كوفيد-١٩: الانعكاسات المحتملة على دور إيران في سوريا؟

2020.04.07 | 00:01 دمشق

ayran.jpg
+A
حجم الخط
-A

مع تفشي فيروس كورونا (كوفيد-١٩) وتحوّله إلى وباء، طالب الأمين العام للأمم المتّحدة أنطونيو غوتيرش بإعلان وقف دولي لإطلاق النار في جميع مناطق النزاع حول العالم وذلك لحماية المدنيين وإتاحة الفرصة للتركيز على جهود مكافحة واحتواء الوباء على اعتبار أنّ المدنيين في أماكن النزاع وفي الدول الهشّة هم أكثر الفئات عُرضة لمخاطر الإصابة بالفيروس ويجب إعطاء جهود حمايتهم أولويّة في هذه الظروف الاستثنائية بالذات. 

استجابت عدّة دول لطلب الأمين العام وأعلنت وقفاً لإطلاق النار من جانب واحد أو جمّدت عملياتها العسكرية أو سحبت قواتها من أماكن النزاع في مناطق مختلفة حول العالم. في منطقة الشرق الاوسط على سبيل المثال، قامّت عدّة دول غربية بسحب جنودها وتقليص قواتها كما فعلت فرنسا وبريطانيا، كما اتّجهت دول أخرى إلى تقليص تحرّكات قواتها إلى أدنى حد ممكن كما فعلت تركيا في سوريا، بينما أعطت واشنطن تعليمات بتطبيق نظام الحجر أو العزل أو التباعد الاجتماعي لعدد كبير من أفراد قواتها العاملة في الشرق الأوسط. 

وحدها إيران فقط من فضّل على ما يبدو أنّ يتعامل مع التحدّي الذي يفرضه وباء كورونا على أنّه فرصة ثمينة للدفع بالمصالح الجيو-سياسية قُدماً إلى الأمام من خلال التعزيزات العسكرية و/أو التصعيد العسكري في هلالها الشيعي الممتد من لبنان وحتى اليمن مروراً بسوريا والعراق. فبالرغم من أنّها تعتبر واحدة من الدول التي ضربها الفيروس بشدّة موقعاً عدداً كبيراً من الإصابات والضحايا في صفوف مدنّييها وسياسيّيها وعسكريّيها، فإن النظام أثبت مرارا وتكراراً بانّ أجندته الخارجية الإقليمية تحتلّ الأولوية ولو على حساب الشعب الإيراني ومصلحته وصحّته.

في مارس الماضي، قامت طهران بتصعيد ملموس للأوضاع الإقليمية، فهاجمت الميليشيات الموالية للحرس الثوري في العراق قواعد عسكرية تتمركز فيها قوات للتحالف الدولي لمكافحة "داعش" في العراق، فأوقعت عدداً من القتلى ما دفع الولايات المتّحدة للرد بقوّة على مواقع لهذه الميليشيات تلاها تحذير شديد اللهجة من الرئيس الأمريكي مذكّراً بالعواقب التي من الممكن أن تلحق بإيران. وفي لبنان، قام حزب الله بإرسال طائرة من دون طيّار باتجاه إسرائيل مُعيداً إلى الذاكرة شبح المواجهة. أمّا في اليمن، فقد قامت ميليشيات الحوثي بإطلاق صواريخ بالستيّة باتجاه السعودية.

فيما يتعلق بسوريا، فقد أوردت العديد من التقارير قيام الميليشيات الموالية لإيران بتجنيد حوالي ٩ آلاف مقاتل جديد من الطائفة الشيعية الشهر الماضي في كل من جنوب وشمال شرق سوريا مستغلة الظرف الاقتصادي الصعب لهؤلاء الشبّان والدعاية المذهبية والاتجاهات القوميّة المعادية لتركيا والولايات المتّحدة الأمريكية. أمّا الأمين العام لحزب الله الموالي لإيران في لبنان، فقد أعلن هو الآخر عن استمرار إرسال المقاتلين من ميليشياته إلى سوريا لافتاً الى أنّه سيتم فحص المقاتلين الذين سيتم إرسالهم للتأكد من عدم إصابتهم بالفيروس. 

عملية التعبئة والتحشيد وإعادة التمركز هذه تأتي بعد الضربة الموجعة التي تلقتها الميليشيات التابعة لإيران في سوريا خلال عملية "درع الربيع" التركية في إدلب

عملية التعبئة والتحشيد وإعادة التمركز هذه تأتي بعد الضربة الموجعة التي تلقتها الميليشيات التابعة لإيران في سوريا خلال عملية "درع الربيع" التركية في إدلب. ومن حسن الحظ أنّ هذه العملية كانت قد أدّت إلى تخفيف حدّة الصراع إلى أدنى مستوى مع التوصّل إلى تفاهم مع روسيا قُبيل اندلاع أزمة كورونا العالمية. وبالرغم من أنّ هذا الاتفاق كان قد ساهم في تخفيض عدد الضحايا من المدنيين في شهر مارس إلى أدنى حد له منذ اندلاع الثورة السورية، فإن هناك انطباعاً سائداً بأنّ هذا الاتفاق تكتيكي وأنّه لن يدوم طويلاً، وأنّ إيران ربما يكون لديها مصلحة كذلك في نسفه نظراً لاستبعادها من المفاوضات التي تمت بين الجانبين الروسي والتركي.

الجانب التركي أعطى تعليماته مُؤخراً بتقييد حركة الجنود الأتراك في أماكن العمليات في سوريا قدر المستطاع. وفي المقابل، فإنّ احتمالات لجوء روسيا إلى التصعيد الآن تُعدّ ضعيفة ليس بسبب الإجراءات المتعلقة بفيروس كورونا فحسب، وإنما بسبب انخفاض أسعار النفط بشكل هائل نظراً لحرب الأسعار المستعرة بينها وبين السعودية. الجيّد في الأمر أنّ وباء كورونا قد يعزّز من فرص نجاح الاتفاق التركي-الروسي ومدّ عمره، لكن السلوك الإيراني يوحي بأنّه ينظر الى الوباء باعتباره فرصة ثمينة لتعزيز دوره وموقعه على الأرض بانتظار انتهاء المعركة مع كورونا.

هناك من يشير  أيضاً إلى أنّ روسيا تريد هي الأخرى استغلال الوباء للدفع بأجندتها العسكرية في سوريا ليس من خلال العمل العسكري وإنما من خلال تعزيز دورها في أجهزة الدولة. خلال السنوات القليلة الماضية، برز خلاف روسي-إيراني حول إعادة هيكلة الجيش السوري وموقع ودور الشخصيات المحسوبة على الطرفين داخل أجهزة نظام الأسد.

انتشار الوباء في سوريا عبر إيران وميليشياتها قد يوفّر الذريعة المناسبة لموسكو لتعزيز الفصل بين القوات الموالية لها وتلك الموالية لإيران بحجّة العزل أو الحجر، ويطلق يد موسكو بشكل أكبر في السيطرة على المواقع الحساسة.  

لكن في المقابل، إذا صحّت هذه المعلومات، فقد يكون تأثيرها تكتيكيا، وقد يؤدي في المقابل الى تعزيز ولاء القوات المحسوبة على إيران للحرس الثوري. بغض النظر عن هذه الجزئية، إلا أنّ الواضح من خلال التحركات الإيرانية أن لا شيء يوقف أجندة إيران التوسّعية بما في ذلك الوباء!