كيف تؤلف وتطبع وتوزع كتاباً مدرسياً في خمسة أشهر؟!

2021.04.14 | 06:33 دمشق

96c87e9b73d17e207636e8fbc872b592_l-6vl5qfp1jqw9txeeeyvg81wp2ny1gg39gakkimx96tv.jpg
+A
حجم الخط
-A

كل يوم جديد، تتحفنا المعارضة المتصدرة تمثيل السوريين، بجديد يبعث على الاستغراب، وربما السخرية من طريقة الأداء، ومن الدوافع، ومن التوقيت.

نفهم "الحرتقات" السياسية، ودوافعها، وتوقيتها، والتي تظهر قبيل كل مناسبة من مناسباتهم الهزيلة في نتائجها، كما أثبتت السنوات الماضية، التي لم يمر يوم فيها، دون أن يدفع السوريون ثمن نهاره دماً طاهراً. فقبل انتخابات الهيئات العامة، وتبادل المواقع، يقوم "قادة" المعارضة، إما بزيارة رفع عتب للداخل المحرر، والتقاط الصور، التي "يطرشونها" في مواقع التواصل، أو عندما يعقدون اجتماعات في الداخل، مع الذين عينوهم في مواقع خدمية وإدارية، ومن ثم العودة إلى دفء مكاتب إسطنبول، وبرد "مكيفاتها"، فيما ينخر برد الشتاء القارس عظام أهلنا في المخيمات، ويتقاطر العرق من أجسامهم في تلك المخيمات، بسبب الحر الذي يذيب الجماجم.

نفهم "هذه "الحرتقات"، مثلما نفهم "التمسحة"، وتجاهل نقد أهل الثورة، ودافعي ضريبة الدم، وقد مللنا من الإشارة الدائمة لمواطن الخلل، واعتدنا "تطنيش" المعنيين. أما أن يصل "البلُّ" والاستخفاف إلى قطاع التعليم، فهذا أمر يدعو إلى التنبيه - بمختلف الوسائل المتاحة - إلى مخاطره، خاصة وأنه يتعلق بحدث مازال جارياً، وله تأثير على مستقبل الأجيال القادمة، وتحتاج قراءته إلى تعمق، وطرح أسئلة، والبحث عن إجابات بعيداً عن الخطابية، والكلام الإنشائي المنمق.

أصدرت الحكومة المؤقتة، التي يشرف عليها الائتلاف، قراراً قبل أيام، أبسط ما يقال فيه أنه غير مسؤول، ويبتغي "شعبوية" رخيصة، ويؤشر إلى "خفة" وعدم مسؤولية في التعامل مع الأمور، ودغدغة باهتة لعواطف الناس المنحازين للثورة، والمدافعين عنها، والداعمين لبقائها، مما يؤكد أنهم في واد، وطموحاتنا وأحلامنا في واد آخر.

مستنداً إلى قرار قديم للائتلاف، أصدر وزير التربية والتعليم في الحكومة المؤقتة قراراً يقضي بإضافة كتاب مدرسي، يضاف إلى كتاب التاريخ المعتمد في مناهجهم، "عن تاريخ الثورة السورية المباركة التي قامت عام 2011 ومازالت مستمرة" حسب ما جاء في القرار، الذي قضى بأن "يبدأ تدريس هذا الكتاب اعتبارا من العام الدراسي 2021-2022"، وتشكيل "لجنة في وزارة التربية والتعليم لإعداد الكتاب المناسب لكل صف" من الصفوف الأربعة التي اختيرت لتدريس الكتاب فيها (السابع والثامن الإعداديان والعاشر والحادي عشر الثانويان).

01fead43-ac2c-44d8-be62-123d8385aafb.jpg

 

يطرح هذا القرار كثيرا من الأسئلة، التي نريد لها إجابات، علمية، بعيدة عن استغلال العواطف، والتمجيد الإنشائي للثورة، ورمي السائلين/المتسائلين بتهم العداء للثورة، وغير ذلك من الردود والاتهامات، التي يواجهها الحريصون عليها، الملحون على تخليصها من الشوائب، والعلق الذي شابها، وأبعدها عن تحقيق النصر، وعن هدفها الرئيس في "الخلاص من نظام عائلة الأسد الإجرامي، والسعي لبناء مجتمع حر مدني ديمقراطي".

أسئلتنا كثيرة، ومتنوعة... وأبرزها:

هل يعتقد أصحاب هذا القرار المرتجل، أن خمسة أشهر تفصلنا عن بدء العام الدراسي، هي مدة كافية، لتأليف كتاب عن الثورة السورية من أربعة أجزاء، ومن ثم طباعته، وتوزيعه؟

من الذي سيقوم بتأليف الكتاب...؟ هل هناك أصحاب كفاءة واقتدار وتخصص علمي، يوكل إليهم الأمر، أم سيتم تكليف القريبين من أولي الأمر

هل ستسمح الدول، التي تحتضن أهلنا اللاجئين في المخيمات، بتدريس هذا الكتاب، فيما تعمل (لبنان والأردن) على عودة علاقاتها مع النظام المجرم.

من الذي سيقوم بتأليف الكتاب...؟ هل هناك أصحاب كفاءة واقتدار وتخصص علمي، يوكل إليهم الأمر، أم سيتم تكليف القريبين من أولي الأمر، والقرار في الائتلاف والحكومة المؤقتة، وبينهم جمع، لا يستهان بعدده، من حملة "الشهادات المزورة "، التي حصلوا عليها من مكاتب تزوير الشهادات في دمشق، وحلب، وحمص، وغازي عنتاب، وِشانلي أورفة، وآقجي قلعة ورأس العين، والقامشلي، وقسم لا يستهان به يعمل اليوم بهذه الشهادات في مكاتب الائتلاف، وحكومته المؤقتة، وهذا ليس موضوعنا في هذه الوقفة.

ماهي الخلفية الإيديولوجية، للذين سيؤلفون هذه الكتب...؟ علمانيون، أم إسلاميون، أم من المتشوقين للعودة إلى حضن وطن النظام المجرم، حيث سيقوم كل منهم بجر اللحاف إلى جهته؟

هل سيجرؤ المنوط بهم تأليف الكتب، على الكتابة بشجاعة، وموضوعية، عن دور المعارضة السياسية السلبي في وصولنا إلى سيل الخسائر اليومية المجانية، وإلى عدم قدرتها على تبني مشروع وطني واضح الملامح، تتعاضد مع بعضها لإنجازه؟

هل سيجرؤ المؤلفون - إذا سلمنا جدلا بأهليتهم - على الحديث عن دور الفصائل العسكرية، واقتتالها البيني في وصولنا إلى ما نحن عليه، وخسارتنا لآلاف الكيلومترات المربعة، التي تحررت بدماء السوريين، لأنهم تناسوا الهدف الرئيس للثورة، والتفتوا إلى تنمية ثرواتهم على حساب دماء السوريين؟

هل سيتفق المؤلفون على تحديد يوم انطلاق الثورة، أهو اليوم الدرعاوي، أم اليوم الشامي، أم سيرضون الطرفين "حبيا" بيوم وسط؟

هل سيجرؤ المؤلفون على الإشارة الصريحة للمآسي التي خلفتها تجارة السلاح، والحديث عن تجارة الحشيش، التي انتعشت بشكل لا مثيل له في كل المناطق السورية؟

هل سيستطيع المؤلفون الاتفاق على معنىً محدداً لما يعنيه تعبير "المنطقة المحررة"، ومن ثم الإشارة إلى الخطايا، والإجرام، والممارسات غير الإنسانية التي تقع فيها؟

إن التأريخ للثورة يحتاج إلى قليل من التأني، وإلى كوادر علمية متخصصة، وإلى زمن كافٍ

 هل سيواجه المؤلفون سؤال: من الذي يمثل الثورة اليوم؟ ماذا أنجز؟ لماذا تحولت منظمات المجتمع المدني، إلى دكاكين تسبح بحمد مموليها؟

هل سيتكلم الكتاب بصراحة عن الناشطين، وعن دورهم السلبي المختلف جذرياً عن دورهم في البدايات، وإلى هروبهم، ورضاهم بعيشة الذل في مخيمات ودول اللجوء...!

هذا غيض من فيض أسئلة، يطرحها مجرد التفكير بتأليف كتاب مدرسي عن الثورة السورية العظيمة.

إن التأريخ للثورة يحتاج إلى قليل من التأني، وإلى كوادر علمية متخصصة، وإلى زمن كافٍ، ويا خوفنا من أن يؤدي الاستعجال، إلى تأليف كتاب يضم "مقتطفات من أقوال المجرم بشار"، كما فعلوا في سنوات مضت، عندما وضعوا مختارات من "أقوال المجرم حافظ الأسد" عن الشهادة...!

النوايا الطيبة - إذا افترضنا وجودها - والكلام الإنشائي، ودغدغة العواطف، والتعامل باستخفاف مع قضية كبرى اسمها "الكتاب المدرسي" لا تنتج كتب تاريخ مدرسية، تُعَرِف الأجيال القادمة بثورة أبائهم.  

لسنا بحاجة لمزيد من اللغو والإنشاء الفارغ، بل لقليل من التواضع، والخشوع، والحب، والتقدير لهذه الثورة العظيمة.. يا سادة...!