لا زوار لسوريا سوى غيمة الكبريت

2021.04.08 | 06:28 دمشق

00232479fb6d1759d9ac04.jpg
+A
حجم الخط
-A

لا أحد يزور سوريا في هذه الأيام، سوى رسل حلفاء بشار الأسد، ممن يأتون إليه من موسكو وطهران حاملين إليه التوجيهات والأوامر!

بعضٌ من موظفي الأمم المتحدة، والمؤسسات الدولية، الذين يضطرون للبقاء في البلد، بحكم واجباتهم الوظيفية، يعدون الأيام والليالي، منتظرين إجازاتهم، أو نهاية مهماتهم، كي يغادروا هذا الجحيم. ونظرة على كتابات هؤلاء في مدوناتهم، وشهاداتهم التي ينشرونها في الصحف والمجلات والكتب، توضح كيف أن الفضاء الشامي بات ثقيلاً، مُدمِراً للأعصاب وللعقول!

وسوى هؤلاء، لن نجد سوى القليل من سفهاء حلف الممانعة، يرددون أمام من يستقبلهم الشعارات والخطب والجمل الطنانة، وكما يأتون ويمضون، بلا أثر، سوى صور ينشرونها على مواقعهم الإلكترونية وفي صفحات التواصل الاجتماعي، فيكرسونها أمام الآخرين والتاريخ، أدلة على عار يلحق بهم، حينما يساندون طاغية قتل شعبه، بحجة مُدّعاة هي مقاومة إسرائيل!

سوريا، وكما يعرف الجميع، لم تعد مقصداً سياحياً أيضاً، مذ أعملت آلاتُ القتل بدماء أبنائها، ولهذا لن تنفع دعايات النظام عن عودة السلام إليها سوى الحمقى، إذ حين تتوقف أصوات الرصاص، ثمة أصوات أخرى تعلوا، نبضاتها ألم وحسرة وموت، يشعر من يسمعها من بعيد أنها تأتي من مقبرة! فهل ثمة من يذهب سائحاً إلى مقبرة، سوى الضباع؟

حتى الكائنات الحية، هجرت هذه البلاد، وصارت تتجنب أن تمر فيها؛ فرغم أننا اعتدنا كل ربيع أن نشهد أسراب طيور (أبي سعد) وهي تعبر سماوات المدن السورية متجهة إلى الشمال، إلا أن أخباراً انتشرت عن استهدافها من قبل حملة الأسلحة، ربما جعلتها تغير طريقها، بعيداً عن هذه المسارات الخطرة!

لكن، ورغم كل ما سبق، تقرر الطبيعة، وبحكم الجغرافيا، وضروراتها، أن تجعل من سوريا مكاناً لحضور بعض الزائرين، فتقول مصادر الأخبار، ومنها وكالة سانا التابعة للنظام، نقلاً عن مراصد الطقس والبيئة، إن كتلة ضخمة جداً من ثاني أوكسيد الكبريت وصلت إلى مصر وبلاد الشام، بعد أن عبرت سماء المتوسط، بمساعدة الرياح قادمة من جزيرة صقلية الإيطالية، حيث تتواصل انبعاثات أطنان الغازات السامة، إثر تواصل انفجارات الثورانات البركانية في جبل (إتنا) منذ منتصف فبراير 2021، والتي كان آخرها يوم الجمعة الماضي.

ورغم أن التفاصيل في الخبر تبدو مريعة، إلا أن الخبراء الذين يتابعون مثل هذه الحوادث يقولون إن خطر السحابة الكبريتية يبدو طفيفاً، حيث لن يتأثر بها أحد، سوى عدد قليل من أولئك الذين يعانون من أمراض تنفسية!

أجزمُ، أن السوريين لن ينظروا إلى أعلى، كي يروا لون الكبريت في سمائهم، وسيحاولون وبشكل طبيعي ألا يشموا روائحه، فالوقت وقت وباء، ليس من المستحسن فيه أن يملأ المواطن رئتيه من الهواء!

ورغم أن كثيرين منهم لم يعودوا يلقون بالاً لأخطار كورونا، فقد باتوا على قناعة بأن أفعال الطبيعة أقل شراً من أهوال البشر، بعد عشر سنوات من القصف والتدمير والإبادة.

لقد غيّر الأذى عقولهم، حقاً، وبعد أن شهدوا بعد قصوفات متعددة لمدن وقرى ريف دمشق، وحلب، وخان شيخون وبقية المدن المنكوبة، حرائق شتى بقيت نيرانها تتقد لساعات وأيام، ناشرة الدخان الأسود في السماء، وبعد أن شموا رائحة قريبة وبعيدة لغازات قتلت آلاف من إخوتهم في الغوطتين الشرقية والغربية، وبعد أن باتت طائرات الإسرائيليين العدوة، تقصف مواقع مليشيات إيران وحرسها الثوري العدو أيضاً!

لن يروا في غيمة كبريتية عابرة، سوى زائر خفيف الظل، يثير الدهشة والاستغراب، ثم لا يلبث إلا ويمضي، كهجمة جراد لن يجد في الأرض المحروقة ما يأكله!

فعلياً، وفي ظل انشغال السوريين بهموم تحصيل لقمة العيش لأطفالهم، في الوقت الحالي، لن يعرف أحد منهم أصلاً بوجود السحابة الكبريتية فوق بلادهم، لا سيما وأنها لن تبقى سوى 36 ساعة فقط، أي مجرد يوم ونصف، ليس لهما قيمة في الحياة السورية اليومية، في زمن المجاعة، والانهيار، والنزوح واللجوء، والاحتلالات، وبلطجة الدولة المتسلطة على أرزاقهم، وسياسة إغراقهم بالضرائب والإتاوات والخوّات، وعودة الدواعش إلى ممارسة دورهم، في تدمير حيوات الريفيين على أطراف البادية، ومحاولات الأسد هضم أكبر كتلة من الوقت المستباح في حياة السوريين، ثم ترجيعه إياها أمام العالم على شكل خيار وحيد، فرضه طوال عشر سنوات مضت، وعاد ليقوله الآن: إما أنا أو الإرهاب والخراب!