديدة في سوريا؛ كفترة انتقالية مؤقتة قبل تثبيتها وتعميمها على باقي المناطق السورية.

وما دون اللامركزية، قد يبرز خيار انتشار قوات حفظ سلام عربية، والتي قد تكون شكلاً من الأشكال التي ترحب بها دمشق أكثر من أي خيار آخر، لا سيما أن ذلك قد يمنحها جرعة تفاؤل بتواصل مع المحيط العربي والتعويم الاقتصادي والسياسي، لكنه يبقى مشروطا بشكل الوجود الإيراني.

تلك القوات ستؤمن حماية دولية لدرعا، إذا ما نشأ تحالف عربي وتحت رعاية جامعة الدول العربية والأمم المتحدة. وقد يكون ذلك التحالف نواة أساسية في طرد النفوذ الإيراني المتغوّل في سوريا جنوبها وشرقها وصولا إلى شمالها.

ستنظر روسيا إلى تلك القوات كدعامة إقليمية لعلاقاتها مع الجانب الأميركي في الملف السوري، وهو ما يزيد من احتمالات وجود المال العربي في مرحلة مقبلة تدعم الاستقرار في البلاد من خلال إعمار البنى التحتية المتضررة. ولن يكون مستبعدا أن يكون ذلك أيضا مُعمما على مناطق أخرى بشكل مؤقت، بما يرفع موانع حلحلة مسائل الاستقرار والسلام في سوريا.