كيف تخسر آخرتك بدنيا غيرك؟

2021.04.26 | 08:45 دمشق

mdh-bshar-alasd.jpeg
+A
حجم الخط
-A

من السهل جداً أن تخسر آخرتك بدنيا غيرك، عليك فقط أن تكتب قصيدة منمقة، تمتدح فيها حاكماً يُجمعُ نصف الكون على أنه "مجرم حرب" استولى على السلطة عبر انقلاب عسكري وشرعيته معدومة، أو تصعد على منبر جامع فتخطب خطبة عصماء في مديح السيد الرئيس وفكره الذي يوفق بين العلمانية والإسلام! متغافلاً عن الواقع الذي أوصل إليه ملايين السوريين بين مشرد ولاجئ وبلد مدمر واقتصاد منهار.

مشايخ الرئيس

استخدم نظام الأسد الدين منذ اللحظات الأولى لوصوله إلى السلطة، وأبقى الشيخ أحمد كفتارو مفتياً لأكثر من 40 عاماً، يدافع عنه ويمكّن له شعبياً، واعتلى تلامذته منابر المساجد في سوريا يروجون للنظام ويدعون لرأسه ليلاً ونهاراً.

وبعد وفاة كفتارو عام 2004 عمل نظام بشار الأسد على إضعاف جماعة كفتارو وتقوية منافسين قدامى لها، عبر امتيازات لا ينالها الآخرون من المشايخ والعلماء الذين ابتعدوا بشكل ما عن خط النظام، فلم يعارضوه ولم يكونوا في صفه.

وحين اشتعلت الثورة خرجت المظاهرات من المساجد كتعبير جليّ عن الرفض الكامل لهذا النهج المشبع بـ "النفاق" المكشوف.

وتصدر الشيخ الشهير محمد رمضان البوطي في دفاعه عن نظام الأب والابن حتى قتل على يديه عام 2013 رغم كل جهوده في محاربة الثورة السورية.

انتشرت عشرات من المقاطع المصورة عن قيام النظام باستهداف المساجد وتدميرها، أو انتهاك حرماتها، وتقتيل العديد من أئمتها

وهذا حال كثير من المشايخ الذين تركوا الحق الظاهر الواضح وساندوا حرب النظام ضد شعبه، وإن كان نصيب زملائهم من العلماء والمشايخ الذين أيدوا الثورة إما الموت أو الاعتقال أو المنفى مع سلب أموالهم وممتلكاتهم.

انتشرت عشرات من المقاطع المصورة عن قيام النظام باستهداف المساجد وتدميرها، أو انتهاك حرماتها، وتقتيل العديد من أئمتها، والكتابة على جدرانها عبارات الكفر وتأليه الرئيس واستبدال الإسلام بدين "البعث" الحزب الحاكم، ولكن ذلك لم يغير من موقف رؤوس جماعات إسلامية كاملة في سوريا من موقفها المساند للنظام.

والحقيقة أن من لم تهزه القصص التي عمد النظام لتصويرها ويظهر فيها مقتل الأبرياء من شباب وأطفال ونساء وشيوخ، لن يؤثر به هدم مسجد على رؤوس مصلّيه.

ورغم كل النفاق الذي يبذله الشيوخ المقربون من نظام الأسد، والترويج لدعايته في حربه على السوريين بمزاعم الإرهاب، فإنهم بغالبيتهم لا ينالون سوى فتات الفتات، ويتصبرون بمقولات الزهد والصبر على إتيان الفرج، في حين ينعم النظام ورجاله وشبيحته بكل شيء.

 

منشدو الرئيس

والأمر لا يقتصر على المشايخ فمع بداية شهر رمضان المبارك شاع مقطع مصور للمنشد عبد الرحمن عبد المولى يستعيض عن مديحه للنبي صلى الله عليه وسلم، بقصيدة يمدح بها بشار الأسد، قال فيها:

 "نجم تبدّى وظهر..

زين الرجال من البشر

حاز المفاخر كلها..

إنه الـ (بشار) ضوء القمر

والشعب خلفك سائر..

في كل برّ وسفر

عشرون عاماً قد مضت..

والمجد فيها قد حضر".

ورغم كل ما حصل في البلاد من قتل ودم وتشريد ودمار وسوء أوضاع اقتصادية، يخرج هؤلاء الطارئون يتغنون بمن أوصل سوريا لهذا الحال، في تغافل كامل عن الحقيقة والواقع.

لا يختلف هؤلاء عن الشبيحة الذين يقولون "الأسد أو نحرق البلد"، سوى أنهم جملوا الكلمات بشعر رخيص رديء

والمنشدون حالهم حال الشيوخ انقسموا بين مؤيد للثورة ومعارض لها، لكن المقربين من جماعة كفتارو والفتح بعمومهم كانوا من مؤيدي النظام ويخرجون على قنوات إعلامه ويرددون نظريته عن المؤامرة الكونية التي تضرب سوريا المقاوِمة والممانِعة.

لا يختلف هؤلاء عن الشبيحة الذين يقولون "الأسد أو نحرق البلد"، سوى أنهم جمّلوا الكلمات بشعر رخيص رديء، وكانت لهم على بشاعة أرواحهم أصوات جميلة.

ذكر التاريخ فيما ذكر قصصاً كثيرة عن "علماء السلطان" و"شعراء السلطان" الذين يبالغون في مديح الملك أو الأمير أو الخليفة إلى درجات الكفر أحياناً بغية صرّة من الدنانير والدراهم يعتاشون منها.

في عصرنا الحالي، يبالغ هؤلاء في مديح "الرئيس المؤمن" كما كان يوصف حافظ الأسد، أو "الرئيس المفكر" كما تطلق وزارة الأوقاف على بشار الأسد، لكنهم لا يبلغون من السلطان شيئاً ولا ينال أكثرهم شرف لقائه حتى.

وعن المكاسب المادية، لعل أقل مطرب صغير يغني "الداعور أو العتابا" في سهرة "كازينو" بقرى الساحل ينال أضعاف أضعافهم وله حظوة حقيقية بالسلطة على عكس هؤلاء الذين يتنكرون لهم ويأخذونهم على أقل زلّة.

وهم ممّن يصحّ فيهم أنهم خسروا الدنيا ويتوقع كثيرون أنهم سيخسرون الآخرة أيضاً، والأطفال الذين اختنقوا بالكيماوي في الغوطة الشرقية شهود عليهم وهم يتلون قول الله تعالى: "ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسّكم النار، وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تُنصَرون"، فما أثقلها من شهادة.