كيف يتعايش الجيل X التلفزيوني مع الجيل Z الرقمي وجيل ألفا التكتوكي؟

2022.11.13 | 05:52 دمشق

كيف يتعايش الجيل X  التلفزيوني مع الجيل Z الرقمي وجيل ألفا التكتوكي؟
+A
حجم الخط
-A

لم يعد علم الاجتماع والقراءات الفلسفية هي وحدها المعنية بتحديد مفهوم الجيل وهويته وعوامله الداخلية والخارجية وما يتمايز به عن سواه، بل غدت التقنية والإنترنت عاملاً رئيسياً في تأطير التحديدات ولفت للنظر إلى خصائص كل جيل، ولم يعد بإمكانك أن تنحي نفسك جانباً كأن تقول: أريد أن أعيش بسلام ولا علاقة لي بتلك التسميات أو التأطيرات، لسبب بسيط أنه في البيت الواحد بات على تلك الأجيال أن تتعايش وتقبل بعضها وتتفاهم كي تمر الحياة بأقل كمّ ممكن من المشكلات أو الخلافات.

معظم الآباء اليوم هم من الجيل X  ومعظم الأبناء اليوم هم من جيل Z و A وبات لكل منهم مفاهيمه الخاصة وقناعاته وسماته الشخصية، وتشير دراسات كثيرة إلى أن من غدا أباً أو أماً من جيل "زد" من الأسهل عليه أن يتعامل مع جيل ألفا، وأن جيل "ألفا" يجد صعوبات كثيرة في إيجاد مشتركات مع جيل "إكس".

ليست تلك الأجيال أجيالاً تقنية فحسب، بل هي تأطيرات للبشر ورصد لسلوكاتهم وطرائق عيشهم ومفاهيمهم وأخلاقياتهم وكيفية ممارسة حياتهم وقناعاتهم، يمكن أن نضع هذا المسبار الجيلي مدخلاً لقراءة المشهد السوري إبان الثورة ومفاهيمه وعلاقته ببعضه بعض، بل قد يكون أحد عوامل عدم تحقيق أهدافها الآنية هو صراع تلك الأجيال. إذ يرى الجيل التلفزيوني السوري أن له الحق بقيادة سوريا المستقبل وفرض مفاهيمه عليها وقناعاته، في حين يرى جيل السوشيال ميديا أنه الأحق بذلك، وأن معظم ما تحقق في ثورة 2011 كان بفضله وبفضل أدواته التقنية التي استعملها، وإلا لكان مصير الحراك السوري هو ذاته مصير حراك الثمانينات التلفزيوني.

التلفزيونات والإعلام التقليدي باتت كذلك له طرائقه في مواكبة الأجيال فتحول إلى منصات رقمية. دور البث التلفزيوني التقليدي بات ضئيلاً، وكذلك أثره في تحديد عدد المشاهدين أو التفاعل معهم. والصحف سلكت الطريق نفسه في مسعى لمواكبة ما يحدث وعدم البقاء خارج دائرة التحولات الجيلية.

حضر الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بقوة في المنظومة القيمية والتفكيرية للجيل "زد" المتقاطعة مع التطور التقني، وباتت إسرائيل بحاجة لجهود كبرى لكي تؤثر في الجيل "زد" عالمياً

في الحراكات الغربية في الشارع التي يقيمها شباب الجيل "زد" ثمة مفاهيم جديدة، وبرزت تلك التحديات في الحراك الذي ظهر إبان التعامل مع كوفيد 19 وباتت مراكز الأبحاث الأوروبية تولي أهمية كبيرة للبحث عن مكانيزمات التفكير والتلقي والتفاعل التي يقوم بها الجيل "زد" والجيل "ألفا" خاصة، أما الجيل "إكس" فتمت دراسته وتأطيره، وبات هو الأسهل في التعامل.

حضر الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بقوة في المنظومة القيمية والتفكيرية للجيل "زد" المتقاطعة مع التطور التقني، وباتت إسرائيل بحاجة لجهود كبرى لكي تؤثر في الجيل "زد" عالمياً كي يبقى متقبلاً لسرديتها، لأن منظومة هذا الجيل لا تقبل بما حدث للفلسطينيين ليس بصفتهم فلسطينيين فحسب بل بصفتهم بشراً، تعرضوا لظلم تاريخي. ثوابت كثيرة باتت بحاجة إلى نقاش وموضع اعتراض، هنا في هولندا مظاهرات سنوية لكي يتم تلوين الخدم والرفاق الذين يسمون "زفارت بيت" من السود وهم يرافقون "سنتركلاس/بابا نويل" الأبيض، لماذا الخدم والمرافقون من السود وبابا نويل أبيض؟

في المنزل وأنت تتعامل مع أولادك أو أحفادك، كيف يمكنك أن تكمل الطريق معهم، وكل منكم يعيش في عالم تكنولوجي آخر ومنظومات مختلفة، المسؤولية الكبرى في هذا المجال تقع على الجيل "إكس" الجيل التلفزيوني وهو الجيل اللاحق لجيل الطفرة وما بعد الحرب العالمية الثانية، الجيل التلفزيوني، جيل الكتاب، وجيل الكاسيت والسيدي. الذي لم يعد المصدر الرئيس للمعرفة والقيم وتحديد الخيارات، بل دوره يتضاءل ويكاد يتلاشى، غوغل وتيكتوك أهم منه.

ظاهرة " Andrew Tate" حيَّرت العالم الغربي، حيث يتابع بثه المباشر أكثر من مئتي ألف، وفلسفته -إن صحت التسمية- أزعجت وسائل التواصل الاجتماعي التي لم تتردد في إغلاق كل حساباته، نظراً لخطورته الشديدة على الجيل زد، وتأثيره الشديد بهم واعتراضات الجيل إكس عليه وخوفهم على أبنائهم، ذلك أن قصة نجاحه جعلته من أكبر المؤثرين المعاصرين في ذلك الجيل الذي يبحث عن طريق قريب من مفاهيمه لكي يكمل مسيرة حياته. وبات "اندرو" حلقة دراسية وبحثية في مراكز الأبحاث بصفته ظاهرة غريبة. لا يوجد إجابة مباشرة على أسباب شعبيته وشعبويته، خاصة أن تحولاته الفكرية لم تتوقف، وأعلن دخوله الإسلام قبل أيام وهو ما شكل مصدر فرح لكثيرين، في حين رأى آخرون أن ذلك يؤكد قناعتهم بأنه كائن خطير وكثير التحولات.

يسمي كثيرون ما نمرُّ به بـ "عصر التفاهة" نعم هذه تسمية الجيل "إكس" لما يعيشه اليوم، لكن الجيل "زد" لا يتفق مع تلك التسمية، يحترم خيارات الجيل إكس، لكنه لا يتفق معها، ولديه مفاهيمه الخاصة للدولة والمجتمع والعلاقات البشرية والاقتصاد والغاية منه النفوذ والرفاهية.

لا يتمايز جيل "زد" عن جيل "إكس" بالتقنية أو كونه ولد وفي فمه ملعقة من إنترنت وسوشال ميديا، بل يتمايز عنه في المفاهيم والأدوار والقناعات ونمط الشخصية، ففي الوقت الذي يعد فيه الجيل "إكس" جيل الأخلاقيات والموسيقا البانك والإندي وفقاً لكتاب "الجيل X: حكايات من أجل ثقافة متسارعة" الذي نشر في العام 1991، للكاتب دوغلاس كوبلاند. فإن جيل "زد" هو جيل موسيقا الراب، الذي يتسوق عبر الإنترنت ويعيش في السوشيال ميديا أكثر مما يعيش في الواقع ويبني اقتصاده وعلاقاته الإنسانية كذلك هناك.

بعد كل هذه التغيرات لا نعرف إذا بقيت مقولات المفكر الألماني كارل مانهايم حول علم اجتماع الأجيال صالحة لقراءة تلك الأجيال التقنية الجديدة؟ أم أنها بحاجة إلى تأطيرات جديدة، ليس ليتم تقييدها، بل ليبقى خيط من التفاهم بين الجيل التلفزيوني والجيل الما بعد السوشال ميديا.

في عودة إلى المشهد السوري العتيد، هل يمكن أن نفيد من صراعات الأجيال العالمية التقنية في قراءته والبحث عن مخارج جديدة، بمعنى آخر: إلى أي جيل ينتمي مظلوم عبدي وصالح مسلم وبشار الأسد وأبو محمد الجولاني وعبد الرحمن مصطفى وسالم المسلط وهادي البحرة؟

وهل لديهم القدرة على صناعة شيء من التواشج مع الجيل "زد" السوري؟ وهل يسعى أولئك القادة إلى التأسيس لسوريا الخاصة بالجيل "إكس" أم لسوريا الخاصة بالجيل "زد"؟

الدول الغربية عامة لديها مؤسسات وبنى قانونية وفكرية أقوى من الرئيس وهي التي ترسم سياسات المجتمع وتديره، هي أقوى من أي رئيس

وكيف يمكن أن يؤسس قادة قادمون من الجيل "إكس" سوريا للجيل "ألفا" والجيل "زد"؟

قد يقال: وكيف يصح ذلك في أميركا وروسيا حيث ينتمي جو بايدن إلى جيل ما قبل "جيل إكس" تقريباً أي جيل الطفرة الذي جاء بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة.

الإجابة بسيطة، الدول الغربية عامة لديها مؤسسات وبنى قانونية وفكرية أقوى من الرئيس وهي التي ترسم سياسات المجتمع وتديره، هي أقوى من أي رئيس، الرئيس يدير المركبة لفترة محدودة فحسب. ليست هذه الإجابة الوحيدة بالتأكيد لذلك السؤال الصعب، الذي يعيدنا إلى السؤال الرئيس: ما هي أفضل السبل للتعايش بين الأجيال المختلفة داخل البيت الواحد وداخل المجتمع الواحد والمؤسسة الوحدة؟ هل من إمكانية للتعايش؟

إن كان مديرك من الجيل "إكس" وأنت من الجيل "زد"، أو العكس كيف يمكنكما أن تجدا نقاط تفاهم بينكما؟

إن كانت حبيبتك من الجيل "زد" وأنت من الجيل "إكس" كيف يمكنكما إيجاد مشتركات؟