كيف تقوي أميركا الورقة العربية شرق الفرات؟

2020.10.28 | 00:03 دمشق

451.jpg
+A
حجم الخط
-A

مع زيادة وتيرة الاحتجاجات الشعبية في دير الزور ضد الإدارة الذاتية، والتي يُعيدها المتظاهرون إلى التهميش الذي يعانون منه، كما يقولون. ومع تسارع الأحداث في عموم شرق الفرات، والمناطق ذات الغالبية الكُردية مع تقدم الحوارات الكُردية في ملفات، وتعرقلها في ملفات أخرى، والتغيرات والترتيبات التي تحدث ضمن الفريق الأميركي المشرف على الحوارات الكُردية. والتغيرات بوتيرة أبطأ في عموم سوريا عبر بدء زيارات "بيدرسون" لعقد جولة جديدة للجنة الدستورية، إضافة إلى الدخول في اللحظات الأخيرة للانتخابات الأميركية.

أمام كل ذلك، ثمة مؤشرات على تغيير عميق تتجه إليه الإدارة الأميركية في تعاطيها مع العرب في شرق الفرات، وبغض النظر عن نتائج الانتخابات. مؤشر الاهتمام بالمكون العربي بدا يتجسد عملياً مع تصريح المتحدث السابق، باسم التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش، الكولونيل "مايلز كاينغر" ليعلن للمرة الأولى، نية التحالف إدخال ملايين الدولارات إلى مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" بغية الاستثمار. حيث اعتبر التصريح بمثابة نقلة نوعية بعمق منذ التدخل العسكري للتحالف في أيلول 2014، ومؤشر البدء بالتغيير في التعامل.

والمؤشر الثاني تجسد عبر عقد اجتماعات مكثفة ومتكررة خلال الفترة الماضية جمع كلاً من رئيس "مجلس دير الزور المدني"، غسان اليوسف، ومستشار التحالف الدولي، السفير الأميركي وليام روباك –قبل انتهاء عمله- ومساعدته، "أيميلي برانديت". خاصة وأن المجلس يُعتبر بمثابة الممثل العربي ضمن جسم الإدارة الذاتية.

أما المؤشر الثالث/ الخاص برغبة قسد، وضمنياً التحالف الدولي، بالتهدئة وإعادة السيطرة على المنطقة، ظهر عبر إلغاء المناهج المدرسية التي جاءت بها الإدارة الذاتية لتدريسها في مدارس دير الزور والرقة وأريافها، بل تطور الأمر لعقد مجموعة اجتماعات مع العشائر العربية في دير الزور، وزيارة قيادات عسكرية بارزة جداً إليهم وتلبية مطالبهم في قضية المناهج المدرسية، والسماح بمغادرة أسر وعوائل ومقاتلي داعش من مخيم الهول والسجون الخاصة بهم لدى قسد، بضمانات عشائرية.

المؤشر الرابع والذي ارتبط مباشرة بعد لقاءات التحالف بمجلس دير الزور المدني، توضح عبر تدرب التحالف الدولي موظفين في بلديات دير الزور، ومجلس دير الزور المدني ضمن برنامج أطلق عليه اسم "فرات" في مجال الإدارة المالية لموظفي البلديات في دير الزور، وكيفية إدارة الأموال للخدمات المحلية وتحديد مصادر التمويل المستدامة للخدمات الأساسية. بل تطورت قضية التشبيك بين التحالف والمجتمع المحلي في دير الزور إلى تدريبهم على طرق تأمين تمويل المجالس في المستقبل، عبر وزارة الخارجية الأميركية.

وخامس المؤشرات كانت عبر لقاء للتحالف الدولي مع /14/شركة في الفترة ما بين /20-22/ من الشهر الجاري، حضره مستشاري قسد، وقوة المهام المشتركة، وعملية العزم الصلب، بهدف التواصل مع البائعين لتسجيل أسمائهم على مناقصات عقود عمل لمشاريع تابعة للتحالف بالقرب من الشدادي. وبدء الإدارة الذاتية في 12/10/2020 إعادة تأهيل مشفى هجين، وترجمة التحالف الدولي مؤشراته ودعمه ميدانياً عبر مشاركته في تأهيل المشفى وحضور مسؤولين مهمين افتتاحه، وتأكيد دعمهم لمختلف المشاريع والخدمات.

وتفعيلاً لتحويل المؤشرات إلى وقائع عيانية، طبقت العديد من المشاريع التي تشرف عليها قوات التحالف مع الإدارة الذاتية مثل: محطة تصفية مياه في منطقة أبو حمام، حيث ستستفيد منها عدة بلدات وقرى في ريف دير الزور الشرقي، وعشرات آلاف السكان، إلى جانب مشاريع تعبيد الطرقات في أرياف دير الزور الخاضعة لـ "قسد". والشروع بالعمل على مشروع نقل مياه ري من محطة الكبر نحو منطقة أبو خشب، إضافة إلى مشاريع ري في مناطق ريف دير الزور الغربي.

بالمجمل فإن هذه الفعاليات والمشاريع تزيد من فرصة نجاح الأعمال التجارية الناشئة في المنطقة، وهو ما يؤثر إيجاباً وبشكل مباشر في التعافي المبكر للاقتصاد وتأمين الاستقرار المالي وتوفير الأمن المطلوب لزيادة المشاريع الإنمائية، وهو ما يؤثر مباشرة على ضعف البنية والبيئة الحاضنة لإعادة انتعاش داعش ومنعه من أي فرصة للظهور مجدداً.

هذه التحولات التي قامت بها قوات التحالف، وقسد، تحمل في الخلفية مُحددات خاصة تتعلق بالوضع الميداني والجيوسياسي، خاصة زيادة حدّية العداء للوجود الأميركي في المنقطة سواء عبر

الواضح أن محافظتي الرقة ودير الزور، كمناطق عربية، تشكلان عصب السياسات الميدانية الأميركية والتحالف في المنطقة

التظاهرات لبعض العشائر العربية في ريف الحسكة وتكرار محولات منع دورياتهم من المرور عبر تلك الأرياف. أو زيادة حدية معارضة العشائر العربية لسياسات الإدارة الذاتية خاصة في دير الزور وريفها. هذه المحددات دفعت بالجانب الأميركي والتحالف الدولي وقسد إلى تفويت أيَّ فرصة من شأنها زعزعة أمنها وسيطرتها على المنطقة الغنية بالنفط، وما تمثله من عقدة مواصلات استراتيجية عميقة.

استشعار التحالف بالخطر ترافق مع زيادة الأنشطة الميدانية لقوات النظام، وروسيا، وإيران. وهو ما تجسد عبر لقاء جيمس جيفري مع العشائر العربية في دير الزور خلال زيارته لطرفي الحوار الكردي في أيلول من العام الحالي، كما يبدو ثمة استشعار عربي شعبي من مخاوف بقائهم خارج دائرة الفائدة الاقتصادية والسياسية للمرحلة المقبلة.

والواضح أن محافظتي الرقة ودير الزور، كمناطق عربية، تشكلان عصب السياسات الميدانية الأميركية والتحالف في المنطقة، والحفاظ عليهما تمثلان الأهمية القصوى لثلاث عوامل متداخلة ومترابطة، أولها: أنهما شكلا سابقاً، الحاضنة الأكثر استقبالا لعناصر تنظيم الدولة ومنخرطين ضمنهما، لأسباب عديدة. وثانيتهما: قطع أي طرق توصيل بري لإيران مع المنطقة عبر البوكمال أو أي منطقة أخرى، وبدا ذلك واضحاً عبر افتتاح معسكر تدريب عسكري بالقرب من تل كوجر/اليعربية لتدريب قوات خاصة، بعد تدخلها في عملية الانتقاء، وربما تكون تتمة للخطة الأمنية العسكرية التي قامت بها كلاً من أربيل وبغداد لإعادة السيطرة على شنكال عبر إسناد أمنها لقوات محلية كردية عراقية مشتركة بين إقليم كردستان والعراق، وإخراج جميع التشكيلات العسكرية والأمنية من هناك. وثالثتها: عدّم خسارة الورقة العربية لصالح روسيا، بعد شبه ضمان الموقف الكُردي إلى جانب مسار الحل السياسي في جنيف. ولتفويت الفرصة على روسيا من الحصول على تشكيلات عسكرية من أبناء العشائر العربية ضمن مناطق نفوذ الأميركان وقسد.

 يبقى مؤشر خاص للعلاقة بين الإدارة الأميركية والجانب الكُردي المتمثل بالطرفين المتحاورين، خاصة مع "عرقلة" الحوار وإمكانية أن يتحول المكون العربي إلى مكسب معتمد لدى التحالف. خاصة وأن علاقة قسد والإدارة الذاتية من جهة، والمجلس الكردي من جهة أخرى، متواصلة منذ بداية الحدث السوري، ولم تشهد المنطقة الكردية أي تدريبات خاصة لعناصرهم أو كفاءاتهم، ولا مشاريع بالشكل الذي تشهده دير الزور والرقة.